حق الفقراء فيما يستخرج من الذهب / إسلم ولد أباه

الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام ، وبها مع توحيد الله وإقامة الصلاة المفروضة يصبح الإنسان فردا من أفراد المسلمين بدليل قوله تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتو الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون " التوبة الآية (11). وهذا الركن من أركان الإسلام وإن كان يذكر دائما 

في باب العبادات باعتباره شقيق الصلاة فهو في الحقيقة جزء من نظام الإسلام المالي الاجتماعي ، ولذلك نجد كل أو جل من كتب من علماء المسلمين في النظام المالي الإسلامي جعله في مقدمة النظام المالي الإسلامي كأبي يوسف في كتاب الخراج والقاسم بن سلام في كتاب الأموال وغيرهما ، وإذا دل هذا الاعتناء على شيئ فإنما يدل ـ وبلاشك ـ على أهمية الزكاة في الإسلام ، ونظرا لأهمية الزكاة ككل اخترت أن اكتب هنا سطورا تنير الرأي العام وتبين زكاة المعادن في هذه الأيام التي هي حديث الساعة ، فمن المعلوم أن الثروة المعدنية في العصر الحديث ؛ تلك الثروة التي ركزها الله في الأرض وخلطها بترابها ، وهدى الإنسان إلى استخراجها بوسائل شتى حتى يصنعها ويميزها ذهبا أو فضة أو نحاسا أو قصديرا أو حديدا ...
فالمعدن في اللغة مأخوذ من الإقامة قال في القاموس عدن بالبلد يعدن ويعدن عدنا وعدونا أقام به ومنه جنات عدن إلى أن قال والمعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه.
وشرعا اسم لما خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقت ، ولا خلاف بين العلماء في أن المعادن ثلاثة أنواع:
- المعادن الصلبة وهي التي تذوب بالإذابة وتنطبع بالنار كالذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس ونحو ذلك ...
- المعادن الصلبة التي لا تذوب بالإذابة ولا تنطبع بالنار كالياقوت والبلور والعقيق ونحو ذلك ....
- المعادن المائعة كالنفط والغاز ونحو ذلك ...
فالمعادن أيا كانت لا يخرج فرد منها عن هذه القسمة الثلاثية ، سواء كانت من المعادن القديمة أو من المعادن التي ظهرت في هذا العصر ، وقد استدل العلماء بأدلة على وجوب الحق الشرعي في المعادن ، قال محمد الأمين الشنقيطي في الأضواء والنووي في المجموع : أجمع العلماء على وجوب حق شرعي في المعادن في الجملة لقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض "، ولما روى مالك عن ربيعة ابن عبد الرحمن أن رسول الله صل الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث معادن القبلية وهي من ناحية الفرع ، وقد اختلف العلماء في نوع المعدن الذي تجب فيه الزكاة فذهب مالك والشافعي والظاهرية إلى أنه لا تجب في شيئ من المعادن الزكاة إلا في الذهب والفضة فقط ، مستدلين بحديث " لا زكاة في حجر " ، وذهب الإمام أحمد إلى وجوب الزكاة في كل ما يستخرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ، أما الإمام أبو حنيفة فيرى أن ما ينطبع بالنار فيه حق واجب قياسا على الذهب والفضة ، أما السائلة أو الصلبة التي لا تنطبع بالنار فلا شيئ فيها.
أما مقدار ما يجب في المعدن من حق فقد ذهب الحنابلة والمالكية إلى أن قدر زكاة المعدن ربع العشر، إلا أن مالك مقلدنا رحمه الله تعالى فرق بين المعدن والندرة ، فأوجب في المعدن ربع العشر وأوجب في الندرة الخمس ، قال الدسوقي : وزكاته ربع عشره ؛ يعني المعدن ، وقال في المدونة: في المعادن ما نيل بعمل ففيه الزكاة إلا الندرة من المعادن ففيها الخمس. والندرة القطعة التي تندر من الذهب والورق وتوجد في المعادن من غير كبير عمل ، أما إذا كلف استخراجها كبير عمل ففيها الزكاة ؛ مستدلين بما روى أبو الزناد أن أباه حدثه أن عمر ابن عبد العزيز كان يأخذ من المعادن ربع العشر ، إلا أن تأتي ندرة فيكون فيها الخمس ، قال الشيخ خليل " وفي ندرته الخمس كالركاز " قال شارحه عليش هذا قول ابن القاسم ، وقال بن نافع في الندرة الزكاة ربع العشر لاختصاص الخمس بالركاز والندرة معدن لا ركاز ، وقال الباجي : اختلف قول مالك في المعدن الذي لا يتكلف فيه مؤنة ولا عمل فقال مرة فيه الزكاة وقال مرة فيه الخمس.
وقد اختلف العلماء في زكاة المعدن هل يشترط فيها النصاب أم لا ؛ فذهب مالك وأحمد والشافعي في المشهور عنه والظاهرية إلى اشتراط النصاب في زكاة المعادن ، وذهب الحنفية إلى أنه يجب الخمس في قليله وكثيره بناء على قولهم أن المعدن ركاز.
والنصاب عشرون دينارا والدينار وزنه اثنان وسبعون حبة من وسط الشعير ، قال العلامة الوالد أباه ولد انجبنان رحمه الله :
دينارنا الشرعي وزنه أتى ** مقداره من الشعير يا فتى
سبعون حبة مع اثنتان  ** من وسط الشعير خذ بياني
للدرهم الشرعي وزن قد ثبت ** خمسون مع خمسي لحبة أتت
أما وقت وجوب زكاته قال في المدونة إنما هو مثل الزرع إذا حصد كانت فيه الزكاة ولا ينتظر به شيئ إذا حصد قال وكذلك المعدن إذا خرج منه ما يبلغ أن يكون فيه الزكاة زكي مكانه ولم ينتظر حتى يحول عليه الحول.
قال خليل " وتعلق الوجوب بإخراجه أو تصفيته تردد" ، قال شارحه الدسوقي الأول للباجي واستظهر .
أما الركاز فهو قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض  واصطلاحا دفن الجاهلية ، ولا يخلو موضع الركاز من واحد من الأقسام التالية:
- أن يوجد في موات لم يسبق له أن يعمر فهذا فيه الخمس سواء وجد على ظهر الأرض  أو بطنها وباقيه لواجده.
- أن يجده الإنسان في ملكه المتنقل إليه ففيه قولان ؛ قيل لواجده وقيل للمالك قبله.
- أن يوجد في ملك مسلم أو ذمي فهو لصاحب الدار.
- أن يوجد في أرض الحرب فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لهم ، وإن قدر عليه واجده بنفسه فهو لواجده عند الحنابلة، وقال الباجي لا يخلو حاله من ثلاثة أضرب:
أ – أن تكون عليه علامة أهل الإسلام فهو لقطة.
ب – أن تكون عليه علامة أهل الجاهلية فهو الركاز وفيه الخمس.
ج – أن يجهل حاله ومفاد كلامه أن فيه الخمس.
مما تقدم فقدر الواجب في المعدن ربع العشر ويشترط لوجوب الزكاة في المعدن بلوغ النصاب ، ولا يشترط له الحول ، أما الركاز فيجب فيه الخمس قليله وكثيره كالندرة، وعليه يجب على كل مسلم رزقه الله في هذه الأيام ركازا أو ندرة أو معدنا أن يخرج منه حق الفقراء ، ومن لم يخرجه فعليه أن يستعد للعذاب الشديد الذي وعد به من يكنز الذهب والفضة ولا ينفقها في سبيل الله ، قال تعالي : " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم " وقوله صل الله عليه وسلم "من أتاه الله مالا ولم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك"فعلى الجميع أن يتقي الله.
والله الموفق.

23. أبريل 2016 - 20:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا