المساهمة في نهضة الأمة غاية كل مستثمر حاذق يرجو الدار الآخرة و يأمل الربح في دنياه و ليست حكرا على الأغنياء أصحاب الدثور فكثير من المستثمرين في ذا المجال لا يمكلون من المال إلا قوت يوم ربما بات أحدهم دون غذاء ولكن تربية و دعوة و تبيينَ شرع الله مهنة التزموها و حافظوا عليها دون رياء و لا سمعة و لا طلب جاه
و كفى المؤمن جاها أن يكون داعية إلى الله يقف أمام الناس معلما مذكرا بالآخرة و مبينا ما تشابه من الأحكام تاليا لكتاب الله في تدبر حين ينام أهل الدنيا و دعاتها و يغفل آخرون عن داعي الله
فهؤلاء يستحضرون معية الله و كفى و يثقون في وعد الله فينطلقون إلى منابرهم في كل الاوقات لا فرق بين ظلمة الليل و انبلاج صبح و حر ظهيرة كل الاوقات ساعة دوام، و من التفريط التفريط فيما تعين على الانسان عمله خاصة إذا أدرك التعويض و الربح الوفير الذي ينتظره ..
فخر لكل من كان ذا همه وغايته، هدفه حياة ترضي الله و قولا ارتضاه و حسنه إذا قال جل من قائل : " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين .. " و كفى تزكية للقول و للعمل بل و للانسان ذلك ..
فتتم السعادة بالحرص على كل ما يرضي الله و يساهم في نهضة أمة مكلومة مجروحة في بنيها و بناتها تدع لهم بالهداية و يدعون عليها بالتخلف و الضعف و الهوان و ما علم أولئك أن ضعفهم ضعف أمتهم و أن تقليدهم الأعمى للعدو و الخصم يزيدها انحطاطا و تخلفا كما يزيده قوة و سيطرة
فالهمة الهمة دعاة الاسلام فلم تضرب علينا الذلة و لا المسكنة " معاذ الله " فتلك على اليهود مضروبة إلى يوم القيامة كما قال الله تعالى : " ضربت عليهم الذلة و المسكنة "
فحياتكم مرهونة بحياة القلوب و القلوب بطبيعتها لا تستغني عن قول الحق و تبيينه و أحسن بيان للحق ما كان بالفعل الحسن و القول اللين
و إياكم و الانفصام فالدعوة كاملة مكتملة بأركانها و الدعاة ليسوا كغيرهم و قد شاء الله لهم التميز في القول و العمل و السلوك فلا يأتين الاسلام من قبلكم فتلك أمانة ثقلت على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها " شفقة منها " و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ..
من جديد يتميز الدعاة إلى الله في العمل و التضحية من أجل الدين والأمة ولا استغراب في الموضوع فهم ورثة الشرع و حملة الأمانة و كفاهم فخرا أن الله اختارهم لهذا المنهج ليبينوه للناس و يحتسبوا الاجر لديه ، فلا ينتظر الداعية الأجر عند الناس وقد تكفل المولى له بذلك .
