لما انصرفت أسرة العفاريت شمهروش وسفوس عن القصر الرمادي خرج الحاكم من تحت السرير وماء زمزم يتقاطر وقال للسيدة إنه سيستدعي طبيب أسنان لينزع أسنان سفوس، فأجابته السيدة أنها ليست امرأة العزيز والعفريت ليس يوسف معاذ الله.
قرر صبيحة اليوم الموالي استدعاء أعضاء الحكومة
وقص عليهم ما جرى في الليلة الماضية وحدثهم عن الشيخ والعفريت شمهروش والعفريتة سفوس ووصف لهم هيئة الفعاريت وقال إن شمهروش مخلوق ضخم يقذف الحمم من أنفه ويتصاعد الدخان من مؤخرته وسفوس مخلوقة عارية شفتها العليا منزوعة ولها سنان وترتدي لباسا مغطى بالأشواك وهي ضخمة جدا. قال الوزير الأول بس..بس.. بس.. بسم الله الرحمن الرحيم. سألت وزيرة البيطرة: كيف كانت رؤوسهم؟ فأجاب الحاكم: أن شمهروش رأسه رأس حمار مضاعف، وسفوس رأسها رأس إنسان لكنه مشوه. فسقطت الوزيرة وأصيبت بالإغماء. وللتستر على الموضوع لم يلجأ أعضاء الحكومة إلى استدعاء طبيب، ورشوها بماء بارد حتى استعادت وعيها. كان وزير الداخلية بالقرب منها مع الوزيرات، فسألها عن ما ألم بها، قالت له: في سالف الزمن كان جدنا يتعبد ليلة القدر، فسقط عليه رأس حمار من السماء وسأله عن ماذا يريد؟ فأجاب جدي قائلا لرأس الحمار: غايتي الوحيدة الآن أن تنصرف عني. والعفريت هذا كما وصفه الحاكم، رأسه رأس حمار مضاعف، ونحن مؤخرا رخصنا لتصدير لحم الحمير، وأنا على يقين أن العفاريت عندما يتعاطفون مع حمير الأرض والسماء، سأكون لا محالة هدفهم بعد الحاكم.
تدخل الناطق الرسمي باسم الحكومة، سأل عن ما جرى بالضبط داخل القصر، فأجابه الحاكم أن هذا المجلس لا تنشر نتائجه في مؤتمر صحفي، وتكتم على طلب سفوس الرامي إلى تقبيله، كما تستر على غيرة السيدة، ماء زمزم، وقطع رأس المحامي يحي ولد عبد القهار. وادعى أن العفاريت طلبوا المال فقط.
فقفز ويزر المالية والاقتصاد وقال:إن لدينا فائض في الميزاني وبوسعنا بدل من إخراج الزكاة إعطاء العفاريت نسبة معتبرة صيانة لمال الأسرة الحاكمة.
قالت وزيرة البيطرة : إذا كانت الحكومة ستقر اقتراح وزير المالية، أرجوكم أن تخصصوا مبلغا كفدية يشار للعفاريت إلى أنها تدفع باسمي لأنني أكثر عرضة ويفترض أنني أكثر جبنا، فأجابها وزير المالية والاقتصاد بالقول: إن الحكومة عادلة ولا تفرق بين صانع وعربي وزاوي وحرطاني، وعليه فإن المسطرة الجديدة تنص على حماية مصالح الحاكم فقط.
استعذب الأعضاء شجاعة الوزير وكرمه وإقدامه ولم يعلق الحاكم ورفع الإجتماع.
في ذلك المساء بالذات كان وزير المالية والاقتصاد يحدث حرمه عن بطولاته في مجلس الوزراء، وكان يبشرها بكسب ود الحاكم، قص عليها حادثة العفاريت مع القصر. وخلدا إلى النوم. وعلى تمام الساعة الرابعة صباحا اهتزت الأبواب والنوافذ ودخلت سفوس مع خمس من أبناءها وعبثوا بجميع محتويات الغرفة. في لمح البصر، ولم يعرف الزوجان ماذا حل بهم نظرا لسرعة تصرفات الأبناء، وظلام الغرفة.
وبعد اكتمال مهمة العفاريت الصغار، غمزت سفوس الضوء فإذا بالوزير عاريا وملتفا في زاوية الغرفة يضع يديه على شربيله ويرتعد، وكانت السيدة جازمة على السرير دون حركة.
فتقدمت سفوس نحو الوزير واقالـت : أنا لالة وسأقبلك تماما كما فعلت للحاكم، قال الوزير: وُووْ.. وُووْ.. وُووْ، فلم تبالي واقتربت ثم قالت: إنك شاب وسيم كذاب مقدام شاطر، ولهذه الميزات أحببتك كحبي للحاكم. وفرقت أقدامها وصرخت: أين المال؟ فأجابها : إنه موجود، فأشارت إلى أبنائها الصغار وأحاطوا بالوزير وأدخل كبيرهم أصبعه في أنف الوزير وسأله: لماذا ضاعفت الضرائب؟ فأجابه: ضاعفتها لتغطية عجز في الميزانية. ولماذا استبحت المواطنين وجعلت على كاهلهم تلك الأعباء؟ فأجابه: لأنهم ضعاف وأميون. تقدم الإبن الموالي وجعل أصبعه تحت لحيته ورفعه إلى الأعلى وسأله : لماذا لم تخفض الأسعار وخاصة سعر البنزين؟ فأجابه الوزير: لقد عينني الحاكم من أجل التصعيد والزيادة فقط.
تقدم الإبن الثالث: وسأل : أتقبل أن تحترق من أجل مرضاة حاكم ؟ فأجابه : انا نادم، سامحوني.
قالت له العفريتة : خذ الهاتف وحدث الحاكم عن ضيوفك هذا المساء. وأخذ الهاتف
بإحدى يديه. وترك الأخرى على شربيله ووضع السماعة على أذنه ومسكها بركبته، قالت العفريتة لإبنها الأصغر المدلل: خذ منه صورة من الأسفل إلى الأعلى.
ثم رن الهاتف ولحسن الحظ وتأهب الحاكم أخذه، قال الوزير: السيد الحاكم، عذرا على الإزعاج، أردت إخطاركم أن منزلنا به ضيوف، وكان صوته يوحي أنه في هم وكرب. فقال له الحاكم : ربنا لا تهلكنا بذنوبنا. ادخل تحت السرير، وبل عليهم وقل لهم أنه ماء زمزم كما فعلت أنا.
كانت سفوس تستمع للحوار، وانتزعت السماعة وقالت للحاكم: أيها الحبيب أنا لالة، هل أنت جاهز؟ قال لها: نعم، أنا جامد جامد، لكنني خارج البلاد. ورمى الهاتف ودخل تحت السرير. فالتفتت إلى الوزير وقالت له: كلم الوزير الأول واذكر له ضيوفك هذا المساء، وقل له أن سفوس وشمهروش معك في المنزل، وسنزره.
فعل الوزير ما أمر به، ولما رن الهاتف أخذته سفوس، قال الأول : خيرا؟ فأجابته: أنا سفوس، قال: من هي سفوس؟، قالت العفريتة : حرم شرمهروش، قال: بس.. بس.. بس.. بسم الله الرحمن الرحيم. قالت له : أنا لالة وقد انتهيت من الحاكم ووزير المالية، وقبلتهما على طول، وسآتيكم. قال لها: يعلم الله أننا نحن أهل ديجني محافظون، ومنذ صغري لست محبوبا ولم تقبلني حتى أمي، وأنا لم أمارس تلك الرياضة قط، وأر..أر.. أر.. أرجوكِ سامحيني. قالت له: لن أسامحك، لقد أعجبتني أنت وحكومتك لما رخصتم لحم الحمير لأن كل راس حمار قطع سيركب لعفريت. وكلما زاد عدد العفاريت أصبحت لدينا القدرة على إسقاط نظامكم الفاسد، وغازلته قائلة:
شفتي العليا منزوعة ولي سنان اثنتاني
ليس لي سواك صديق أيها الوزير المجاني
قال لها الوزير الأول: يعلم الله أننا نحن أهل ديجني محافظون، لا نعرف الشعر ولا نحكيه، ورمى الهاتف ودخل في دورة المياه، وأغلقها عليه حتى الصباح.
فجأة انصرف العفاريت، وقامت حرم وزير المالية التي شاهدت كل ما جرى ولم تخف، وسألته: هل أنت بخير؟ فأجابها: أنا لست على ما يرام وأخشى أن أصاب بإسهال شديد. وفي الصباح الباكر ارتدى فضفاضته ولم يتناول الفطور، وتوجه إلى المكتب، وعلى تمام الساعة الثامنة رن الهاتف وكان الحاكم، قال : كيف صباحك أيها الوزير، قال له : "لباش"، سأله مرة أخرى، قال: "لباش" فقطع وهتف على الوزير الأول، وسأله: كيف صباحه؟ قال: "لباش" أعاد الإتصال، فقال له أيضا : "لباش".
اتصل على وزيرة البيطرة وقال لها: اتصلي على الوزير الأول، لما رن الهاتف سألته : كيف حالكم السيد الوزير الأول؟ قال: أنا لست هنا.
أعادت الإتصال وسألته مرة أخرى: قال لها: يعلم الله أننا نحن أهل ديجني محافظون..، تركته واتصلت على وزير المالية، ولما سمع صوتها قال: أنا مستقيل أرجك ليس لدي مال، وما ذكرناه من أرقام أمام البرلمان كذب وبهتان،أنا كنت شريك في مكتب للدراسات، بلا سيارة ولا مكتب وبعده وظفتني نبغوه منت حاب في الوزارة، ولما نبشت قضية ولد بو عماتو، ظهرت في التلفزة الوطنية، أخذني الحام صدفة وعينني على إدارة الضرائب، وبعد ذلك عينني هنا وبعد ليلة البارحة استقلت من الوظيفة وليست لدي فدية أدفها عنك مع أن العفاريت ذكروا اسمك، حينها سقطت السماعة من يدها ،و رمت الملحفة وخرجت إلى الشارع.
أمضى الحاكم وقتا، ولم ترد الوزيرة الإتصال، فخرج من مكتبه وقال: آتوني برأس المحامي يحي، وعلقوا رؤوس المحامين على أشجار القصر وفي كل مكان ثم عاد إلى الداخل، فوجد
شمهروش جالسا على الكرسي، ويتفحص البريد والدخان يتصاعد من مؤخرته، وفاجأه بالقول: أيها الحام عد إلى الحمام كما تعرف، واعلم أن سكوت الحمير ليس مبررا لقتلهم وبيع لحومهم في دولة إسلامية، وامسح دموع الحكم من الآن فصاعدا.
انتشر الخبر وعلم المنتدى
...يتواصل من وحي الخيال