يفكرُ السادة أصحاب المعالي المحيطين بصاحب المعالي الكبير في مصالحهم الشخصية ويحاولوا أن يبرروها بقول مقبول اجتماعيا ومسكوت عنه باعتبار أنه يوافق واقع شرعية الديطقراطية ومنطق الشرعية المعتمد في البلد ، فيقوا باسم الشعب نفعل كذا وكذا ونحاول فعل كذا وكدا ، بغض النظر على ما يمكن
أن يحمل هذا الفعل في ثناياه من دمار وخراب للشرعية التي يحاول جميع السادة العظماء في هذا البلد بمختلف تراتبهم السيادي إقناعنها بمشروعيتها يفعلون ذلك لرضاء السيد الكبير ....
وتحاول المعارضة تفنيد شرعية ما تخطط له حاشية النظام وإقناع الناس على أنهم هم من يملك شرعية التكلم بسلطة الشعب وبمشروعيته فيقلوا أنهم ضد أي إجراء أو فعل من شأنه أن يمس بالشرعية التي اُعتمدت انطلاقا من إقرار الشعب لها فيعتبروا أن أي إجراء قد يمس بها في قليل أو كثير يجب ان يواجه بالقوة وبكل الأشكال التي يمكن أن تمنعه ...
ونتيجة اتحقان وخلاف سياسي عظيم وكبير قد يقضي لما هو أعظم وأكبر
طبعا من الناحية المنطقية التي باتت تفرضها طبيعة القوانين والنظم الدولية يجب أن يكون الأفراد بمختلف أشكالهم ووظائفهم تحت القانون المصادق عليه من طرف الشعب ، وأن لا يكونوا جزاء في خراب ذلك القانون ، وأي فعل مخالف لذلك قد تترتب عليه العقوبة ،وهذا ما يعرفه أي أحمق في الكون بغض النظر عن معرفته بالقوانين الوضعية أو جهله بها ، لكن واقع الديمقراطية فينا يستوجب الوقوف لحظة للتأمل في المعطيات التي أفرزت ذلك الواقع ، وكافة المعايير التي يمكن أن تساهم من قريب أو بعيد في استمراره ...
1- ففي أول استفتاء حدث في المنطقة التي أصبحت دولة وأصبحنا مواطنين فيها كان استفتاء 1946 من أجل تمثل الدوائر الاستعمارية في البرلمان الفرنسي ، ونحج نجاحا باهرا السيد "حرمة ولد ببانه" ، وليس القصد هنا سرد القصة التي يعرف حقيقة التنافس فيها القاصي والداني من هذا الشعب الأبيِّ الكريم ، لكن الهدف هو لفت الانتباه إلى أن نجاح حرمة لم يكن ينم عن وعي بمشروع الدولة ولا الوطن إنما كان اعتزازا وتجسيدا للانتماء وأواصر القرابة الجغرافية والعضوية ، فلكون "حرمة" رجل من وسط اجتماعي كبير وينحدر من مجتمع "البيضان" اختار الشيوخ أن ينتخبوه وعبأوا القاعدة الشعبية مما حتّم نجاحه ودخوله البرلمان الفرنسي دون وعي الشيوخ بالانتخاب ولا بشروطه وطبيعته ، والشيوخ لم يدعموا حرمة إلا في سياق مصالحهم بعيدا عن أي وعي بالمشروع الدولاتي أو الفكر الديمقراطي ، وإلا لما كانت سُلمت الدولة لغيرهم ، والإدارة الفرنسية لم تشأ التأثير على خيارات الساكنة ظنا منها أن حرمة سيدعم مخططاتها لما تبين لها عكس ذلك دخلت المجتمع بأهله وأثرت في ثاني استفتاء برلماني 1951 مما حتّم هزيمة حرمة وبالتالي هزيمة الخيار المحلي
2- وفي استفتاء 1958 حول البقاء ضمن الإدارة الاستعمارية أو الانفصال والاستقلال لم يكن ، لم يكن خيار الاستقلال نابعا من وعي ورغبة وعي اجتماعية محلية ، وإنما كان للإدارة الاستعمارية مصلحة في ذلك ، وكان مختلف الفاعلين الذي يشتغلون على مشروع الانفصال والاستقلال يخدمون بشكل أو بآخر الإدارة الفرنسية في مصالحها وإلا لما كان الأمر كما وقع ، بدليل أن لا علم ولا وعي لقبائل بدو ورحل بخيارات تصبُ في مرمى الاستقلال أو الانفصال عن إدارة جاءت وذهبت لم يفهموا مخططاتها ولا مشاريعها ، كل ما فهموه أن غاشما من النصارى زار أرض المسلمين وهم ليسوا أهلا لمواجهته وبالتالي كان عليهم الرضوخ ، دون طمع في أكثر من سلامة الأرواح والمواشي والسماح باستمرار حياة الترحال خلف الكلأ والمرعى، وهو ما سهل نجاح الخيار الذي بات يعرف بالخيار الوطني بدليل أن هناك من كان يدعوا إلى ضم موريتانيا للمغرب بحكم انتمائهم لفضاء واحد وترابطهم اجتماعيا وتاريخيا....
لكن أما كان يجدر بالإدارة الاستعمارية والعاملين كشركاء لها من أبناء الوطن الانتباه إلى أن خيارا كهذا وإشراك القاعدة المجتمعية في صنع الشأن العام مسألة كانت سابقة على طبيعة المجتمع تلك؟
طبعا المهم هو إسقاط المشروعية التي يسير وفقها المستعمر على خياراتنا نحن ليضمن ويؤكد لنا على أنه ليست هناك مشروعية أرقى ولا أنظف من مشروعيته هو ....
3- ولولا رغبة السلطة في إنجاح دستور 1991 لأتت النتائج على خلاف ما أتت به في تلك الفترة وأقلها سلبا أن يصوت الناخبون بطريقة غير صالحة ،ذلك أن الدولة سعت بجدية إلى إنجاح التغيير وإقرار التعددية نتيجة ضغط الدول الغربية وإصرارها على تحويل مجتمعات العالم الثالث إلى مجتمعات تحررية بحسبهم ، ومحاكاة نموذجهم الناجح اللامع بحسب معظمنا ....
4- ولم يكن تعديل 2006 من اقتراح الشعب وإنما حسب العقلاء الذين روجوا له كان من أجل أن لا يستبد أحد بالحكم بعد ولد الطايع ، صحيح كانت تخالط العقيد أعل ولد محمد فال نية مشروعة تتجسد في إمكانية ترشحه عند انتهاء أول مأمورية ، لكن من خلفه كان يريد التخلص منه وحكم البلاد من وراء حجاب
ونستنج أن الاستفتاء الأخير كان يعبر بشكل أو بآخر عن رغبة اجتماعية ، ربما رغبة من المجتمع في تخطي وتجاوز حقبة ولد الطايع بأي شكل من الأشكال كي لا يتجدد السيناريو من جديد
لكن هناك إشكال لا بد أن يأتي التاريخ بجواب له ولو بعد حين ويمكن أن نلخص ذلك الإشكال في :
لماذا الزمرة المنقلبة أو الضباط المنقلبون والذين قدموا أعل ولد محمد فال ، لم يسيطرون على الوضع ويفرضوا أنفسهم ويريحونا ويريحوا أعل وسيدي ولد الشيخ عبد الله الذي أتوا به بعد أن أمنوا خروج مدير الأمن السابق ؟
نحن نعلم أن مشروعية الشعب في طبيعة النظام المحكومين باسمه فوق كل شيء ونعلم تمام العلم أن تلك المشروعية كما حدث لها تاريخا عبر مختلف المراحل التي حاول فيها "المخزن" التغيير أو التبديل يمكن أن توجه ويؤثر في توجهاته الكاملة ، ليبس لسبب سلبي ، وإنما هناك أسباب موضوعية تجعل ذلك التأثير واردا ، ففي السنوات أو العقود الماضية إن صح التعبير بما فيها عقود الاستقلال كان الشعب عبارة عن فراغ ثم ما لبث أن أصبح هذا الفراغ يعيش واقع المدينة بأسلوب وعقلية أهل البادية ،ويمكن قياسا على ذلك اعتبار أن دستور 2006 هو أقرب مشروعية للشعب ، وأن ما سبقه كان تغيرا من تغير عقلية لا تفهم إلا ما يُوحى لها بأنه صالح وتتبع إلى حد كبير إشاعات المخزن وما تروج له أجهزة المخابرات .
والحقيقة وبكل موضوعية وبعيدا عن أي تحيز لأي طرف معارض أو موالي أن هناك فتيل نار حارقة من الأحسن تجنبها ، لأن المجتمع أصبح على قدر من الوعي وهناك من الفاعلين ما هو أهل وقادر على للوقوف ضد أي إجراء يمكن أن يبتز مصلحته من خلال المساس بالمصلحة العامة ، وربما الذي عاصر حقبة ولد الطايع الأخيرة وعرف ما أصابه من ابتزاز وتشويه داخلي وخارجي عندما انحرف عن المعيار الموضوعي يفهم في ذلك أحسن من أي شخص آخر.