يبدو أن سيناريوهات "المأمورية" الثالثة أو الرابعة أو الثامنة على حد تعبير وزير "الأختام والخزائن والخراج " بدأت تتكشف وبأساليب أقل احتشاما إن لم نقل أكثر وقاحة وبذاءة سياسية ،
بل يتضح أكثر أن جهة "ما" أطلقت صفارة "المارتون" الوطني للتزلف والتملق المنزوع الحياء والاحتشام الاخلاقي فيما يتعلق بهذا المحظور الدستوري المربك والمحرج.
ولا يخفى على أي كان في هذا "المنكب" المنكوب بنخبه المتآمرة عليه أن التلويح بالحوار الوطني الذي يدفع له النظام بقوة مع حزمة كبيرة من التنازلات "الشفوية" لصالح المعارضة "العارضة" عن الحوار ، وتلك "العارضة" لنفسها على الحوار ، كل ذلك لا يعني سوى أن فخامة الرئيس يفكر جديا في مأمورية ثالثة لا يمنحها له الدستور الذي أقسم بالله العلي العظيم على إحترامه وعدم دعم أي مبادرة تقود لتغييره من أجل تغيير المأمورية
ما العمل إذن ؟ كيف نوفق بين مأمورية ثالثة محظورة دستوريا مع واجب صيانة الدستور وحمايته من نزوات السياسيين وهفواتهم ؟
بكل تأكيد كان ذلك ليتسنى لو نحج النظام في "جر" المعارضة لحوار وطني شامل تتفق فيه أطراف المشهد السياسي على تعديلات دستورية نابعة من أجماع وطني فتلك لعمري هي الطريقة الانسب والاقل صخبا وضجرا و الاكثر أمنا ومصداقية نظرا للطابع الاجماعي الذي "أفرزها" ، معه أنه وهذا رأي شخصي من المضحك والمحزن جدا أن يكون هناك إجماع وطني على الاخلال بالدستور.
أما والحوار الوطني قد فشل أو تعثر لانعدام الصدق والمصداقية بين أطرافه ، والوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد في أسوء لحظاته ، هذا فضلا عن تعفن المشهد السياسي الذي ظل محتقنا طيلة السنوات الفارطة
في وضع عام كهذا يجد النظام أن الخيارات او السيناريوهات التي تسرب أو تتسرب للمشهد منذ شهور ، غير مضمونة النتائج والعواقب..!!!(بما في ذلك السيناريو الروسي)
وبالتالي يكون الخيار الأمثل هو "الزحف المقدس" نحو الدستور لتمزيقه والدوس عليه و تصميمه من جديد على "المقاس"
وإذا كانت زيارات الرئيس الداخلية خلال العام الماضي للاطلاع على أحول أو "نوايا" المواطنين ، أظهرت مبادرات من هذا النوع مطالبة بتغيير الدستور فإنها لم تكن مشجعة لأن سكان الداخل كانوا مهتمين أكثر بأوضاعهم المعيشية الصعبة ، لذا أصبح من الضروري أن تطلق هذه الحملة الوطنية من جديد ولكن هذه المرة من تحت قبة البرلمان وعن طريق أعضاء في الحكومة لتلقى تصفيقا حارا من "نواب" الشعب المنتخبين من أجل المصالح العليا للوطن ، وأي مصلحة أهم من صيانة واحترام الدستور الوطني يا ترى ؟
قد يكون ولد عبد العزيز يطبق القول الشائع "من رزق من باب فليلزمه" وكلنا نتذكر الدور الحاسم لما يسمى "بالكتيبة البرلمانية" في تأزيم وتسميم الأجواء لصالح ولد عبد العزيز تمهيدا لانقلابه على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ موريتانيا
وتلك التجربة البرلمانية "الناجحة والنموذجيةّ" في نظر ولد عبد العزيز، تجعل البرلمان هو المكان الانسب لتدمير الديمقراطية و تمزيق الدستور والدوس عليه ، لذا لا غرو أن يطالعنا وزير الاقتصاد والمالية بخرجته الوقحة والتي حاول للالتفاف عليها بعد إعتراض النائب محمد غلام ، ليأتي من بعده وزير "العدل" والحقوق (المرجع الوطني في القانون حسب شخصه) لينادي جهارا نهارا بالمطالبة بتمكين الرئيس محمد ولد عبد العزيز من مأمورية ثالثة ورابعة
ومن بعدهما يأتي الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة ("ثالث الاثافي" حسب تعبير المبدع أبوالعباس ابراهام )، ليقول أن زميليه تحدثا عن رؤيتهما الشخصية ، أما هو فيتحدث باسم الاغلبية الساحقة من الشعب الموريتاني ، التي تطالب بمنح الرئيس مأموريات أخرى ، موضحا لنا بلغة التلقين والتدريس أن الدستاتير تكتبها الشعوب وتغيرها لانها هي التي كتبتها الى آخر نظريته الدستورية "العجيبة" التي تذكرنا بنظريته الدبلوماسية التي ترى أن العلاقات الثنائية بين الدول لم تعد تقاس بمستوى التمثيل الدبلوماسي بينها ، وأيضا بنظريته الاقتصادية التي ترى أن المحروقات يستهلكها الاغنياء فقط أما الفقراء فيستهلكون فقط دكاكين الأمل الخ... ولا يعلم معالي الوزير أنها هي التي تستهلكهم.
واليوم تأتي النظرية الدستورية لمعالي الوزير الناطق باسم الحكومة التي ترى أن الدستور ليس أكثر من مسودة رسم مرمية في روضة أطفال ، أما حين يؤكد معاليه أن غالبية الشعب تطالب بتغيير الدستور فإنه بذلك يعتبر نفسه "صندوق" استفتاء ناطق ، لا داعي بعده للحوار ولا للاستفتاء الشعبي.
وذا كانت هذه التصريحات سيئة وخطيرة جدا لكونها تصدر من أعضاء في الحكومة مهمتهم الاساسية صون قيم الجمهورية وتطبيق القانون خاصة أنه من بينهم للأسف الشديد من "شاب مرفقاه في خدمة العدل والقانون" على حد تعبير الزميل السفير باباه سيدي عبد الله ، فإنها من جديد تطرح اشكالية الخواء القيمي للنخب الوطنية حين تصل لمركز القرار أو حين تتسكع على موائد أرباب المخزن والبلاط .
وتزداد خطورتها أكثر لانها تمثل تعديا غاشما وصريحا على الدستور من طرف أعضاء في حكومة مهمتها الاساسية صيانته كما أسلفت
وتبلغ ذروة خطورتها وبشاعتها عندما نعلم أنها تجسد مبادرة سياسية قوية وذات طابع رسمي لتغيير الدستور وهي مبادرة مباركة و"مدعومة" بقوة من طرف رئيس الجمهورية وإلا كان أقال أول وزير طرح القضية امام البرلمان وجرده من مهامه
وبالتالي من الغباوة المشينة أن نعتبرها مبادرات شخصية تخص الوزراء وذلك لعدة اعتبارات منها :
- أن الوزراء صرحوا بهذه المبادرة وهم يؤدون مهام رسمية و من منابر حكومية رسمية أي لم يصرحوا من داخل الحزب الحاكم أو من خلال صفحاتهم الشخصية أو تصريح صحفي خارج نطاق العمل ، مع أن كل ذلك لا يبرأ ساحتهم من جريرة المطالبة بخرق الدستور والتعدي عليه
- وزير العدل عاد في جلسة أخرى للبرلمان وكرر كلامه بطريقة تحمل الكثير من الغطرسة والانتشاء والعزة بالاثم ، مصرا على عدم سحبه او الاعتذار عنه ، وهذا يعني على الاقل انه لم يلق تعنيفا من رئيس الجمهورية
- الناطق الرسمي باسم الحكومة لم يترك فرصة اللقاء الاسبوعي تضيع قبل أن يحشر نفسه في الموضوع وكلامه كان مهينا للدستور وهو "ناطق باسم الحكومة" أي أن الحكومة الموريتانية أهانت الدستور الموريتاني من خلال لسانها الذرب الوزير الدكتور محمد الامين ولد الشيخ
- التصريحات الوزارية جاءت متتالية زمنيا بما يسمح لرئيس الجمهورية بالاطلاع عليها ومعرفة كل شيئ عن أصداءها وردود الفعل حولها ، وزجر وتعزير المتورطين فيها - إن كان فعلا بريئا منها -
- لنفترض جدلا أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لا يرغب في مأمورية ثالثة بل يصر على حزم أمتعته سنة 2019 م والاحتفاظ بصورة الرئيس الديمقراطي المحترم ، ألا تمثل هذه التصريحات تشويشا وتشويها لنوايا الرجل النبيلة؟ ولو كان ينوي فعلا المغادرة هل سيترك الوزراء يتمادون في غيهم المنكر دستوريا باطلاق مبادرة لا تخدمه،ويستخدمون كل فنون التملق والتزلف لاشاعتها بين الناس ؟
نظرا لهذه العوامل مجتمعة وغيرها تصوروا معي كيف ستكون ردة فعل رئيس الجمهورية لو أن الامر لم يعجبه أو يصاف هوى جامحا لديه ،
اذن من الحماقة والسذاجة أن نتصور أن اي واحد من هؤلاء الببغاوات يستطيع المجازفة بالتحدث الى أم العيال بدون الرجوع للرئيس من باب أولى ان يتحدث للراي العام بتصريحات بهذا المستوى من الخطورة
وبالتالي سنكون سذجا حقا أن اعتبرنا أن فخامة الرئيس لا يدعم هذه المبادرة الانقلابية على الدستور ، وهو بهذا الدعم يكون قد أخل بقسمه بالله العلي العظيم أمام الشعب الموريتاني بأن "لا يتخذ أو يدعم بصفة مباشرة أو غير مباشرة أي مبادرة من شأنها أن تؤدي الى مراجعة الاحكام الدستورية المتعلقة بمأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 26 و28 من الدستور" (مرفق بالصوت والصورة)
ذلكم هو القسم الثاني أما القسم الاول لرئيس الجمهورية فيتعلق وحسب المادة 24 من الدستور بسهر رئيس الجمهورية على صيانة الدستور وحمايته ، ولا شك أن كلام السادة الوزراء يعتبر تعديا سافرا في حق الدستور وتهديدا جديا لصيانته وحصانته
والسؤال هنا موجه لفخامة رئيس الجمهورية ، أليست هذه مبادرة سياسية تسعى لمراجعة الاحكام الدستورية المحصنة التي أقسمتم عليها يا فخامة الرئيس
اعرف فخامة الرئيس أن القانون مطاط وأن "مراجعه" من أمثال وزير العدل "العادل" عن احترام الدستور و"الناطق الدستوري" و وزير "الخراج" كثر، وأعرف أكثر أن رابطة العلماء نفعنا الله بعلمها وأعاذنا من أقوالها وأفعالها ستقول لكم أن اليمين الدستورية لم ترد في القرآن الكريم ولا في السنة و ليست معروفة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم ، وأن قسمكم يا حامي حمى الامة ورئيس فقرائها ورئيسها الانسان ، لا يترتب عليه شيئ بل العكس يجب عليكم شرعا الاخلال به من أجل المصالح "المرسلة" و "المقبوضة" من جنابكم السامي أبقاكم الله لخدمة إذاعة القرآن الكريم وطباعة المصحف الشريف ...
,ونعرف أيضا يا فخامة الرئيس أن مكاينات التطبلوجيا ستملأ الدنيا ضجيجا وصخبا هذه الأيام دعما لمبادرة المأمورية الثالثة والرابعة والخامسة الخ ...
ولكن قبل ذلك الضجيج السيزيفي تذكروا جيدا يا فخامة الرئيس أنكم أقسمتم مرتين أمام الرأي العام الوطني والدولي وعبر وسائل الاعلام المحلية والدولية وبعبارة: "أقسم بالله العلي العظيم أن ...وأقسم بالله العلي العظيم أن ..." أٌقسمتم مرتين يا فخامة الرئيس ، وليس من المناسب أن تشهدوا العالم على اخلالكم بالقسم باسم الله العلي العظيم مرتين ، بل المناسب لكم والمتناسب مع قسمكم بالله العلي العظيم أن تردعوا هذه الشرذمة الوزارية المخربة ، وتعلنوها للرأي العام نية صادقة لمغادرة القصر الرئاسي بعد انتهاء المأمورية الرئاسية بعد ثلاث سنوات ، ( أدرك جيدا أنني أهذي ..لكن لا بأس )
اما العلماء الربانيون وخبراء الفقه الدستوري – و قليل ماهم - فهم فمن واجبهم العمل على تكييف هذه "المبادرة" مع قسم اليمين ، وتنويرنا في حالة أننا اصبحنا أمام نازلة دستورية غير مسبوقة تتعلق باخلال رئيس الجمهورية باليمين الدستورية
خاصة أن المعلومات المؤكدة لدينا والتي استقيناها من عدة مصادر تؤكد أن فخامة الرئيس هو من أمر الوزراء بطرح هذه التصريحات في المشهد السياسي والاعلامي لمعرفة ردة فعل الرأي العام الوطني والدولي وبناءا على ذلك تتم كتابة النسخة الاخيرة من سيناريو "التحرك للمأمورية الثالثة".