الدستور هو القانون الأعلى في المجتمع السياسي، باعتباره مجموعة القواعد القانونية التي تنظم شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبيان السلطات العامة واختصاصاتها والعالقة فيما بينها، إضافة إلى تحديده لحقوق لأفراد وحرياتهم والوسائل المقررة لحمايتها سواء تواجدت هذه القواعد في الدستور بمفهومه
الشكلي، أو في أي مصدر من مصادر القانون الدستوري، حتى ولو كانت قواعد قانونية عرفية. والقاعدة الشرعية" ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
تحتاج الدولة إلى دستور لتنظيم العالقة بين الحكام والمحكومين؛ فالحكام مطالبون بالوصول إلى السلطة وممارستها وفقا للإطار الذي يحدده الدستور، وفي مقابل ذلك، يتمتع الأفراد بحقوقهم وحرياتهم التي أقرها لهم الدستور مما يجعلها في منأى من تعدي السلطة الحاكمة، هذا ما جعل الدستور بمثابة الآلية التي يتم من خلالها التوفيق بين السلطة والحرية.
فالدستور هو التعبير السياسي والقانوني عن العقد الاجتماعي بما يتضمنه من مبادئ وقيم اجتماعية وثقافية وعقائدية واقتصادية تختلف من مجتمع إلى آخر في التفاصيل لكنها محكومة بمنظومة قيم إنسانية، تكاد تكون عامة، تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية في المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين أفراد المجموعة البشرية على أساس من اللون أو العرق أو الجنس أو الدين أو الحالة الاجتماعية والاقتصادية ، قال تعالى:{ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
مشروعية وشرعية الدستور أن يوافق عليه الشعب في استفتاء عام مشهود ومباشر حر ونزيه فيصبح اجتهاد علمي مزكي بموافقة وإجماع الأمة، وفي الأثر المأثور:" ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن" وإجماع الناس حجة عليهم، ويمنع الفقهاء خرق الإجماع، والأمة لا تجتمع على ضلالة" ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح"..
شياطين الوزراء والمسؤولين في الدولة وقبيلهم من عامة الموالاة يوحي بعضهم إلى بعض ويوحون لنا زخرفا من القول غروراً وبهتانا من تبرير الدعايات بشأن ضرورات تعديل الدستور وعلى اعتبار أنه ليس وحياً منزلا ومقدساً لا يجوز فيه التبديل أو التعديل ؟
وهذا قول لا جديد فيه ولا كلام مفيد يستمع إليه المواطن، وهي كلمة حق أريد بها باطل، فالدستور نعم ليس وحيا من الله قطعاً ولكنه وحي من الشعب وميثاق الأمة التي تواثقت عليه وعلى حمايته واحترامه وعاهدها الرئيس عليه وأقسم لها قسماً مغلظاً على حمايته واحترامه وعدم المساس به أو التعديل تلك المادة التي تريدون الوصول إلى تعديلها بعد ما حصنت به من عهد وتعهد ويمين لا تؤول ولا تكفر جعل لها حكم المقدس أي حظر الاقتراب منها وتحصينها وبموجب عموم ومدلول ودلالة مجموعة من النصوص القرآنية المقدسة والتي تدل دلا لة عموم وتضمن على معناها ومعنى ما يماثلها من قضايا وأحكام والقاعدة الذهبية الأصولية" لا عبرة بخصوص السبب وإنما العبرة بعموم اللفظ" ومن تلك النصوص قوله تعالى:{ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون}سورة البقرة ، الآية 27 .
والواقع المحلي والإقليمي وتجارب الحكام والشعوب تقولان إن تعديل تلك المادة من الدستور المتعلقة بمأمورية الرئاسة نقض للعهد والموثق وطريق عريض للفساد والإفساد حين يصر المؤتمنون على خيانة الأمانة ونقض العهد والحنث باليمين المغلظة قال تعالى :{ وكانوا يصرون على الحنث العظيم} الواقعة الآية.46.
وقال تعالى:{ فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم} واللعن هو الطرد من رحمة الله إلى سواء الخصومات وصنوف الحروب والفتن فانظروا كيف كانت عاقبة المقدمين من غيركم على ذلك من الحكام ومنهم من ذهبتم يا سيادة الرئيس لإصلاح شأنه وإطفاء الحريق في بلده والله يقول:{ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة...}فلا تكونوا كالذين قال الله فيهم:{ وكأي من آية في السموات والأرض يمرون عليهم وهم عنها معرضون}.
وقال:{ إنما يذكر أولو الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} سورة الرعد الآية.
ومما أمر الله به أن يوصل بر اليمين والوفاء بمقتضى العقود يقول الله جل في علاه:
{ يا أيها الذين امنوا أقو بالعقود}.
وقال:{ لايواخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يواخذكم بما عقدتم الأيمان}المائدة 89. وقال :{ لا يواخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يواخذكم بما كسبت قلوبكم} سورة
نعم إن تفريغ القوانين من مضمونها والدستور من محتواه والجدل السياسي لإرهاق المعارضة المرهقة أصلاً بعجزها واختلافها وإلهاء الناس جدلا وخصومة عن الكوارث التي تهددهم والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحيط بهم من فوقهم ومن خلفيهم ومن بينهم لهي الفساد العريض،والسعي الخبيث الماكر لتخريب مقومات الأمن والاستقرار وإلا فإن ما تعارف عليه أهل السياسة وفقهاء القانون وخبراء الدساتير من مبررات ومسوقات تعديل المواثيق والدساتير التي يراد لها أن تغير أو تعدل غير متوفرة في حلتنا ولا ضرورة لها في السياسة الوطنية ؟!
يذكر علماء السياسة وفقهاء الدستور عادة جملة من من القضايا السياسية الكبرى التي تبرر الحاجة إلى تعديل الدستور لعل من أظهرها :
أولا: - إثراء النظام المؤسساتي بمقومات الاستقرار و الفاعلية و الاستمرارية.
ثانيا: – حماية الرموز الوطنية المجيدة التي تصبح رموزا ثابتة للدولة والشعب وذلك بإعطائها المركز الدستوري الذي يليق بمكانتها .
ثالثاً:– إعادة تنظيم و تدقيق و توضيح الصلاحيات و العلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية حتى تصبح سلطة تنفيذية قوية موحدة و منسجمة، بإمكانها تحمل المسؤوليات...
ثالثا – تمكين الشعب من ممارسة حقه المشروع في اختيار من يقود مصيره، و أن يجدد الثقة فيه بكل سيادة ذلك أن التداول الحقيقي على السلطة ينبثق عن الاختيار الحر، الذي يقرره الشعب بنفسه، عندما تتم استشارته بكل ديمقراطية و شفافية في انتخابات حرة تعددية نزيهة.
رابعا : البحث عن إضفاء المزيد من الانسجام على النظام السياسي، بإرساء قواعد واضحة المعالم، و ضبط المسؤوليات أكثر فأكثر، و وضع حد للتداخل في الصلاحيات، و إنهاء الخلط في المفاهيم.
خامسا: وفي العقدين الأخيرين أضيف لتلك المسوقات والمبررات مسوق جديد يتمثل في النص على ترقية الحقوق السياسية للمرأة، و توسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة على جميع المستويات وغالباً ما ينص تذكراً وفي أعقاب ذكر تلك المبررات والمسوقات وفي مثل حالتنا نحن أن هناك مقدسات دستورية لا يمكن تعديلها ولا المساس بها من مثل: الطابع الجمهوري للدولة والنظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والإسلام باعتباره دين الدولة والعربية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية واللغات المحلية باعتبارها لغات وطنية والحريات السياسية وحقوق الإنسان والمواطن وسلامة التراب الوطني ووحدته والفترات الزمنية للرئاسة .
أما قضية عدم دستورية تعديل مأمورية الرئيس في الدستور فذلك من قواطع الدستور وخاصة المواد المحصنة في الدستور وإن قطعنا بأنها ليست وحياً من عند الله وإنما هي من القوانين التي تواضع البشر على وضعها، ولكن تغيرها صار في حكم الحرام لا لذاته وإنما لعارض هو تهديد السلم والأمن وإن بدا من جس نبض الشارع أن طريق التحايل على ذلك المنوع أصبح سالكا في كل الاتجاهات ولا سيما قضية الاستفتاء الشعبي المحكوم بسيف السلطان وإغراء المال الذي يسوقه ولو لحتفه وكل ذلك تملكه السلطة وأغلبيتها القبلية والجهوية والعسكرية !!!
وهي الأغلبية التي لو أقسم عليها الرئيس لأبرته بمطالبتها له بالترشح وتعديل الدستور والحنث باليمين وهم يصرون على أن يقع الرئيس في الحنث العظيم قال تعالى:{ أتواصوا به بلهم قوم طاغون} فلقد أقسم الرئيس عليه حيث أقسم بالله العلي العظيم على المصحف أن لا يتحايل على طلب هذا التمديد وهذه اليمين لا يجوز فيها الاستـثـناء ولا الاسترعاء ولا التورية كما يقول الفقهاء وهي لا كفارة لها إلا الخراب والدمار وسوء الخاتمة والنار وفيها يقول الله جل في علاه: {ولا تـنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا}.
والرئيس كما يقول العلماء أكدها بصفات الله وهي "العلي العظيم"، فمن نقضها ذاق الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة بسبب نقض عهد الله من بعد ميثاقه وهي يمين محلوفة على نية الغير وهنا هو الشعب ومستحيل أن جميع البالغين من الشعب سيوافقون على التمديد، وفي مثل إشكالها قال - صلى الله عليه وسلم: "البـينة على المدعى واليمين على من أنـكر"فأفاد ذلك أن هذه اليمين مثـل تـلك اليمين لا تـكفر ولا تؤول لأنها محلوفة على نية الخصم وهي محصنة من الله بقوله تعالى {والذين ينقضون عهد الله من بعـد ميثاقه} الخ الآية {فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون} فهل تكون الموالاة بزورها ووزرائها من ألو الألباب الذين يوفون بعهد الله ويتقونه فيكفون عن تحريض ولي نعمتهم على الحنث باليمين ونقض الميثاق الغليظ ويتبرءون من فجور الدعوات التي تتولى من أفراد ينتمون إليهم ؟!.