أنظمة الأزمة و أزمة ما بعد التحول / الشيخ الحسن الوالد

"الأفكار السياسية لا تكون لها قيمة عندما و حيثما لا توجد ممارسة سياسة حكيمة ..."
تمثل التحولات السياسية في إفريقيا مرحلة ما بعد الأزمة و هو ما يدفع إلى التدخلات العسكرية  كملمح مميز للممارسات السياسية في الدول الإفريقية "الانقلابات (الديمقراطية البديلة

 أو الممكنة)" التي لا تستثنى منها أي دولة في القارة تقريبا . إلا أن هذه الأنظمة التي تركب موجة الأزمة لصنع التغيير -بالرغم من كونه تجاوزا للأحكام الدستورية للبلد -  سريعا ما تبدأ هي ذاتها في استغلال أو صنع الأزمات من أجل البقاء أطول وقت ممكن متجاهلة الوعود الانتقالية التي صممت على أساسها و صولها لسدة الحكم .
يقال "نظر بشكل عالمي و تصرف بشكل محلي "
كما تركب هذه الأنظمة موجة الحراك الشعبي أو التململ من سياسات الحكومات القائمة  و ما يخلفه ذلك من  دينامية على الساحة الاجتماعية والسياسية و حتى الاقتصادية "كضمان للاستقرار" و الحريات فان الأنظمة الجديدة تعود للبس عباءة نفس الأزمات و تحميل تلك السابقة الوضعية "أطول وقت ممكن". إلا أنها و بالرغم من دخولها الواعي على وقع  وضع متأزم  على أصعد عدة فان فعلها السياسي يبقى محكوم بنوع من الأنا الأوسط بين الشعب كمصدر"ثانوي" للشرعية المحلية و متطلبات الهيئات الدولية في بحثها عن الشرعية العالمية . و ما يعنيه الحصول على هذه الأخيرة من مصادر التمويل  "قروض – معونات...".
يقال: "إذا سقطت فأسقط على ظهرك كي تستطيع الوقوف ".
لم تنجح سياسة الدخول من باب الأزمة في إسعاف أنظمة ما بعد الانقلاب في الخروج الممنهج و المناسب و حصولها على القبول المحلي و العالمي . فبالرغم من وصف المرحلة بالانتقالية فانه من أساسيات الانتقال التحرك في أحد الاتجاهين و إن كان المصطلح اقرب إلى التحرك الايجابي فان هذه الأنظمة لا تتحرك لأنها تصمم نظام الحكم من نفس المؤسسة التي خرجت منها وفق نظام براغماتي "ما يوصف بزواج السلطة و المال أو السلطة و القوة الناعمة (الإعلام) " .
مع نهاية المرحلة الانتقالية تصبح هذه الأنظمة في مواجهة مباشرة مع واقعها السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي ... و هو ما يجعلها مضطرة للعودة إلى أساليب سابقتها كاستغلال رجال الأعمال المحسوبين عليها و تحريك قواعدها المبرمجة  مسبقا للتحريك عند الحاجة  " المنظمات المدنية الأفقية (الأحزاب و النقابات ...)". وبالتالي الاتجاه المباشر لافتعال الأزمة لإسكات التذمر الشعبي إلا أن عملية خلق وسائل الاستمرار  هذه هي الطريق المباشر لإعادة إنتاج المرحلة السابقة و بالتالي تهيئ الأوضاع لتحول عنيف إما عسكري أو شعبي (كحالة الربيع العربي) الذي اثبت أن النظام القائم مستعد لمحاربة الشعب لإبقاء شخص بعينه , كما أكد أيضا أن الانقلاب يجب أن تكون سبيل التحول السياسي الوحيد في إفريقيا وشبيهاتها .
تجربة القارة الإفريقية تقول  إن مجيء هذه الأنظمة  ليس لحل أزمات شعبية محلية و إنما هو مصلحة يراها الحكام الجدد ساهم في تحققها تشكل ظروف على مستويات عدة و نتاج وضع متدني تعيشه الدولة على مستويات مختلفة . فالانقلابات في القارة تحدث دون تحديد أي إستراتيجية للخروج بالبلاد من واقعها . هو ما يجعل عملية التنمية عملية مزاجية لا تعكس أي مستوى من العمل الجاد لإيجاد تنمية مجتمعية و خلق مرحلة انتقالية (مباركة) ببناء مؤسسات تكنوقراطية تلبي حاجة مجتمعات القارة و ليس مجرد شرعية نخبوية  نفعية تحكم المصالح الشخصية أكثر من المصالح العامة .
قد يبد فعلا أن هذه الأنظمة تمارس ديمقراطية في حدود الممكن قياسا بالإمكانات الاقتصادية والبشرية و الاجتماعية .ولكن  لماذا لم يكن الأولى وضع استراتيجيات تجاوز وضعية الأنظمة الفاشلة بدل عمليات التحول السياسي العنيف المنتجة للتخلف؟. 

4. أبريل 2016 - 8:36

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا