إشاعة الوهم ! / الحسين ولد محمد عمر

يصف الروائي الإيطالي من أصل كوبي  " إيتالو كالفينو  " المحن التي تكمن بانتظار من يصلون إلى السلطة – فيقول <<  بمجرد أن يتم تتويجك ، فإن العرش هو الكرسي الذي عليك أن تظل جالسا عليه، ليل نهار ، دونما حركة. ظلت حياتك السابقة برمتها فترة انتظار لحين أن تصبح ملكا. والآن ،

وقد أصبحت ملكا فما عليك إلا تولي السلطة، وما تولي السلطة إن لم يكن هو هذا الإنتظار الطويل ؟ انتظار اللحظة التي سيتم فيها الإطاحة بك ويكون عليك توديع العرش والصولجان والتاج و رأسك >> ( دليل الإستبداد والمستبدين لكل من "بروس بيونو " و " ألستر سميث " الصفحة 75- البقاء في السلطة )
من هنا بدأت التساؤلات تدور رأس الجنرال  ، كيف يحافظ على العرش على الملك الذي يعتبره إرثه من سلفه الإنقلابيين و جوابا على هذه التساؤلات استنتج " إشاعة الوهم "،
قصة الوهم قصة طريفة وجميلة. الطريف فيها أنها قصة مكشوفة من البداية، إنها عادة سلاح المفلس، لست هنا بصدد تفكيك كلمة مفلس أو إعطائها معاني متعددة ، لأنها حين تتعلق بشخص واحد تتراكم فيها كل المعاني المحتملة، بل لنقل كل المعاني التي تحمل شحنة سلبية مضاعفة،
دهس الجنرال الدستور والحقيقة أنها تركة متوارثة ولو أنه لم يتحملها لكان  " شذ " عن سابقيه– لا أطلب هنا التمعن ولا إعطاء كلمة "شذّ " معان أو مدلولات أخرى. والذي يكسب الجنرال علامة استحقاقية زيادة هو قدرته على أن يأتي بما لم يأت به سلفه ، والحقيقة أنه سنَّ لنفسه نهجا جديدا يتركز على إشاعة الوهم، والمؤسف أنه ليس وهما وانتيهنا، بل هو  وهم متجدد حسب الضرورة ، أي ضرورة.
قال الجنرال ذات لقاء لما كانت مرحلة إشاعة الوهم في بدايتها أنه " انقلب على الدستور " من أجل محاربة الفساد ، فلتحاولوا التحرر ولو قليلا  من تصريحات الجنرال المتتالية ، لنفكر قليلا  خارج القالب الذي يحاول  ولد اجاي وضعنا فيه، لنفكر ونحن نضع نصب أعيننا فضيحة شركة  " كينروستازيازت  " و المتورطين فيها ومدى قربهم من الجنرال ، ويجب ألا ننسى في خضم تفكيرنا أين كانت أجهزة الجنرال الرقابية عن أمين عام وزارة الداخلية، لن ينحصر تفكيركم أبدا في هتين القضيتين ، فإفلاس المؤسسات العامة أيضا مسألة لا تحتاج لدليل، بل إن تأخر رواتب  الأساتذة العَقْدَوِيون أيضا والذين صرف لهم  مرتب شهران من أصل أربعة أشهر  دليل آخر على إفلاس الجنرال، هل نسيتم أيضا كيف بيع " السنوسي " ؟ بالتأكيد لن تنسوا. 
افتخر الجنرال كثير بما يسميه " الإحتياطي النقدي لدي البنك المركزي "، كان ذلك في ما يسميه لقاء الشعب 2012، أي لقاء الوهم، ذلك الذي حاول جاهدا من خلاله أن يبدو علميا ومنطقيا و دقيقا عبر  أرقام قال إنها تعبر  عن حالة اقتصاد كان  ذلك اللقاء مؤشرا على بداية تدهوره (أعني الإقتصاد الوطني ) فمن ساعتها بدأت رحلة السقوط الحر لإحتياطيه الذي لم ولن ينعكس على أرض الواقع،
لقد قال  أحد بيادق الجنرال  عزيز  في أحد لقاءاته أن صفقات التراضي لم تعد موجودة ، فهل أذكركم بصفقة بناء مطار نواكشوط " المتأخر والمتعثر "  وهلم جراً،
محاولات  إشاعة الوهم كثير ة ولم تقتصر على مجال دون آخر ، لقد أوهم المواطنين - السذج - أنه سيحارب الفقر  والفساد  والمحسوبية و أشياء كثيرة ، لقد هاجم الشيوخ التقليديين – و هم جديرون بالمهاجمة – لكنه عاد لحضنهم ، هاجم التجار – وهم جديرون بالمهاجمة – وعاد لحضنهم ، لقد حاول أن ينصب نفسه الرجل المصلح وهو " المفسد " ولقد قال المهتمون ساعتها أن أي انقلابي لابد أن يحمل مشعلا مضيئا، أن يضغط على جرح معاناة الفقراء ولكن ذلك لن يفيد، لقد اتضح كل شيء ، إلا لأولئك  الذين لا يزالون غارقين في الوهم.
لقد حاول الجنرال عزيز أن يوهم حتى المراقبين الخارجيين أن المجتمع الموريتاني بنية واحدة وأنه لا توجد فيه مظالم و أن العدالة الإجتماعية هي السائدة، لكنه يناقض نفسه حين يسن قوانين لمحاربة العبودية التي يقول إنها غير موجودة ، ثم ينشئ لها وكالة تهتم ب " مخلفاتها " ويعتقل المدافعين عنها لأسباب واهية.
لقد انتقلت إشاعة الوهم من الرأس وانتقلت إلى باقي الجسم المنهك و المتعب، وبالتأكيد ستكون البداية من الرقبة لأنها مرتبطة بالرأس حيث يتم ابتلاع الأموال العمومية ، انتقلت إلى – ولد اجاي – الذي قال يوما في تعبير صارخ عن " وهمه " أثناء تعليقه على أزمة ارتفاع الأسعار أن الأسعار هي ذاتها في فرنسا وليس من حقنا الإمتعاض من ارتفاعها غير المبرر، لا تنسوا أنه وزير اقتصاد ومالية. لكنه يجهل أن موريتانيا وفرنسا ليستا موضوعا  للمقارنة مطلقا، بل تستحيل تلك المقارنة في أي حال من الأحوال.
في الفصل الرابع من الكتاب سالف الذكر   تحت عنوان – اسرق الفقراء واعط الأغنياء -  يقول المؤلف
تصبحون على ثورة 

30. مارس 2016 - 15:57

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا