في زمن الخليفة العباسي المأمون ظهر في ولاية (مازندران) رجل فارسي اسمه "بابك "، من طائفة مجوسية
تدعى (خرميه) ، وكان هدفه الأساسي هو استعادة السلطنة الفارسية ، وقد طفق هذا الرجل ينشر عقيدة التناسخ ، ويهدم قواعد الأخلاق من أساسها ، وعندما كثر أتباعه اعتصم في قلعة
(بذر) المنيعة ، وأخذ يغير في بعض الاحيان على القرى والبلاد المجاورة ويقتل الرجال ويأسر النساء، ويرتكب الفواحش ، وينشر تعاليمه ، وينفث سمومه بين العرب المسلمين لتجرئتهم على مخالفة أحكام الدين الإسلامي بغية أن تنحل الرابطة التي بين المسلمين ، حتى لا يجد الساعون لإعادة المجد الفارسي أمامهم معارضين أشداء ، وقد استمر هذا الرجل عشرين سنة على هذا النهج القذر إلى أن تم القضاء عليه من طرف الخليفة المعتصم عام 223 ، لكن الخليفة لم يستطع أن ينزع ما بذره "بابك " واتباع الديانتين الفارسيتين "الزرادتشية" و"المانيشية " من الشرور في أفئدة العوام وضعاف النفوس .
لذلك فقد ظهرت في سنة 260 " جماعة القرامطة " كنبتة خبيثة من الجذور السامة التي غرستها الديانات السابقة والمذاهب الاثني عشرية والإسماعيلية ، حيث تشير أكثر المصادر إلى أنّ مؤسّس مذهب القرامطة حمدان بن الأشعث الملقّب بقرمط ، دخل في بداية حياته في مذهب الإسماعيلية الباطنيّة ، وورث عن أبيه كره الإسلام وأمل القضاء عليه وتأسيس دولة فارسية على أنقاضه تقوم على أساس الدين المجوسي، وقد مكث القرامطة عهداً من الزمن يبثّون عقيدتهم الباطنيّة بين العوام والجهلة، فلمّا اشتدّ ساعدهم ووجدوا أنّ الفرصة سانحة للخروج على دولة الخلافة أعلنوا تمرّدهم وارتكبوا جرائم شنيعة ضد الإسلام وأهله ، وتوجوها بفعلتهم المنكرة في عام 317هـ ، حين أغار القرامطة علي المسجد الحرام وقتلوا من فيه وسرقوا الحجر الأسود وغيبوه 22 سنة .
وفي هذه الفترة الحالكة من حياة الأمة نشطت جماعة أخرى "باطنية " خطيرة ، تعتقد أن القرآن يحمل تأويلا باطنا لايعلمه أحدغيرهم ، وقد اختارت هذه الفرقة طريق الدسائس السرية وبذلت جهودا حثيثة لإحياء أساطير وخرافات قديمة تكتمهاعن المبتدئين ، وقد انتخبت لتنفيذ هذا المخطط (عبد الله بن ميمون بن القداح) الذي يعلم كنه الأخطار التي تظهر أمام من يريد نشر مذهب الباطنية ، وكان عالمًا بمذهب (زرادشت) ، ومن أشهر خطبه البذيئة ما يلي: (إن المسلمين فتحوا بلادنا، وأزالوا دولتنا ، إن الانتصار عليهم في الحرب والقتال أصبح مستحيلاً ، وإنما النافع في جهادنا لهم أن نقطع أواصر الاتحاد التي بينهم، ونشوش عليهم أمورهم، ونوقعهم في بحر الارتباك ، فحينئذ ننال منهم ما نبغي: نحرف الإسلام بتأويل نصوصه ، ونمجس المسلمين من حيث لا يشعرون ليخربوا بيوتهم بأيديهم , إذ بهذا وحده يمكن أن تدال الدولة للفرس ويعيدوا دينهم ودولتهم إلى سابق مجدها ) .
ومنذ أكثر من قرن ادعى حسين مرزا عباس المولود بنواحي "مازندران" بإيران ، سنة 1233هـ النبوة ، ثم أدعى الألوهية المطلقة ، وزعم أن بهاء الله تجلى في وجهه ، وأنه لذلك كان يسدل على وجهه نقابًا عندما كان يمشي في الطريق لئلا يرى الناس ذلك البهاء ـ تعالى الله عما يشركون ـ وزعم كذلك أن شريعة الإسلام قد نسخت بمبعثه في إيران، ولقب نفسه بالبهاء، وإليه تنسب طائفة البهائية التي انتشرت في أنحاء إيران والعراق، والعديد من الدول الأخرى، ومن أبرز كتب هذه الطائفة كتاب " الأقدس " الذي تعتقد هذه الجماعة الضالة أنه ناسخً للقرآن والتوراة والإنجيل ، إضافة إلى كتابين آخرين هما الإيقان ، وكتاب الألواح المباركة.
وبعد نجاح الثورة الإيرانية عام 1979 عملت إيران بشكل مباشر على مبدأ تصدير الثورة إلى سائر الأقطار حيث يقول الخميني في الذكرى السنوية لانتصار الثورة 11/2/1980:(إننا نعمل على تصدير ثورتنا إلى مختلف أنحاء العالم ) ، وعندما تعذر على بلاده ذلك لأسباب كثيرة معقدة ومركبة ، من بينها الحرب مع العراق ، بدأت إيران تشعر بـ " العصبية والتوتر" ، وأنشأت تبعا لذلك منظمات ومليشيات مهمتها الأساسية نشر الأفكار والمعتقدات الفارسية ، واستخدمت لهذا الغرض أسلوب وطريق إيقاظ الجيوب الشيعية ، ودفعها إلى التنابذ مع محيطها ، وعزلها اجتماعيا وثقافيا من جهة ، وإلحاقها سياسياً واقتصادياً بالمركز الإيرني ، من جهة أخرى، مع الحرص الشديد على عدم انسلاخ هذه الجيوب عن محيطها بشكل تام ، بما يتيح لها التأثير بشكل دائم في الدول التي تعيش داخلها، تحت غطاء المواطنة وحقوق الأقليات ، وذلك لكي تبقى إيران قادرة على التأثير داخل كل بلد من دون أن تضطر إلى المواجهة المباشرة المكلفة وغير الضرورية .
ومن أشد المظاهر وضوحا للمد الإيراني القيام بتشكيل مليشيا موالية لها وخلق زعامات ومرجعيات لتفكيك بنية الدول العربية مثل ما حصل في العراق التي احتلتها إيران عن طريق المليشيات التابعة لها وسوريا ولبنان اللتين يعيث فيهما حزب الله فسادا مع ما هوحاصل في اليمن ، وما هومتوقع في الخليج العربي حيث بدأ صوت الشيعة هناك يعلو لدرجة الدعوة إلى الانفصال في مناطقهم خصوصاً في البحرين والكويت والمنطقة الشرقية من السعودية ، ولم تكتف إيران بالتحرك على المواقع التقليدية للشيعة داخل المشرق العري ، بل إنها توسعت غربا ، حتى وصلت المغرب الأقصى .
وبعد أن أصبح المذهب الرسمي لإيران هو المذهب الشيعي الإثني عشري ، بوصفه مستودع ثقافتها وتقاليدها ، ووعيا ذاتيا لقوميتها الفارسية و جسرا لدولتها الحديثة ، حيث ورد في الدستور الإيراني أن المذهب الجعفري الإثنى عشري سيبقى هو المعتمد لأن المادة (12) "تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير" كما ينص على ذلك الستور لإيراني . فإن الخميني قد طفق ينشر ويصدر معتقداته ويمليها على المسلمين ويزرع بواسطتها الفتن وذلك من خلال كتبه التي زادت على الخمسين مؤلفًاعجت كلها بالكراهية والزيغ، حيث يقول في كتابه كشف الأسرار، ص (123) :
" إننا لا نعبد إلهًا يقيم بناءً شامخًا للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه ، ويُجلِس يزيد ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه ".
كما أنه يقول في كتابه "الحكومة الإسلامية "، ص (52) "إن للإمام مقامًا محمودًا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقامًا لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل " ، وهذا يعني أنهم يعتقدون أن أئمتهم أفضل من الرسل ، كما أنه تلميح واضح إلى تأييد ما قال شاعرهم :
ضل الأمين وصدها عن حيدر تالله ما كان الأمين أمينا
وبما أن هذا يعتبرغيضا من فيض ، فإنني سوف أكتفي بالاقتباسين السابقين فقط ، احتراما لديننا الإسلامي ، ولمشاعر القاررئ الكريم الذي أعلم أنه لا يحب حديث الذين يوذون الله ورسوله .
ومع أن مبدأ تصدير الثورة مرفوض ـ على الأقل من طرف الغالبية السنية ـ فقد اعتمدت إيران الأساليب الصفوية لفرض التشيع ، والتعامل بوحشية مع أهل السنة حيث أنشأت حدود العداء بين الشيعة الإثني عشرية والسنة على الرغم من أن الخلافات الفقهية موجودة منذ زمن بعيد ومعترف بها من قبل كلا الطرفين .
وبذلك أصبح لايوجد من هو أشد بغضا وكراهية لمذاهب أهل السنة وعلمائهم من الشيعة بعد بغضهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي مدينة كاشان الإيرانية وعلى غرار الجندي المجهول يوجد قبر وهمي لأبي لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل عمر بن الخطاب ، حيث أطلقوا "باب شجاع الدين" على أبي لؤلؤة لقتله الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، وقد كتب على جدران هذا المزار الموت لأبي بكر الموت لعمر الموت لعثمان ، ومعلوم أن الفاروق فتح بلاد الفرس ، وكسر شوكتهم في معركة القادسية أثناء الفتوحات التي حصلت في عهده ، لذلك فليس من الغريب إذا كان الإيرانيون يحتفلون في 9 ربيع الأول من كل سنة بمقتل أميرالمومنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على طريقتهم الجبانة ، حيث يصنعون دمية يسمونها عمر ثم يتم لعنها وطعنها ثم إحراقها .
وإذا كانت الحرب التي شنتها إيران على العراق سنة 1980 بعد عام فقط من قيام الثورة الإيرانية ، قد تعد بحسب البعض واحدة من أهم نتائج تصدير الثورة ، التي اعتبرها العرب تخريبا لبنيتهم الاجتماعية لما في المد الإيراني من بعد طائفي خطير ، حيث ظهرت بعض القضايا التي لم تعرفها المجتمعات العربية من قبل كتعبير السني والشيعي ، إلا أن هذا المد الإيراني في تلك الفترة لم يكن على ما هو عليه الآن من القوة ، لأن قادسية صدام حسين شكلت عملياً جدارا قوياً في طريق هذا المد ، مع وقوف بعض القوى التي تشتكي اليوم من الخطر الصفوي ، إلى جانب إيران في ذلك الوقت .
ونظرا إلى أن الخميني يرى أن التعامل والتعاون مع أعداء الإسلام واجب إذا كان في ذلك مصلحة لمذهبه ، واستشهد في هذا المجال ببطولات الوزيرين ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي !، اللذين تعاونا مع "هولاكو" من أجل احتلال بغداد وتدميرها سنة 1258م ، فإن إيران قد تعاونت وتعاملت مع إسرئيل وتلقت منها الكثيرمن الدعم خلال الحرب العراقية الإيرانية ،حيث اتضح أن حجم مبيعات السلاح الاسرائيلي لإيران وصل إلي عدة بلايين من الدلارات ، عندما انكشفت فضيحة "إيران غيت " سنة 1986 .
وقد كانت المعلومات عن هذا الجانب شحيحة قبل أن ينشرها الكولونيل "أوليفرنورث "مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض والمسؤول الأول في ترتيب التعاون العسكري بين إسرائيل وإيران في مذكراته الصادرة سنة 1991 بعنوان " تحت النار" .
كما أن دراسة أعدها مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية حول تاريخ العلاقات “الإيرانية– الإسرائيلية” أكدت أن التعاون بين العدوين اللدودين للعرب ظل قائما بعد قيام ثورة الملالي في العديد من المجالات ، أهمها التسلح حيث كانت إسرائيل المصدر الأول لسلاح إيران في الفترة من 1980 إلى 1985، مع أن الروابط الاقتصادية لم تتوقف بين البلدين ، حيث تستورد إيران من إسرائيل بصورة غير مباشرة قطع غيار للمعدات فيما تستورد إسرائيل النفط الإيراني بطريق غير مباشر من أوروبا.
ويؤكد الكاتب الأمريكي بارسي في كتابه " التحالف الغادر": أن الاتصالات المكثفة لإسرائيل مع الجيش الإيراني هي التي مهدت الطريق لإسرائيل لتنفيذ ما عرف باسم "عملية أوبرا" التي تمت في يوم 7 تموز 1981، حيث قام سرب من ثماني طائرات إسرائيلية من طراز F- 16S وست مقاتلات من طراز F- 15S، وكان الهدف من هذه العملية هو تدمير المفاعل النووي العراقي الذي يعمل بالبلوتونيوم ، وبفضل الصور والخرائط الإيرانية التي قدمتها لإسرائيل عادت جميع الطائرات سالمة إلى دولة الاحتلال ، وفقًا لصحيفة صنداي تليجراف في لندن، حيث كان ذلك قد تمّ التنسيق له قبل شهر واحد بين مسؤول إسرائيلي كبير وبين ممثل للخميني في اجتماع عقد في فرنسا.
وفي هذه الأثناء انكشف إلى حد بعيد تصدير السلاح الإسرائيلي إلى إيران ففي 18 يوليو1981 أسقط الاتحاد السوفيتي أنذك طائرة أرجنتينية تابعة لشركة “أروريو بلنتس”، وهي واحدة من سلسلة طائرات كانت تنتقل بين إيران وإسرائيل محملة بالكامل بأنواع السلاح وقطع الغيار، تنقل خلالها 360 طنًا من الأسلحة الإسرائيلية يتطلب شحنها 12 رحلة.
وإلى جانب تزويد إيران بالسلاح في حربها مع العراق أبرمت إسرائل صفقة تسمح للفنيين الإسرائيليين بتدريب الجيش الإيراني في إعادة تجهيز إيران لوجستيًا، وتأمين العتاد وقطع الغيار للأسلحة الأمريكية الصنع التي لدى إيران ، ويوضح الكاتب الأمريكي بارسي أن بعض المستشارين الإسرائيليين زاروا جبهة القتال الإيرانية ليقيموا القدرات والحاجات التي لدى الجيش الإيراني .