يصدق كثيرون من "لَقْبَايَلْ" بمقولة محمد بن عبد الكريم الخطابي ـ أحد قادة ثورة الملك والشعب في المغرب ضد الاحتلال الإسباني والفرنسي لشمال إفريقيا ـ التي قال فيها: "الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب، لأنه لا يتوقف حتى النصر" لكونها قاعدة معرفية تستقيم عليها حقائق تاريخية.
ولا أفشي هنا سراً عندما أقول إنني كلما وقفت أمام حَمْحَمَةِ حرفٍ من بين حروفي لتشييع فكرٍ فوق منبر صاحبة الجلالة ـ السلطة الرابعة ـ تحرشت أناملي بتحدٍ من التحديات الراهنة على وجه البسيطة في منطقة الساحل والصحراء .. ربما قدر الباحث المغاربي تعميق هوة البحث في أوطانه، وما أبرئ نفسي...
ليس النزاع المشار إليه هنا مضاف للربيع الأمازيغي، ولا عملاً بقواعد الصراع المعهودة على أثير مذياع صوتي بين الفصحى والتراث الأمازيغي محطاته طريقة تبادل السلام، فليس علينا من حرج هنا في إشهار التحية بالفصحى على وزن "السلام عليكم" ولا جناح علينا أيضاً هنا إذا أقرأنا السلام بكلمة "أَزُولْ" الأمازيغية، وإنما تسليط الضوء هنا على النزاع الدائر بين ساكنة إقليم "لَقْبَايَلْ" والسلطات الجزائرية، أفرزتها أزمة هوية في منطقة لا تزال تُكَفْكِفُ دموعها مما لقيت من السقام بفعل الدولة الجارة الجزائر، لما لهذه الأخيرة من دور صريح في تدهور الإطار المعيشي وتسبب مباشر في نزول القحط السياسي بمنطقة "لَقْبَايَلْ".
ولنبصر الإقصاء في منطقة "لَقْبَايَلْ" ومحيطها الجغرافي، فإننا نحتاج فقط لوضع النقاط على التناقض الجزائري السائد بين "تندوف" وإقليم "لَقْبَايَلْ" ورصده بالعين المجردة لنلاحظ بوضوح كمراقبين من مجتمع البيضان تجليات وجوه النفاق السياسي لدى النظام الجزائري، حيث يطغى عليه قناع النزق البطولي فقط عندما يتعلق الأمر بالسباحة الحرة في بركة البوليساريو الآسنة وما تشكله من تهديد لوحدة أراضي دول الجوار، ثم نكتشف بعد ذلك مستنقعاً من الوحل عزّ عليه أن يبقي للنظام الديمقراطي وكل ما يحويه قاموس الأمن الفكري والقيم العليا السامية الحقوقية من معانٍ ومسلكيات، أبسط وجود.
أما المفارقة العجيبة فهي ثالثة الأثافى- حلوة الأثافى.. لأنها قابلة في أحد شقيها للتحول من جمرة في نحر السلطات الجزائرية إلى تمرة، شرط تحول الحديث الدولي الدائر من تقرير للمصير في إقليم "لَقْبَايَلْ" إلى تقرير للمصير في الصحراء المغربية.. إنه اكتمال لأركان الشر، عندما يحفر الجار لجاره حفرةً ليقع فيها؛ ماذا إذا سقط الفاعل فيها تحت كعوب القباقيب؟! ماذا إذا ارتد السهم إلى نحر رماته؟! ونحن ندرك جيداً أن القاسم المشترك بين المجتمعين البيضاني والأمازيغي هو ويلات التهميش والقهر والقمع والبؤس بفعل فاعل في مخيمات تندوف وإقليم "لَقْبَايَلْ"، غير مبالٍ بتفتيت أبناء الوطن الواحد على أساس "عرقي - لغوي - ملبسي – مأكلي – مشربي" المهم أن يتفرق إلى فُتاتِ دويلات عنصرية، بكل بساطة لأن الإسبان، ومن قبلهم الفرنسيين، جربوا فعالية نظرية "فرق تسد" ولم ينجحوا، فاكتشفوا أن الأجدى هو أن تطبق النظرية بيد تنتمى إلى أهل الدار، فورثها النظام الجزائري عن المستعمر كلالةً.
وعلى رماح الصراع السياسى الاجتماعي والثقافي الدائر في إقليم "لَقْبَايَلْ"، إذا لم ينتهي النظام الجزائري عن دغدغة الوحدة الترابية لدول الجوار فلربما ينقلب السحر على الساحر، لا سيما أن المغرب كان منسجماً مع ذاته عندما تكلم نائب مندوب المملكة الدائم لدى الأمم المتحدة حول "لَقْبَايَلْ" باعتبارهم من أقدم الشعوب في إفريقيا، وإثارته للمسؤولية السياسية للأمم المتحدة اتجاه مجتمع "لَقْبَايَلْ" بموجب المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة والمادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة الأولى من الميثاقين الدوليين الخاصين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالحقوق المدنية والسياسية، والمادتين الأولى والرابعة من إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية.
فهل يُضام على المغاربة الصحراويين بعد المفارقة الجزائرية الغريبة إذا ربطوا حبل بِيكَـ بَانْكَـ "لَقْبَايَلْ" بالانفجار العظيم لِلُغم الصحراء؟!