الوطنية بشكل عام هي التعلق بالوطن وحبه والتشبث به والاستعداد التام للذود عنه والتضحية من أجله. هذه الصفات وغيرها تضفي على المتصف بها وطني مهما كان وطنه الأم, وتتفاوت درجاتها في كل فرد حسب تكوينه وثقافته وتربيته وبيئته.
وقد تناول هذا الموضوع الكثير من الباحثين والكتاب والفلاسفة والأدباء كل من منظوره, فمنهم من اعتبرها عاطفة أخلاقية,
ومنهم من رأى أنها نرجسية اجتماعية, كما وصفها الفيلسوف جورج هيكل بأنها هي المشاعر السياسية, و تغنى بها الشعراء حيث يقول ابن الرومي :
ولي وطن آليت ألا أبيعه @ وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة @ كنعمة قوم أصبحو في ظلالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم @ مآرب قضاها الشباب هنالكا.
في هذه الأبيات نرى أن الشاعريظهر وطنيته كارتباط وجداني بوطنه ويتغنى بحبه والتمسك به فكثيرا من الأدباء يرى أن الوطنية هي أساسا التغني بحب الوطن , كما قال الشاعر الكاظمي :
ومن لم تكن أوطانه مفخرا @ له فليس له في موطن المجد مفخر.
ويقول الشاعر الكبير الدكتور ادي ولد آدب في إحدى روائعه بعنوان :
أنا وطني المنشود :
أنا سليل الرمال السائبات هنا @ تناغمت في دمي ذرات آبائي
البربري العربي الزنجي الأولى انصهرو @ في الدين والضاد بين الحاء والباء
إلى أن يقول :
أناي راسخة كالنحل شامخة @ وكل سيما بلادي طبق سيما ء
أناي بوصلة ليست لها جهة @ لا شرق لاغرب إني كل أنحاء
أناي صحراي حقلي واحتي جبلي @ بحري ونهري سماء طقس أجواء.
كما كان للسياسيين القدماء نصيب وافر من هذا الموضوع,
فالقوميون يرون أن حب الوطن عقيدة, والوطن بالنسبة لهم الوطن العربي الكبير كما كان قادتهم ينظرون ويحلمون بالوحدة العربية, ومن تجليات ذلك قيام الجامعة العربية كمؤسسة جامعة, لكنها لم تحقق الحلم العربي,
ويتناول الوطنية مؤسس حركة الإخوان المسلمين حسن البنا رحمه الله حيث يقول : "أما وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونه بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية "
حيث يعتبر العقيدة الإسلامية هي الجامعة لكل فرد من أفراد المسلمين في العالم.
أي أن الإسلام من منظوره هو الوطن ولا حدود جغرافية تفصل بين مواطنيه (المسلمين) ......
كما ورد في بيان الحزب الشيوعي مايلي : العمال لا يملكون وطنا فلا يمكن سلبهم مالا يملكون.
ويقول الثائر الأممي جيفارا: أينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
إن الوطنية مفهوم قديم حديث متجدد, استخدمها الشعراء والساسة قديما وحديثا ولازال الساسة يتشبثون بها ويعتبرونها سيمة لهم يتميزون بها ويعبرون عنها في برامجهم السياسية وفي مهرجاناتهم ويتظاهرون بالنضال من أجل الحرية والديمقراطية وترسيخ مفهوم الوطنية في جميع بلدان العالم .
أما في بلد المليون شاعر سابقا والمليون سياسي لاحقا فالمفهوم يختلف تماما عنه في العالم, أو لا يكاد يرى على أرض الواقع , فالمتتبع للبرامج السياسية لغالبية أحزاب المعارضة, والمستمع لتصريحات قادتهم, والقارئ لكتابات كتابهم, يرى جليا خلو الثقافة السياسية لديهم من مفهوم الوطنية, وكأنهم من كوكب آخرسكانه لا مشاعر لديهم ولا حب ولا انتماء لوطن. فتراهم يبحثون عن الأزمات العالمية ليسقطوها على الوطن الحبيب الوديع البعيد من ضوضاء وصخب وويلات العالم , وتراهم يتحينون الفرص لكل ما من شأنه أن يسيئ لسمعة الوطن ويتبجحون بالتهجم على السلطة بشكل عام, وعلى الرئيس بشكل خاص لايتورعون من تلفيق التهم والأكاذيب للنيل من شخص رئيس السلطة الموريتانية المنتخب, ولا يحترمون الشعب الذي خوله السلطة, وهذا دليل واضح على نقص الثقة المجتمعية لديهم, وتميز الثقافة السياسية لديهم بالعداء لشخص الرئيس, ومحاولة زرعها في الأجيال التي أصبحت تردد أشعارهم وأغانيهم المعادية للوطن الحبيب.
وإذا نظرنا إلى مدى ارتباط المواطن الموريتاني العادي بوطنه نرى الفرق في هذا الإرتباط بين العسكري والمدني من جهة والمثقف وغيرالمثقف من جهة أخرى. فالعسكري أكثر إحساسا بوطنه من المدني رغم أنهما تربيا وترعرعا على حب الوطن فكل من تلقى تعليمه منهما في المدارس النظامية يغرس فيه المعلم حب الوطن من خلال تدريس مادة التربية المدنية والنشيد الوطني والمحافظة على تخليد عيد الإستقلال الوطني المجيد من كل سنة, لكن الفرق بينهما يكمن في أن العسكري مستعد للتضحية من أجل وطنه بنفسه .وبالمناسبة فإني أحيي كل من يملك الحس الوطني الصادق وأخص بالذكر أولئك الذين أفدوا هذا الوطن بأرواحهم الغالية دون أدنى مردود يذكر وإنما إيمانا راسخا بهذا الوطن وحبا له وذودا عن كرامته, وهذا في الحقيقة واجبنا جميعا فعلينا أن نبذل كل ما في وسعنا من طاقات وأفكار ومن جهود للرفع بوطننا حتى يسمو عاليا ويتحقق فيه الإستقرار والنماء بشكل دائم ولو تطلب الأمر منا أن نفديه بأرواحنا.