توصف الأزمة بأنها لحظةٌ حرجة، لما قد يترتب عليها من تحول مصيري في حياة الأفراد أو المؤسسات أو الدول، وغالباً ما تتزامن مع عنصر المفاجأة، مما يتطلب مهارة عالية لإدارتها والتصدي لها بشكل شرعي وقانوني وليس بقرارات تفتقد لعوامل الشراكة و الانتقاء و الاختيار و ربما للدراسة الميدانية للحال
و المآل ويستوجب منا في البداية أن نقف على أهم أسباب هذه الأزمة ، فظاهر أزمة اسنيم (أو على الاقل هذا ما يروج له ) أنها في انخفاض أسعار الحديد نظرا للموقف الصيني من الشراء و الإستراد و هذا جانب من الأزمة و ربما جانبها الخارجي أما الداخلي فيكمن في
أولا عدم استقلالية اسنيم عن مركز القرار السياسي :و التدخل المباشر في تفاصيل الإدارة و ربما في التسيير و هذا مما أدى إلى إطلاق مشاريع خارج تخصص الشركة لم تستطع اسنيم إكمالها بل و أرهقتها و تناست الشركة دورها الأصل في استخراج و تصدير خامات الحديد و أصبحت تنشغل تارة في الفندقة و تارة أخرى في الطرق وإنشاء الوحدات السكنية و غيرها مما يخرج عن نطاق الشركة وو ظيفتها الأساسية وهنا قد يقول قائل ما فائدة الشركة إن لم تمول هذه المشاريع ؟ و الجواب أن المساهمة المالية السنوية للشركة في الخزينة العامة للدولة مساهمة وطنية مهمة و كبيرة و يمكن استغلالها إجابا .
ثانيا - الإدارة الفوضوية
فمن شأن فوضى الإدارة أن تؤدي إلى مجموعة أخطاء مثل عدم التخطيط، عدم الرقابة، الاعتماد على التجسس بدل إثارة الدافعية، الخلط بين الأولويات، فيغلب عنصر المراقبة على عنصر الإنتاج، ويعتمد أساليب فاشلة للرقابة، ثم يشيع جو الإرهاب والخوف والتصارع داخل المؤسسة.
ويعتمد أسلوب تقسيم المؤسسة إلى شيع متناحرة، فيما يعرف بالشللية، فتشيع أجواء التحاسد والتدابر، وكل هذا يؤول إلى نشوء الأزمات التي تعصف بالإدارة، ويحول الإدارة إلى كيان هش أو رخو لا يستطيع الصمود أمام الأزمات
وتتصف الإدارة العشوائية الفوضية بعدة سلبيات، كل منها سبب لأزمة، من ذلك أنها:
- لا تعترف بأهمية التخطيط.
- تغلّب المصلحة الحالية على المصلحة ذات الأثر الممتد.
- لا تحترم الـهيكل التنظيمي.
ـ عدم التراتبية في القرار
- تظهر الفاسدين وتحارب القدوة الصالحة.
- تعجز عن إصدار الأوامر، وتتـبرأ من القرار بعد اتخاذه عند المساءلة أو الشعور بالخطأ، فيصبح القرار الإداري أشبه باللقيط، متخذه يتبرأ منه.
ـ عدم احترام معايير الترقية فبدل أن يرقى الأكفأ و الأصلح يرقى الأكثر ولاء حتى ولو كان عديم الخبرة
ـ هجرة الأدمغة ذات الكفاءة العالية و التي اختارت أن تهاجر ولم تجد من يحتضنها في الشركة و يقدر جهدها
ـ عدم إعطاء صلاحيات كافية للطاقم الإداري فالرأس لاحدود لصلاحياته و الفروع الأخرى ليس عندهم ما يسير عملهم من الصلاحيات على الأقل
ـ فوضوية الطلب و عشوائيته وقلة الإكتتاب و عدم موائمة الهدف مع الإمكانيات و الطاقم البشري
ـ هشاشة الصيانة وعدم مراعاة الجودة في طلب
ثالثا ـ الابتزاز:
ومن مظاهر ذالك الإبتزاز عدم تقدير المعمل للعامل و يتجلى ذالك في التعامل السيئ مع العمال من حيث الالتزامات و من حيث الفصل التعسفي و منظومة العمل المتهالكة هذا ناهيك عن أن مداخيل العامل أقل من مصاريفه مما يدفع للسرقة و التحايل لأننا هنا نتعامل مع أفراد دمرت قيمهم، ولم يعودوا يعيشون للقيم النبيلة، بل يعيشون لذَاتهم، ولذَّاتهم ومصالحهم ، وهم لن يترددوا عن تدمير المؤسسة لحماية أنفسهم وتحقيق مصالحهم.
فدفع الناس ووضعهم في ظروف قاسية يدمر القيم الأخلاقية لديهم ، مما يؤدي إلى تدمير القيم في المؤسسة، وهذا يشكل بيئة مناسبة للتآمر وشيوع الأهواء
رابعا ـ تشويه المعلومات المتاحة حين لا تناسب رغبات الإدارة
فقد تتوفر المعلومة وتكشف عن مشكلة ما وخطر قادم، ويتوفر لنا الوقت لتخفيف آثار الخطر، إلا أننا نفوت الفرصـة لعدم رغبتنا بتصـديق المعلومة، كما حدث مع الإضراب الأخير و طريقة التعامل مع معطياته و ما فرض من اكراهات
خامسا- عدم التفويض:
عدم التفويض لاتخاذ القرار يعني أن تناط جميع القرارات بشخص واحد.. ومهما تكن قدرات الفرد الإبداعية فإن انشغاله بالتفاصيل اليومية سيكون على حساب التخطيط والتطوير والقيام بدراسات لمعرفة المتغيرات في ميدان العمل ومواجهة الخطر قبل وقوعه، ولهذا لا بد من التفويض ليتمكن الإداري من الاضطلاع بأعمال إدارية أكبر.. وهذا التفويض لابد أن يراعي الكفاءة وأن يكون مع رقابة و غياب الرقابة مدخل للغش والخيانة والتسيب وتراكم الأخطاء، فقد يخون الأمين ويغش الناصح، ولذا لا بد من وجود نظام للرقابة.
سادسا- عدم التحفيز والمكافأة:
فشعور العامل أن عمله سيكون محل تقدير يدفعه للإنجاز، فإذا كانت الإدارة تساوي بين المنتج والمهمل، في عدم وجود مكافآت فهذا يدعو لإهمال مستمر و هنا لابد من معرفة أننا كلما تصالحنا و كسبنا ود العمالة كلما كان الإنتاج أكبر و الشعور بالمسؤولية أعظم وهنا تتجلى مظاهر عدم التحفيز فيما يلي :
1ـ رداءة الخدمات الصحية و الإجتماعية المقدمة للعمال ومثال ذالك أننا في المستوصف المجمعي لسنيم توفر دكتورة واحدة للأسنان لاكثر من 4000 عامل و جراح وحيد وطاقم قليل العدد كثير المشاكل ، ضف إلى ذالك عدم توفر الأدوية و الأجهزة اللازمة و الحجز .
2ـ رداءة الرواتب مما يشغل العامل بمعيشته اليومية لا بتطوير وظيفته
3ـ عدم المساواة بين العمال في سوائع العمل فتجد الميكانيكي مثلا يعمل في نفس الظروف في المصنع بل و أخطر منها وإصلاح الجرافة التي تشحن أكثر من 20 شاحنة و التي يرتبط بها شحن القطار، هذا العامل الذي سيصلحها تحسب له 8 ساعات و إنتاج هذا العدد الكبير من الشاحنات و الجرافات مرتبط به و أصحابها بالمناسبة تحسب لهم 9 ساعات ، مثال من كثير أمثلة
4ـ أن اسنيم تبيع بالعملة الصعبة و تدفع رواتب العمال بالأوقية وكما أسلفنا راتب زهيد لا يغطي حاجيات الشخص .
سابعا : انعدام الثقة بين المعمل و العامل :
و يتجلى ذالك في الفروق البينة بين مناديب العمال و الإدارة و عدم احترام هذه الأخيرة بأغلب الاتفاقيات الموقع مع المناديب، والعمالة إذا لم تحترم في خيارها و يتعامل مع من انتدبت لحقوقها فإنك لا تقيم لها وزنا كأقل تقدير .
تلكم سادتي أهم أسباب هذه الأزمة و إذا أراد المدير الجديد أن يخرج اسنيم من هذه الأزمة ماعليه إلا أن يتخذ المعالجة الصحيحة و التي تبدأ بالاعتراف بالأزمة وقوتها الضاغطة و النية الجادة للتغلب عليها وعدم إلقاء اللوم على الآخرين ممن هم شركاء في المؤسسة ، و الشروع المباشر في الخطط اللازمة بأسلوب علمي ينتج وضعا أفضل و ربما منحة بعد المحنة .
و أن يعرف أنه يمتلك طاقة بشرية فريدة من نوعها قابلة للتطويرو للتعاون ومنتجة وقت الإنتاج ،باذلة وقت البذل لكن ميزتها أنها في اغلبها لا تسكت عن ظلم ، نعم تجرعت مرارته لكن وازع الوطنية فيها أقوى و من الإستسلام و الخنوع و الإعتراف بظلم بين و فساد مهلك .
ومن الأمور المستعجلة والتي يجب تنفيذها كخطط للإنقاذ نقترح ما يلي :
ـ تفعيل مبدأ التشاور والتعاون وتبني أسلوب فريق العمل:
وذلك بحيث تعتمد الإدارة على رفع معنويات العاملين وقت الأزمات، وإشعال روح الإبداع بينهم لتقديم حلول وآراء غير مسبوقة
- فريق عمل مؤقت، يدعى له الخبراء في شأن الأزمة؛ ويفترض وجود قائمة تضم خبراء تلجأ إليهم المؤسسة للتشاور من أجل حل وتكون مهمة الفريق تشخيص الأزمة بشكل فوري وسريع، وإعداد خطة للتعامل معها، ومتابعة التنفيذ.. وتنتهي مهمة الفريق بانتهاء الأزمة
ـ استقلالية اسنيم عن القرار و التجاذب السياسي و تجنيب أموالها الاستخدام العشوائي و وضع احتياطي مالي و رفع مستوى العلاقات مع المستثمرين و رد و احتضان أصحاب الخبرة و الكفاءة ووضع معايير للترقية
ـ تشجيع العمال على الإنتاج و التعاون و التشاور معهم و الرفع من المستوى المادي و الاجتماعي و الصحي فهم العمود الفقري للمؤسسة
ـ القضاء على المحسوبية و التملق و مظاهر التجسس و الاستثمار الإيجابي في الطاقة البشرية
ـ تفعيل الإدارية و خلق جو أخوي متعاون و السعي لإيجاد ذالك الجو و طي صفحة الماضي بما فيه .
أخيرا يجب لزوما أن يتحمل الجميع المسؤولية الدينية و الأخلاقية و أن يعرف أن أي تقصير أو تجاهل أو خيانة جريمة في حق الذات و الوطن و التاريخ و الذي يكتب في صفحاته كل حسن ،فيبقي ذكر صاحبه على شفاه الأجيال فيدخل قلوبهم و يلتمسون له بركة الدعاء حتى بعد الممات و العكس صحيح .