كلمة الإصلاح هذه المرة تود أن تخبر بأنها تابعت حلقات الرائد صالح بن حنن في شهادته على العصر في الجزيرة كلمة بكلمة ، وذلك نظرا لما أكنه لهذا الرجل في نفسي من الإعجاب به من ذلك التاريخ الذي ظهرت فيه شجاعته وإقدامه الداخلين في جسمه الإسلامي والقومي فلم تـفتـني أي حلقة من تـلك الحلقات
لا في المقـيل ولا في إعادتها في الصباح الباكـر .
وبناءا على أن كل فرد له نظريته الخاصة به سواء فيما يسمع في التاريخ أو المواقف الأخرى فإني سوف أسجل هنا شيئا لا نسميه ملاحظات لأن ذلك اللفظ يفهم منه أكثـر من المراد ولكن أسميه فقط تـنـبـيهات متفرقات في تـلك الحلقات ، مع أنـني أعود فأكرر أن إعجابي به بالسمعية آنذاك والرؤية له بعد ذلك في بعض الأحيان ومواقـفه السياسية قد زاد الجميع اعتباري له باستماعي لتـلك الحلقات .
فقد ظهر فيها تماسكه وانسجام كلامه مع المحاور في جميع الحلقات فلم يظهر في قسمات وجهه أثـناء تـناوله لتـلك الأحداث في جميع مراحلها أي ارتباك ولا غيره ، كما أن أسلوبه العربي مثـل فيه الموريتاني المتدين الفصيح فهنيئا له على ما أعطاه الله من ذلك من فضله من غير حول منه هو ولا قوة .
أما التـنبـيهات فقد جاءت في ذهني وعزمت أن أكتبها بقلمي وهي كالتالي :
أولا : من المعلوم أن محاوره هو أحمد منصور الصحفي العربي ذائع الصيت في العالم المهني في التعـبـير الصحفي ولا سيما العربية منها والمفروض أنه الخبـير المتمكن من حياة وأصول جميع المجتمعات ، ومع ذلك كله فـقد ظهر أن ما ابتلى الله به من ما يطلق عليه الآن اسم العرب لا يمثـلون من هذه التسمية إلا حروف كلمتها ولو كانوا صحفيـين فهذا الصحفي ظهر أنه لا يعرف شيئا عن هذا الشعب العربي الأصيل .
فكان على السيد صالح وهو ابن هذا المجتمع الذكي العريق الذي يعرف عجائزه في البادية من أيام العرب والأحداث فيها القديمة والراهنة ما لا يعرفه أحمد منصور ولا غيـره من ما يطلق عليه ذلك المسمى (العرب ) فكان عليه أن ينـتـهـز الفرصة ويعطيه في مقدمة كلامهما نبذة تكون كاشفة لما أودعه الله من الخصوصيات في هذا المجتمع العربي حقيقة لفظا ومعنى من المميزات الملحومة لحاما مزجيا ولله الحمد بفهم هذه الرسالة المحمدية التي أختار لها الله الجنس العربي لتبليغها وأنزل على البشرية كلامه جل جلاله بلغة هذه القومية العريقة .
فيـبـيـن له أن الشباب فيها ليس كالشباب في الدول العربية الأخرى وكذلك النساء فيها وما يتحلون به من الذكاء والمعرفة ووضع الشيء في محلـه ليس كنسائهم وكذلك الجيش الذي كانت انقلاباته هي موضوع الحلقة ليس كجيوشهم الأخرى رغـم كـثرة الانقلابات فيه .
فأكثـر ضباطه السامون كانت حياتهم تشبه إلى حد بعـيد حياة ما يقـدسونه من ما يسمونهم رجال دينهم إلا أن أكثـر حياة دين رجالهم حياة نفاق وتـملق وحياة دين الضباط في موريتانيا حياة سجايا وتربـية دينية يتمسكون بها إلى جانب حياتهم العسكرية مع دماثـة أخلاق والانسجام مع المجتمع كما هو في جميع حياته .
وهنا يسمح لي القارئ أن أعطيه هذه الأمثـلة على غباوة وجهالة من يسمون أنفسهم الآن بالعرب .
فالطلبة الموريتانيون قالوا أنهم سألوا الطلبة التونسيـين عن من هم سكان موريتانيـا فأجاب الأول : بأن سكان موريتانيا 90% من اليهود فرد عليه تونسي آخر بل 70% فقط هي التي من اليهود ، وكذلك فإن الطلاب الموريتانيـين سألوهم طلاب الجزائر الجارة أنتم قـلتم أن عندكم السمك من أين تستخرجونه ، قالوا لهم : نستخرجوه من كثبان رمال عندنا فـتـعجب الجزائريون .
وأنا بنفسي قال لي طالب أريتري عندما كنا طلابا في ليـبيا أنه كان في جامعة مصرية فرأى طالبا مصريا يـبل أصبعه ويضغط به على جلد الاريتري الأسود وينظر أصبعه هل لصق به شيء من سواد الاريتـري .
والله إنها الغباوة والجهالة ، فالمغرب العربي غباوة والمشرق جهالة بمعنى النرفزة المتحكمة التي أوصلت العرب الأيدلوجيـين إلى ما هم فيه من التمزـق المميت تـلك الجهالة والنرفزة التي يمثـلها بقوة تصرف جميع قواتهم الأمنية التي تعتـقـل مواطنيهم وكأنها أسد مفترسة اصطادت حيوانا سمينا.
فالصحفي أحمد منصور كل ما وصل إلى سماعه عدم ردة فعل الشعب الموريتاني يتعجب من سماحة الشعب الموريتاني فكنـتم دائما تؤكدون له تـلك السجايا الحميدة التي نزعها الله في عشرات الأعوام الماضية من قـلب أولـئـك رؤساء العرب الذين لطخوا سمعة العرب وأذلوهم أمام شعوب العالم بتعذيبهم لشعوبهم حتى أنه في سوريا مازالوا يسمون جيشهم الجيش العربي السوري تـلك العروبة هي التي تمطر كل يوم إلى جانب الروس النساء العربيات وأطفال العرب في سوريا بالقنابل الحارقة ويمنعون عنهم الدواء .
فأنا أرى أنـك أيها الرائد عندما ظفرت بصحفي مثـل أحمد منصور كان عليك أن تقول له ما يشفي غـليل العرب القدماء وعرب الرسالة الذين اختارهم الله لحمل رسالته الأخيرة للعالم عندما كان من سجاياهم قولهم :
ولولا اجتـناب الذام لم يلف مشرب يعاش به إلا لدي ومأكل
وقولهم :
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يوارى جارتي مأواها .
التـنـبـيه الثاني : عندما كنـتـم تتكلمون عن أصول الموريتانيـين قــلت له : أن أغـلبيتهم أصله عربي وهناك من يقال أن أصولهم من البربر ، وبعد كلام آخر قـلت لمحدثـك : أنه تقدم أن قلتم له أن الجميع الآن عربا حتى من ليسوا أصلا عربا فإنهم يتلمسون الأصول العربية ، والمعروف أن التـلمس هو عمل الأعمى الذي لا يشاهد ما يـبحث عنه .
والمعلوم أنـنا نحن في موريتانيا على ثـلاثة أصول : أصل يقول أنه من عرب المعـقل وأصل آخر قبائل كلها تـنسب أصلها إلى رجال كلهم عربا بل أكثر الموريتانيـين ينسبون أنفسهم إلى آل البـيت أو إلى رجال من قريش أو الأنصار .
أما الأصل الثالث فهم قبائل صنهاجة التي أجمع المؤرخون أن أصلهم حميريون إلا قولا شاذا لابن خلدون استقاه من كلام لابن حزم وجميع المؤرخين قالوا بخلافه مثـل ابن خلكان والفيروزبادي صاحب القاموس الخ .
وبالرجوع إلى تاريخ المرابطين الذين لم تذكر مع الأسف حياتهم الذهبية على هذه الأرض ولو ذكرا عابرا فإن من مدح ملوكهم قول الشاعر :
ويوسف العدل ابن تاشفينا الحميري ثم من لمتونا
فهذا يؤكد لك أن التاريخ حافل بحميـيرية قبائل صنهاجة .
وعلى كل حال فإن حديثـكم مع الصحفي ليست الأنساب موضوعه مع أنكم ذكرتم أن تخصصكم هو التاريخ .
فكان يكفي أن تـقول أن موريتانيا تـتـركب من شريحتين فقط : شريحة العرب و شريحة الزنوج الأفارقة، مع أنكم تعـلمون أن العروبة هي باللسان وليست بالنسب فلو كانت بالنسب لما تعرب إلا أبناء يعـرب القحطانيـين وحدهم ، فالعرب المستعربة أبناء إسماعيـل وهو أبوه إبراهيم وأمه هاجر لا ينـتميان إلى العروبة بصلة ،فإسماعيل تعرب من قبـيلة جرهم الحمييرية ولذا يقول صاحب عمود النسب مبينا أن إبراهيم وإسماعيل عندما كانا يـبنـيان بـيت الله الحرام لم تكن لغتهما واحدة يقول
كلاهما إذ بـبنيـان يصدع بأمر الآخر ومنه يسمع
مع تخالف اللسانين وفي سبع جبال أخذت كل الصفي
مع أن إسماعيل هو سادس الأنبياء العرب بتعلمه اللغة العربية كلغة الأم
فالعربي من يتـكلم العربية سليقة بدون أن يتعلمها مع وجوب تسمية قوم النبي صلى الله عليه وسلم بالعرب لأن الله قال((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)) وقوله تعالى((وإنه لذكر لـك ولقومـك وسوف تسألون )) .
التـنبـيه الثالث : ذكرتم أن بعضا من زملائـكم هو الذي تسبـب في اعتـقال كثير من الجيش من مؤيديكم بإرساله لابن عم له في موريتانيا بأسماء المؤيدين مع تحذيركم له من ذلك إلى آخر ما جاء في كلامكم عن زميلكم وتركتم الأمر يفهم منه قضية الخيانة لأنـكم قلتم أن ذلك الأمر هو الذي مازال محيرا وأنه يترك للتاريخ .
والمستمع المنصف يتبادر له أن زميلكم استمر في الاتصال بابن عمه بسبب شدة ثـقته فيه فقط ولا يشم من ذلك أي رائحة للخيانة لأنها لم تظهر في أي فعـل آخر له وإنما يظهر أنه رجل طيـب يثـق في الناس من غيـر تجربة فكان ينبغي أن تتولوا أنـتم قول هذه النظرية لتبرئوا زميلكم من شيء لا يظهر على تصرفه الآخر .
فأبو عبـيدة بن الجراح هو أمين الأمة كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن فروسية خالد بن الوليد ليست عـنده .
التـنبـيه الرابع : وهو أهم هذه التـنبـيهات : أيها الرائد المحترم لقد ذكرتـم أنكم أعرف الناس بقائد الأركان المرحوم محمد الأمين بن انجيان ذلك الرجل الذي قـل أن يجود الدهر بمثـله خلقا وديانة وسلامة حياة مما يدنسها ومعاملة لم يخلقها الله في خلق من أمثاله ، وتعلم أنه خسارة في الوطن ومحنة في الضمير عدم معرفة قاتـله ، فكان عليكم عـند ذكر قضيته مجددا أن تغمـز كل قـناة سياسية واجتماعية حتى يعـرف من هو الذي تولى كبر تـلك الجريمة النكـراء .
فهو قطعا لم يـقـتـل نفسه ، ولم يكن في فلات من الأرض فهو قـتـل بين معاونيه ، وأولئك المعاونون معروفون وسوف لا يفوتهم هوية القاتـل فأي أمة وأي جيش في التاريخ يقـتـل بين يديه قائـده ولا يعـرف القاتـل ، هذا لعمر في القياس بعيد .
فكان عليـكم بكل شجاعة أن تطلقوها دعوة مدوية شعبـية لا تـتـوقف حتى يعرف من قـتـل ذلك البطـل الذي نرجو من الله أن يكون الآن بين الشهداء في مقعـد صدق عند ملك مقـتدر.
فالجميع لاشك أنه لاحظ أنـكم مع تبرئـتكم لأنفسكم ولجميع الفرسان من قـتـله لم تعطوا كثيرا من الأدلة على أن الدولة هي التي أمرت بقـتـله ، كما أن هناك نقطة لم تبرءوا أنفسكم منها وهي قول الدولة أنه قـتـل برصاصة دبابة والدبابات آنذاك تحت سيطرتـكم أنتم إلا أن أكبر تهمة للدولة بالقـتـل هي عدم التأسف عليه وعدم إحاطة جنازته بطقوس جنازة الأبطال العسكريين المقـتـولين في المعركة مع العـدو مع أنه يستحق ذلك من جميع الاعـتبارات فرحمه الله برحمته الواسعـة .
وفي الأخير فإني أعود لأكـرر أنه بالرغم من كل ما سيقول من لم يرض عن شهادتـكم على العصر أن ما قمتم به من إخراجها كما خرجت لا يقـل شجاعة ولا نبلا عن جميع محاولاتكم بدون تردد ولا خجل ولا ملل عن دق الباب الذي أوصده ذلك الرجل عن ما لا يرضى عنه الشعب الموريتاني العربي الأبي .
فجزاكم الله خيرا وأحسن مسيرتـكم في المستـقبل دينا وأخرى وأختم بقوله تعالى(( وقـل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ))