يبدو أن البلاد مقبلة في الأيام القادمة على موجة عارمة من التملق والتزلف والتصفيق والتطبيل، وسيكون تعديل الدستور، والمأمورية الثالثة، ومبايعة "أمير المؤمنين" هي العناوين الأبرز لهذه الموجة التطبيلية التزلفية القادمة.
سيخرج المتزلفون والمتملقون والمطبلون من جحورهم، وسيتنافسون في التصفيق والتطبيل والتزلف،
ستتناسل المبادرات، وستنتعش بعض القنوات، وسيظهر صراع قوي بين سلف المتزلفين وخلفهم على حقوق الملكية الفكرية، وستدَّعِي جهات شتى بأنها هي صاحبة السبق في المطالبة بتعديل الدستور وبالتمديد للرئيس المؤسس، رئيس العمل الإسلامي، ناصر الفقراء، محارب الفساد، أمير المؤمنين: محمد ولد عبد العزيز.
وحتى لا يضيع حق متملق أو متزلف على هذه الأرض، فإنه قد يكون من الضروري، بل ومن الملح جدا، أن يتم تسجيل حق الملكية الفكرية للمطالبة بتعديل الدستور من أجل مأمورية ثالثة أو رابعة للمبادرين الخمسة الأوائل. إن الواجب الأخلاقي والوطني يفرض علينا أن نعترف لأولي الفضل بفضلهم، خاصة إذا ما علمنا بأن هناك من يتربص بهم شرا، وبأن هناك من يخطط لأن ينتزع منهم حقوق الملكية الفكرية فيما أبدعوا فيه من تصفيق وتطبيل. إن هؤلاء الخمسة هم الأوائل، فهم أول من سن هذه السنة التطبيلية الجديدة، أي سنة المطالبة بمأمورية ثالثة ورابعة وخامسة، وسيكون لهؤلاء المبادرين الخمسة أجر أو وزر من سلك سبيلهم في التطبيل والتملق والتزلف.
لو كانت هذه البلاد تمتلك قضاءً مستقلا لما كانت هناك حاجة للدفاع عن خمسة مطبلين مشهورين، ولكن، ولأن القضاء غير مستقل في هذه البلاد، ولأن وزير العدل نفسه قد يكون خصما لهؤلاء المطبلين الخمسة، ولأنه قد ينافسهم على الملكية الفكرية ل"منتج زيادة المأموريات"، فكان لابد من التطوع بالدفاع عن المبادرين الخمسة حتى لا يظلموا فتنتزع منهم حقوقهم الفكرية.
إنهم خمسة من قادة التطبيل والتصفيق، كان لهم الفضل في تأسيس أولى المبادرات المطالبة بزيادة المأموريات.
لقد كان مولاي الحسن ولد الإمام أشريف المعروف ب"لمشعشع" هو أحد هؤلاء المبادرين الخمسة، ولقد أطلق في العام 2015، ومن ولاية الحوض الغربي، مبادرة مطالبة بمأمورية ثالثة، وقبل ذلك بعقدين من الزمن، وتحديدا في شهر مايو من العام 1995، وحسب ما جاء في منشور للعميد ماموني مختار، والذي كان في ذلك الوقت يراسل الوكالة الموريتانية للأنباء من ولاية كوركول، فإن لمشعشع قد قال في اجتماع عقد بمنزل والي كوركول حينها، وتم تخصيصه للتحضير لزيارة رئيس الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي: "صحيح أنني لست من سكان كوركل، أنا رجل من الشمال، ومعاوية هو من كلفني شخصيا بتمثيله في جميع مناطق الضفة بما فيها ولاية كوركل، وقبل معاوية لم تطأ قدماي أراضي الضفة، وبعد معاوية لن تروني هنا، وربما لن تروني في موريتانيا، لأنها لن تكون مهمة عندي بعد معاوية".
لقد رأيناك يا أيها "المبادر"..لقد رأيناك بعد عشر سنوات من بعد سقوط معاوية وأنت تطلق مبادرة تطالب من خلالها بمأمورية ثالثة لمن كان قد انقلب على معاوية!!
بعد "لمشعشع" جاء الدور على السيد عبد الله السالم ولد أحمدوا، والذي كان فيدرالي حزب الشعب، وفيدرالي الحزب الجمهوري، وهو الآن مستشار رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية. لقد قال السيد عبد الله السالم ولد احمدوا حرفيا، وفي نفس الاجتماع المذكور سابقا، وحسب العميد ماموني مختار مراسل الوكالة الموريتانية للأنباء في كوركول في ذلك الوقت: "إن معاوية نعمة أنعم الله بها علي موريتانيا لانتشالها من الانهيار الذي كان يهددها قبل 12/12/1984 ومن واجب كل فرد من الشعب الموريتاني أن يدعو له بعد صلاته بطول العمر ودوام الصحة، حتى تتحقق سياساته لتنمية موريتانيا وتعزيز استقلالها".
يمكنكم الآن أن تٍسألوا السيد ولد أحمدوا إن كان قد دعا لمعاوية بعد أدائه لصلاة الظهر في يوم الأربعاء الموافق ليوم الثالث من أغسطس من العام 2005 أم أنه كان قد انشغل عن الدعاء بالمشاركة في المسيرات المؤيدة للانقلاب على معاوية ؟
أما المبادرة الثالثة، فقد جاءت أيضا من ولاية اترارزة، وكان صاحبها هو السيد أحمدو ولد الياهي. ويقول السيد أحمدو ولد الياهي بأنه هو أول من أطلق مبادرة في هذا المجال، وبأنه سيجمع مليون توقيع لمبادرته، وهو يكرر دائما، كما يكرر غيره من أصحاب هذه المبادرات بأن الدستور ليس قرآنا منزلا، وفي هذه قد صدقوا، ولكن عليهم أن يذكروا أيضا بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس نبيا مرسلا، حتى وإن كان قد أصبح أميرا للمؤمنين حسب أحد المطبلين، وهو بذلك يمكن تغييره في كل حين، ويتأكد الأمر عندما يكمل "مأموريته" الثانية.
وفيما يخص المبادرة الرابعة فإنها قد جاءت من الأستاذ شيخنا ولد لحبيب عميد هيئة المحامين الموريتانيين، حسب ما يعرف به نفسه، وتمثلت هذه المبادرة في لافتة كان العميد قد زين بها صدره خلال زيارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمدينة لعيون في العام الماضي.
ولقد أطلق عميد هيئة المحامين نداءً من بعد ذلك لإحياء مبادرته، وقد جاء في هذا النداء: "أوجه نداء إلى الأغلبية البرلمانية طالبا منها أن تأخذ مبادرة اقتراح مشروع قانون يلغى المادة 28 من الدستور الموريتاني التي تمنع علي الرئيس أن يترشح أكثر من مرة واحدة، هذه المادة تعسفية ومخالفة للإرادة الشعبية ولمبادئ الديمقراطية, حيث أن الترشح حق لكل مواطن لم يصدر عليه حكم قضائي يسحب منه الأهلية السياسية. إن فعلتم نحن من ورائكم بمسيرات سلمية تساند مبادرتكم هذه, وسوف تروننا إن شاء الله في اليوم الموعود. هذا حق دستوري لكم فعلوه حتى لا ينسى ولا يموت. اعملوا لا خوف عليكم و لا أنتم تحزنون...".
ولعل الملاحظة التي يجب الإشارة إليها هنا تتعلق بظاهرة غريبة في هذه البلاد، وتتمثل هذه الظاهرة في أن أساتذة القانون هم أول من يساند الانقلابات، وهم أول من يطلق المبادرات المسيئة للدستور، فهذا عميد المحامين يطلق هذه المبادرة، وذلك وزير العدل يطالب بزيادة المأموريات من تحت قبة البرلمان الموريتاني.
أما المبادرة الخامسة فقد أطلقت من كيدي ماغا من طرف السيد السالم المين، والذي ظهر على شاشة الموريتانية وهو يدعو من كيدي ماغا أثناء زيارة الرئيس لها إلى تمزيق الدستور، ولقد ابتسم له الرئيس، وكأنه بذلك قد أراد تشجيعه على مطالبته بتمزيق الدستور.
السيد السالم المين كان أيضا من رجال الحزب الجمهوري، وكان من أبرز المدافعين عن معاوية ولد الطايع من قبل الانقلاب عليه.
هؤلاء هم الخمسة الأوائل الذين يمكن وصفهم بالسابقين الأولين في مجال إطلاق المبادرات المطالبة بمأمورية ثالثة، وربما تكون هناك أسماء أخرى لم يتح لي الإطلاع عليها، ولذلك فإني أرجو المعذرة من أصحابها.
وتبقى ثلاث همسات:
همسة في أذن الرئيس عزيز : عد إلى أرشيف هؤلاء المبادرين الخمسة، وعد إلى مبادراتهم في زمن ولد الطايع، فإن فعلتَ ذلك فإنك لن تغتر بهذه المبادرات، وستتأكد حينها بأن المبادرين الخمسة سيكونون في الصفوف الأولى في أول مسيرة يتم تنظيمها للاحتفال بزوال ملكك.
همسة في آذان المبادرين الخمسة: إن نظام ولد عبد العزيز يحتضر، وسيكون الرئيس محظوظا إن تمكن من أن يكمل مأموريته الثانية، وسيبقى لكم أنتم عار هذه المبادرات يلاحقكم، ويلاحق أبناءكم، وتذكروا دائما بأن اليوم لن يكون كالأمس، وبأن التصفيق والتطبيل أصبح يسجل بالصوت والصورة، وبأن نخب المستقبل لن تكون كنخب اليوم، وبأن حسابها لكم على هذا التطبيل سيكون حسابا عسيرا.
همسة في آذان القراء: مرة أخرى أعتذر لكم عن بعض الكلمات التي تم استخدامها في هذا المقال، والتي لم يكن من عادتي أن أستخدمها، ولكن خطورة الدعوة لتمديد المأموريات هو الذي دفعني لاستخدام هذه الكلمات. إنه علينا أن نعلم جميعا بأن الدعوة لتمديد المأموريات هي دعوة للفتنة ولتفكك هذه البلاد، ولذلك، فإنه لابد من استخدام شيء من الحدة لإيقاف هذه الدعوات في وقت مبكر.
حفظ الله موريتانيا.