لا شيء يعدو كونك أيها المتعقل...! الوحيد...! ، الذي يهتم بإشكالية الهوية، فأنت لا تعرف كيف تقدم نفسك لنفسك فمرة تكون ذالك العربي المهاجر الذي استقر به القدر بهذه الربوع بعد عناء سفر شاق من الجزيرة العربية وتارة أنت البربري الذي قطن التلال والوديان هنا على مدار الأيام والسنين أم انك ذالك
الزنجي الذي حالفه الحظ ـ أولم ـ في أن لا يواكب قوافل العبيد إلى العالم الجديد، فبقي يزرع الأرض على ضفاف النهر، كما كان يفعل أسلافه الفراعنة على النيل حسب الأطروحة ’الانتا جوبية’...! ، لكن هذه المرة من غير أهرامات ، فكيف لك أن تقدم نفسك إلى الآخرين..! ، ممن يعرقون عنك أكثر مما تعرف عن نفسك...؟
لاشيء في هذا البلد يستحق أن يدرج في خانة الأولوية سوي البحث عن الذات..! ، فلا كتب التاريخ الحديثة ولا القديمة تؤكد بما لا يضع مجالا للشك أنني ذالك العربي الذي هاجر أو هُجِرَ كما لا تنفي أنني ذالك البربري الذي كان صاحب الأرض استوطنها منذ الأزل ، ولكن ما يكـــــــاد أن يكون مجمعًا عليه أن الزنوج أفارقة والبرابرة إما أفارقة ..! أو جاءوا مهاجرين منذ غابر الزمن ، و العرب هم من سكان الجزيرة العربية أتوا مهاجرين..!!
أين أنت من الهوية إذا..!!؟ هل الهوية هوية ألأرض ؟ أم ساكنها ؟ أم المهاجر ؟.. هل نحن بالفعل بلد عربي كاليمن والعراق أم أننا تعربنا كالصومال وجزر القمر طبقا لإستراتيجية سياسية ، لبلد يبحث عن من يكون بالأمس في زمن الحركات التحريرية ، وبعد ذاك في زمن العولمة ؟!!
عرف عن فرنسا قبل خروجها من جميع مستعمرتها أن تجعل إشكالية الهوية احدي معضلات التوحد لدي شعوب تلك المستعمرات ، من باب فرق تسد، لكن الهوية العرقية لم تكن مطروحة بشكل كبير لبعض تلك المستعمرات كما هي الحالة عندنا ، بيد أن بعض منها لديه تشابه معنا استطاعة نخبته المثقفة إنتاج مجتمع يؤمن بالدولة التي ينتمي إليها قبل أن تكون لديه فكرة عن عرقه و ثقافته التاريخية حتى!! من باب أحري ثقافته التي اكتسبها حينما كان مستعمرا..!! كما هو حال الجزائر وتونس على سبيل المثال.
أما نحن فقد ضاعت هويتنا بين من تثقف إبان الحقبة الاستعمارية وبين من كان قبلها له ضلوع بتاريخ الأمم ، دون أن يدرك هذا وذاك أننا نحاول أن نبني دولة في شمال غرب أفريقيا ، يجب أن يؤمن أهلها بها كهوية لهم ، في عالم تدَوُلٍ الأوطان ، قبل أن يؤمنوا بمصالحهم فيها ، كحماية لهم من شر غادر بها كوطن لهم وكدولة قبلهم هم كمجتمع أو كجزء من شعب ، فحينما يتعلق الأمر بالهوية الوطنية يرفع النخبة عندنا أحلام ثقافتهم المكتسبة والتاريخية والجغرافية وغيرها ، دون أن نعير اهتماما لآنية الزمان و المكان الذي نحن فيه اليوم ، فلأمريكي اليوم من أصل بريطاني على سبيل المثال حريص كل الحرص على مصالح أمريكا بلده الجديد عن بريطانيا البلد المنافس والمؤهل أن يكون في مصاف بلده الجديد ، فما بالنا نحن نضيع بين ثقافة التاريخ الفرنسي وجغرافيا الثقافة العربية.
حينما كنت صغيرا كان الرواية عندنا أننا عرب مهاجرين من الجزيرة العربية ، وعندما كبرت صار الحكاية إننا برابرة أهل الأرض وسكانها الأصلين ، غير أن الحقيقة التي لا اختلف فيها مع ذالك الزنجي في الجالس قبالة النهر أننا على ارض افريقية وأننا إن كنا عرب فإننا عرب أفارقة وان كنا زنوجا فإننا أفارقة وان كنا "صينيين" فإننا أفارقة فلماذا لا نجعل هويتنا افريقية قبل أن نكون أي شيء ثم عندما ننشئ وطنا نطلق عليه اسم ونتوحد من اجل أن يكون كيانا بين الدول، نجعل منه هوية لأنفسنا سواء كنا مهاجرين أو سكانا أصلين حتى لا نكون " بنينا خيمة وجلسنا شمالها أو جنوبها"
نعم هكذا يجدر بنا ، فلسنا عربا قبل أن نكون موريتانيين ، حتى تصدق المقولة "ليس كل الموريتانيين عربا"..! ولسنا حماة للثقافة التاريخية الفرنسية بـعـــد أن نكون موريتانيين....! ، نحن موريتانيين هذه هي الهوية الجديدة التي يجب أن نسعى من اجل أن نقدمها للتاريخ الإنساني ، حتى لو تطلب منا الأمر أنتاج لغة جديدة تضاف إلى رصيد للغات العالمية كما فعل الفرنسيين مع الراء التي أبدلو نطقها من اجل أن يفهم عن الحاكم ما يقول.
لقد آن الأوان أن تبدأ نخبتنا المثقفة في الوعي لمسالة الهوية الوطنية وان لا تخلط في طرحها بين ما هو خيارات سياسية و ما هو تاريخي من ثقافة وقيم وتقاليد وبين وطـــــــــــنيــــــة الهوية فانا اليوم حينما أسافر إلى العالم البعيد لا أقدم نفسي على أنني عربي ولا زنجي ولا بربري بل موريتاني موريتانيا هي الهوية التي يعرفني بها الآخر اليوم فلماذا لا تكون هي هويتي وليس تاريخ أجداد أو ما اكتسبته من ثقافة غيري .
ألا يستحق منا هذا الوطن أن نضحي من اجله سواء كنا عربا أو برابرة أو زنوجا وان نصنع بثقافاتنا المختلفة ألوان علم جديد لهوية من صناعة هذه الأمة ، وان نقدم للتاريخ الإنساني نموذجا من التعايش البشري فقد خلق الله البشر شعوبا وقبائل ليتعارفوا وليس .....! ، فحري بنا أن ندرك أي عالم نعيشه ، وان نحس بالخطر الذي يحيق بنا، فنتحالف مع أنفسنا أولا ، ثم مع من تربطهم بنا مصالح يحُسن تقديرها ثانيا ، وإلا فلن يكون لنا مكان في هذه المعمورة، وسيقال في حقنا: هاهنا عاش في يوم قوم أغبياء سحقتهم أقوام ذكية وبالتالي أحق بالحياة.. فهل من مستجيب ؟؟