ملاحظات غير متطرفة ولا إرهابية حول مؤتمر علماء أهل السنة وطاعة الحاكم وإن فعل ما فعل ..
الملاحظة الأولى : المجمع عليه فقهاً وسياسة أن وحدة الأمة فريضة شرعية وضرورة سياسية والعمل على إنقاذها مما يهدد كيانها ووجود قيمها وتقريب الشقة وإزاحة أسباب الخصام
والشقاق بين مجموع أفرادها وخاصة من العلماء مطلب شرعي وضرورة حضارية، والمؤهل للقيام بذلك بداية ونهاية هم العلماء الربانيون الذين يبسطون للأمة الفقه في السياسة الشرعية التي تزكي عمل الأمة ويحرسها من غوائل الأعداء ونزغات الجهلاء وهم بذلك يبتغون وجه الله وعزة الإسلام والدار الآخرة ؟
الملاحظة الثانية : المعروف من قواطع القرآن ومحكمات السنن ومقاصد الدين أن التزوير جريمة نكراء تحتوى في داخلها غالباً على عدد من الكبائر الأخلاقية والمالية وأن أعظم أنماط التزوير تزوير الشهادة بصفة العلم والفقه من قبيل خلفاء الرسول – صلى الله عليه وسلم- والموقعين عن رب العالمين والذين وصفهم الله بقوله:{ والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا بالغو مروا كراماً}..
وقيم ديننا وفقه فقهائنا كل ذلك يعيب وينكر في الناس التحريف والتزوير ويحذرهم من أشكال وأنماط المتعالمين والمتفيهقين والمتشدقين مفرخي الارهاب والتطرف وخدم السلاطين الطغاة الظالمين المستبدين والذين يرجون فيهم دائماً وأبداً:{ أإن لنا أجراً إن كنا نحن الغالبين }.
ومن نماذجهم التي يكشفها ويبينها القرآن الكريم:{ ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أسرارهم } ومن علا ما تهم وصفاتهم ونكد وسائلهم والتي يحسبون بها أنهم يحسنون للناس صنعاً تلك الاجتهادات والبرامج الترفيهية والملهيات التربوية والتي تستهدف الحيلولة بين هداية والوحي وبين الناس قال تعالى:{ ومن الناس من يشري لهو الحديث يضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك في ضلال بعيد} ومن صفاتهم وعلاماتهم كذلك:{ ... الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا " ومن علاماتهم وصفاتهم كذلك:{ وإن منهم لفريقاً يلون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون }، وقال:{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وأن الذين اختلفوا في لفي شقاق}.
مخالفين ومتنكرين لما أوجب الله عليهم قال تعالى:{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً} .
ولعل السؤال الموضعي والذي يتبادر إلى الذهن هنا فمن أي الأصناف كان أغلب المؤتمرين وفي ضوابط الفتوى وقواعد التقاضي أن الحكم للغالب الأعم لا للمستثنى النادر ؟!
الملاحظة الثالثة: أن الأدق والأسلم من تطرف الانتماء والإرهاب الفكري أن نسميه مؤتمر السياسيين من أهل السنة لا بالمعنى الاصطلاحي المعرف في تاريخ الفرق والمذاهب والأديان وإنما بالمعنى العام لأهل السنة؟!
فمصطلح أهل السنة كما هو معروف في تاريخ الفكر الإسلامي لا ينطبق على جمهور المؤتمرين لأنهم ما بين متصوف، وهو بذلك خارج عن مفهوم أهل السنة والجماعة وفق تلك المعايير والاصطلاحات والتي ما زال ينطلق من فلسفتها على الأقل أصحاب اليد العليا في المؤتمر وكما صرحوا بذلك لأهل جامعة شنقيط وبأسلوبهم المعهود، أو سياسي مخالط للسلاطين، وعند جمهور من أهل السنة وخاصة من المالكية أنهم لا خير فيهم لأن من ضوابطهم الفقهية وقواعدهم المعروفة قولهم: الخير كله في العلماء ما لم يخالطوا السلاطين، فإذا خالطوا السلاطين فلا خير فيهم؟!
الملاحظة الرابعة: أن المؤتمر هوى من حيث يدري أو لا يدري في قاع التطرف في النظرة إلى الآخر وتعميم الأحكام على فيئات وحركات وطوائف وأفراد، وعلماء بارزين وبالقدر الذي رام إرهابهم فكريا وسياسياً،وباعتبار ذلك هو البرهان العملي والمنهاج السياسي لمحاربة الغلو والتطرف والإرهاب، وتزلفاً لخصوم أولئك الأفراد والجماعات والعلماء من الحكام وأعدائهم من اليهود والنصارى والوثنيين البوذيين ولا دينيين من الشيوعيين والملاحة ؟!
الملاحظة الخامسة: قال تعالى:{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير }.
والمعروف أن الطاعة العمياء والدعاية لمن لا ينشر الدين ولا يقيم العدل هي من أبرز مظاهر الركون، فإن تجاوز ذلك إلى التزلف والدعاية كان ذلك من علامات نقض الإيمان وأبرز مظهر من مظاهر الفجور والضلال المبين والله جل في علاه يقول:
{ ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد أستمسك بالعروة الوثقى}، وفي الأثر المأثور":" إذا مدح الظالم غضب الجبار".
الملاحظة السادسة: سقوط المؤتمر في الكيل بمكيالين في عيب وإدانة الغلو والتطرف والإرهاب والوقوع في ذلك مع من يخالفهم في المحتمل والمظنون من أحكام الدين فأدانوا الإرهاب في بلجيكا وغض الطرف عن توأمه في تركيا وسوريا والعراق وفلسطين، كما مارسوا الإقصاء والإدانة لعلماء بارزين من أهل السنة والأكثر تمثلاً لهم منهجاً وعلما وسمتاً (العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو) ومصادرين بذلك حق الآخرين في الحديث بسم أهل السنة، وبالقدر الذي صادروا فيه حق الآخرين من العلماء في إصابة الحق في القضايا الاجتهادية في فقه السياسة الشرعية فوقع المؤتمرون بذلك في مستنقع الغلو والتطرف الفقهي والنفسي والإرهاب الفكري الأيدلوجي والسياسي، والمعروف في القوانين والسنن الكونية أن كل فعل له ردة فعل مساوية في القوة ومخالفة في الاتجاه وهذا بضبط هو ما جناه المؤتمر ووقع في سوءاته !!
الملاحظة السادسة: تهافت المؤتمر وتزويره دعوى تواطأ جمهور العلماء والفقهاء على طاعة الحاكم وإن جار وظلم وأفسد وضيع العباد والبلاد ولعمري إنها لدعوة عته في السياسة وافك في الفقه وتزوير على العلماء فمواقف الصحبة في
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخذ على يد الحاكم معروفة كما هو الحال بالنسبة للأئمة الثلاثة النعمان أبي حنيفة ومالك وأحمد وعلماء المالكية في زمن الدولة الفاطمية بقيادة الفقيه ابن خيرون، ولقد نشرت في الأشهر الماضية سلسلة مقالات ودراسات تحت عنوان عام العلماء والمحراب وصناعة القادة تعرض مواقف العلماء مع الحكام وبهذه العناوين التفصيلية(العلم والعلماء بين الفتنة والسلطان - عمر بن عبيد التابعي من نماذج ثورة العلماء الهداة على من طغى وتجبر من الولاة؟ - الإمام الأوزاعي والربيع العربي والعلماء والمحراب وصناعة القادة مواقف خالدة بين الفقهاء والسلاطين . – يحي بن يعمر والثورة على الفساد وظلم الحكام مواقف خالدة - الإمام أبو حنيفة من نماذج العلماء الشهداء الهداة الخالدين بعلمهم ونيلهم الشهادة في سبيل الحق والثورة على من طغى وتجبر؟!.- الإمام مالك والأخذ على يد الولاة ومنا صحته الخلفاء وفتواه السياسية المدوية" ليس على مكره طلاق" _الإمام أحمد من نماذج العلماء الصامدين عند الامتحان القادرين على العطاء في البلاء ومنارات الهدى للأحياء والخالد ين المزاحمين للشهداء بمداد الأقلام الرافعين في الحياة لواء الكرامة لنيل الشهادة شعارهم في مقارعة الطغاة؟!.
وقد قال الله جل وعلا في محكم تنزيله:{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} ,
وقال:{ فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتب أيديهم وويل لهم مما يكسبونْ} .
وقال – صلى الله عليه وسلم:" سيد الشهداء حمز ورجل عمد إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله" وقال:" لتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه إلى الحق أطرا أو ليوشكن أن يعمكم الله بعقاب فتدعونه فلا يستجاب لكم ". والصحابة قالوا بايعنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- على أن نقول الحق"
فمن أين جاء العلماء المؤتمرون بذلك البهتان والإثم المبين: قول جمهور العلماء بطاعة الحاكم المطلقة وحرمة الخروج على ظلمه وفساده واستبداده ؟!
إنه فجور الخصومة وتدليس الرواية وبؤس فقه الانحطاط والرغبة في رضا السلطان وعن كل ذلك ستكتب شهادتهم ويسألون .