ظهرت في الفترة الأخيرة في بلادنا وتحديدا في واحة الواسطة بتجكجة ،آفة حشرية مرعبة تدعي سوسة النخيل، والتي تعد من اخطر ما يهدد النخيل اليوم عبر العالم، فمنذ ظهورها في إيران والدول العربية سببت فناء أعداد هائلة من أشجار النخيل، ورصدت لها برامج مكافحة عملاقة ظلت نتائجها دون المستوي.
تعد سوسة النخيل Rhynchophorus ferrugineus حشرة كبيرة، يصل طولها لأربعة سنتمترات ،وتنتمي لرتبة غمدية الأجنحة وتطورها من النوع التام، بمعني أن يرقاتها تكون علي شكل ديدان شرهة تلتهم جذع النخلة من الداخل بعيدا عن أعين المزارع مما يسبب هلاك النخلة.
من أين جاءت الحشرة؟
سؤال يتكرر في كل بلد سجل ظهور هذه الحشر،ة ففي مؤتمر أقيم في السعودية حول هذه ألآفة نظمته شبكة بحوث وتطوير النخيل، طرح ممثل موريتانيا في المؤتمر سؤالا يتعلق بإمكانية أن تكون إيران تعمدت إدخال الحشرة إلي السعودية، مما أثار جدلا ولغطا حينها، إلا أن الآفات اليوم في ظل العولمة لا تحتاج إلا القليل من الإهمال لتنتشر،وهذا ما حدث فعلا عندما تقاعست الوزارة عن التحسيس الوقائي للمزارعين حول خطورة الآفة، وتطبيق إجراءات الحجر بصرامة، وغض الطرف عن استيراد الفسائل من الخليج في الطائرة ووصولها حتي تجكجة وغرسها نهارا جهارا دون اتخاذ أي إجراء الأمر الذي يجب أن لا يمر دون مساءلة.
أي مكافحة ممكنة
إن إجراءات مكافحة هذه الآفة معقدة ومكلفة جدا، نظرا لقدرتها علي الطيران لمسافة قد تصل لكيلومتر ونصف، واختباء يرقاتها داخل جذوع النخيل، دون أن يلحظها المزارع، وقدرة حواري الحشرة علي الاختباء في التربة ، وإمكانية التصاق بيضها بالعديد من الأدوات مما يسهل انتقالها من مكان لأخر.
بعد اكتشاف الآفة، قررت الوزارة إتباع برنامج مكافحة، صاغه خبير أجنبي متمرس، بهدف القضاء عليها واتبع أسلوب إزالة بؤرة الإصابة كليا، مما يعني إبادة أشجار النخيل في كامل البؤرة، ولا شك أن كيّة النار تلك فعالة، إذا كانت الآفة لم تتجاوز تلك البؤرة، أما إذا كانت الحشرة قد تجاوزت تلك الحدود وهو أمر متوقع جدا، فستكون تلك الخطوة احد الأخطاء الكارثية ، خصوصا أنها لم تتخذ بمرضاة المزارعين ،كما أنها سابقة خطيرة نظرا لتداعياتها علي قطاعات أخري في ظل غياب إطار قانوني واضح للتعامل مع هذا النوع من الإجراءات، فمثلا عندما يصاب قطيع من الأبقار بمرض اساف (الحمي القلاعية) و تستنجد بخبير أجنبي، فقد ينصحك بإبادة القطيع وهذا مر مقبول في سياق معين ومحدد ،لكن المنمين عندنا لا يعتبرون أن قطيعهم يعاني مشكلة أصلا،فكيف يمكن إجبارهم علي إبادته وان قبلوا فمن سيتحمل تكاليف التعويض، وقد حدثت حالات مشابهة ولم يجرؤ احد علي معاتبتهم، فهل المنمي أكثر جاها من المزارع..!.
لن يكون من العادل والمنصف أن يتحمل مزارعو واحة الواسطة بتجكجة وحدهم وزر دم قتيل لم يقتلوه خصوصا أن دمه في رقاب جهات عليا عديدة .
إن غياب إستراتجية وطنية للأمن البيولوجي يعقد ويصعب الوقاية من الآفات ،كما يبعثر ويشتت جهود المكافحة، ويزيد من اتساع الهوة بيننا وبين الاكتفاء الذاتي من الغذاء ،فنحن اليوم نتعامل بطرائق وقوانين صيغت في القرن الماضي، لكنها لم تعد تصلح اليوم لعالم شعاره العولمة