" الراقصون على جماجم صبرنا.. لا يأبهون
يتبادلون حراسة الوجع المعتق في الدماء.. فينتشون
النائمون على زلازل رفضنا.. لا يفقهون
أن البراكين الحبيسة قد تثور "
***
مُضحكٌ مُفجعٌ هذا اللقب الجديد ..
الجنرال الإنقلابي أصبح " نصيراً للمظلومين" وفق رواية الأستاذ الشيخ ولد حندي نقيب المحامين الموريتانيين الذي تنازل اليوم عن عباءة الشرف والمحاماة والقانون لصالح أكبر مُنتهكٍ للحريات ومُنقلبٍ على الدساتير ..
شخصياً أؤمن بحرية الفرد في حياته ومواقفه وأرائه وانتحاره على الطريقة التي يريد ، لكني لا أسمح بأن يكون ذلك على حساب الآخر أياً كان ، فأحرى أن يكون شعبي المُضرج بالدموع والدماء في لحظة صفرية هبطت فيها كل مؤشرات المسؤولية والمواطنة وروح القانون ..
لا يفوتني هنا وأنا أطالع هذا الخبر المثير للسخرية إلا أن أستحضر دماء بعض الموريتانيين الذين سقطوا على الأرض قتلى بدم بارد في عهد الجنرال محمد ولد عبد العزيز ابتداءً بالشهيد لمين مانغان (19 سنة) الذي استهدفته فرقة من الدرك في مدينة مقامة في شهر سبتمبر 2011 إثر رصاصة أطلقها دركيٌ اخترقت رأسه وأردتهُ قتيلا ..
ومن بعده محمد ولد المشظوفي ( 35 عاما) الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في منتصف شهر يوليو 2012 إثر مشاركته في إضراب سلمي لعمال شركة MCM .
أسماء الضحايا كثيرة ، بعضها معلوم ، وغالبيتها مجهولة ، ولعل آخرها كان الراعي محمد ولد الدده الذي أصيب بطلق ناري من قبل الشاب المُدلل بدر ولد عبد العزيز، نجلُ رئيس المجلس الأعلى للقضاء ..!
***
رصاصاتُ بدر ، وأبي بدر ، وشرطة وحراس وأجهزة أمن أبي بدر يدفع المواطن يومياً ثمن تجبرهاً وطغيانها ، على شتى الصعد والمستويات من عملياتٍ مُنظمة للقتل والإعتداء والإغتصاب والإختطاف والسطو والإعتقال والقمع، ناهيك عن مختلف الإنتهاكات الحقوقية التي يعز حصرها ضمن حكم عسكري صرح رئيسُه من أول يوم أنه " كان مستعداً لإراقة الدماء إن لم يتراجع ولد الشيخ عبد الله عن إقالته " ، لكن الأيام أثبتت أنه مُحق في ذلك ، وقد فعل ..
فكل الدماء التي سالت على الأرض ، وكل الإنتهاكات التي شهدتها البلاد تؤكد أن عصابة مارقةً على الدستور والقانون والأخلاق والقيم هي من تمسك اليوم بزمام الأمور ، حيث لا رادع ولا وازع ولا ضمير ولا إحساس بالوطن ولا المواطن .
***
صورة أخرى من أبشع الصور التي تكشف زيف هذا القضاء وعدم استقلاليته، وتبعيته للسلطة التنفيذية ، حيث أقدم الجنرال ولد عبد العزيز" نصير المظلومين" في شهر مايو 2012 على إقالة رئيس المحكمة العليا السيد ولد الغيلاني قبل انتهاء مأموريته ومنعه من دخول مكتبه بالقوة في خطوة هي الأكثر وقاحة واحتقاراً للجهاز القضائي وللعاملين فيه من قضاة ومحامين ...
***
قصة بارون المخدرات آنريك غارسيا المتهم في قضية طائرة نواذيبو 2007 و الضالع في ملف طائرة بوينغ التي أحرقت عام 2009 بشمال مالي بعد إفراغ حمولتها وفق ما ورد في مقال للكاتب سيدي عالي بلعمش .
علاقة الفنزويلي بالجنرال ولد عبد العزيز ووسيطه المستشار احميده ولد اباه تبثت جانباً آخر من تورط النظام في تجارة المخدارت وتكييف الأحكام القضائية لصالح البارونات ، وإلا فكيف لنا أن نفسر تحويل القاضي أحمد ولد البو رئيس محكمة المخدرات و الجرائم العابرة للقارات إلى باركيول بعد أن رفض الإنصياع لتعليمات وزير العدل بغية التعتيم على الملف وتسويته بطرق ملتوية تفادياً لإحراج " الكبار" أو إقحام أحد الأسماء الهامة في سجل الفضائح والتحقيقات ..!
***
الطريف في احتفالية السنة القضائية اليوم أنه في الوقت الذي كان الجميع يتكلمون عن العدالة والقانون وغياب القمع والتعذيب كانت السلطات الأمنية تباشر قمع تظاهرة سلمية لنشطاء "إيرا" أمام قصر العدالة .
***
الأمثلة أعلاه هي مجرد نماذج من فساد الجهاز القضائي في ظل حكم عسكري انقلابي ، داس بكل احتقار على شرف القضاء إلى حد أن خلع نقيب المحامين الأسبق احمد سالم ولد بوحبيني عباءته أمام الجنرال في العام المنصرم كاحتجاج صارخ على الواقع العبثي الذي يعيشه قطاع العدالة..
ذلك الواقع الذي حاول نقيب المحامين اليوم أن يقفز فيه على لغة الأرقام والأحداث والوقائع والحقائق المتجسدة على الأرض مُشكلةً لوحةً سيزيفية لوطن يشهد إحدى أسوإ مراحل انتكاساته في مجال السياسة والتنمية والأخلاق والقانون والعدالة
الفاجع حقا والمريع هو أن تصف هيئة المحاميين نظاما هذا حصاده المرير والمؤذي "بنصير المظلومين" وهي الهيئة التي يفترض فعلا أن تكون كما وصفها النقيب في خطابه اليوم "الحصن الحصين الذي يلجأ إليه المكلومون والمظلومون".
فعن أي قضاء إذن يتحدث هذا النقيب ؟؟
لعله يتحدث عن "القضاء" والقدر..!!