و لا يمكن للداعية أن يسير و يبلغ هدفه و مراده إلا بوسائل تعينه و من تلك الوسائل ما هو معلوم مخدوم ومنها ما تناسته الذاكرة و قل من يفعله فعلاقة بعض الدعاة بالناس أصبحت علاقة ظرفية تبدأ بافتتاح الكلمة و تنتهي بالدعاء
و من تلك الوسائل المهجورة بعد الكلمة الطيبة التهادي فبه تزرع المحبة في القلوب، و من زرعت محبته في قلوب الناس يتأثرون قطعا بقوله و إن دعاهم إلى هدى كانوا إليه من السابقين و كفى بالحبيب صلى الله عليه وسلم خير مثال على ذلك فهو من جعل الله حبه في قلوب المؤمنين يزداد بمجرد ذكر اسمه او استحضار سنته و لا فخر فهو هادي البشرية و أعظم دعاتها و قد قال: " تهادوا تحابوا " فعلينا بهذا النهج الذي حث عليه النبي بأبي هو وأمي عليه الصلاة و السلام " بلا تبذير و لا تقتير "
و من الأساليب المجربة في ذا المجال و التي تكون نتيجتها ميل القلوب إلى الداعية أن يلتزم بالنصح و التزاور و أن يلاطف الصغار و أن يعيش هموم الناس بلا كلل و لا ملل فمن كان هذا طبعه سهل عليه إيصال صوته للناس غير مبحوح و من فعل ذلك نال إعجابهم و تقديرهم و تلك وسيلة الداعية لتحقيق هدفه الأسمى الذي بعث الله من أجلها الأنبياء و الرسل مبشرين و منذرين فهداية الناس غاية كل داعية مصلح يرجو الدار الآخرة بعلمه و عمله ..
تعليم الناس في المسجد : من أبرز ما يدفع المدعو إلى الاستماع و الانصات بسمعه و قلبه للمبين ( بكسر الياء و تشديدها ) اهتمام الأخير بتعليم الناس أمور دينهم و ما يحتاجون إليه في حياتهم سواء كان تعليما شرعيا : ( فقها او عقيدة أو ما له علاقة بهما من المسائل العينية و الكفائية ) أو حتى تعليمهم ما يفيدهم في تخصصاتهم و أمور دنياهم العادية ففعله ذلك يحتم عليهم الاستماع الجاد و الثقة المطلقة في الداعية فالداعية ذلك الانسان الذي يصاحب الناس في جميع أوقاتهم و يبين لهم ما يحتاجون إليه تعليما و مدارسة فإذا كان ذلك في المسجد تكون فائدته أعظم فبسكينة و استشعار عظمة مكان الصلاة يجد القلب راحة تمنعه من الاشغال بغير ما يتلى عليه و يبين له من الآيات و الأحكام .
فربط الناس بالمساجد من خلال الدروس العلمية يعيد للمسجد حياته و ماضيه و بتحقق ذلك المقصد تقطع الامة شوطا كبيرا في مرحلة العودة الميمونة إلى سالف عهدها ..
استحضار النية و عدم الملل : اهتمام الداعية بهداية المدعو و اقتناعه بأن الهداية توفيق من الله لا دخل له فيها فلا يمكنه أن يهدي أحب الخلق إليه ساعتها يهون عليه ما قد يشعر به من طول الزمان و عدم اكتراث الناس فليس عليه إلا أن يحاول جاهدا بنية خالصة لله مستحضرا قوله تعالى : " إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء " وقوله: " و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا "
الصلابة في الحق : فبرنامج الداعية إلى الله يدفعه لبذل جهد رباني و ذلك من أجل غاية عظيمة لا يقوم لها إلا من اتصف بصفات الأنبياء و اقتدى بالمرسلين واستعد لمصير الشهداء فليس بالإنسان الهين الذي يدور مع الرحى حيثما دارت فهو شخص تقوده المبادئ و تسوقه كذلك ، ماض في الحق مهما كان المصير فله في الأنبياء قدوة ، غايته أن تعم الهداية و أن يهدي الله من في الأرض ولو بعد حين فمهمة التبليغ تحتم مضايقة و أذى ضحيته من يتقدم الناس يأمرهم بأمر الله و ينهاهم عن نهيه : " لتبلون في أموالكم و أنفسكم و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور "
و خلاصة القول : أن على متعاطي الكأس أن ينكر على جلاسه فليس عليك أن تنتظر حتى تكون أعبد الناس لتحدث الناس عن العبادة و لا أتقى الناس لتحدثهم عن لذة الطاعة و مرارة المعصية و لا أعلمهم لتبين لهم أمور دينهم فالوسط الوسط : " فرب مبلغ أوعى من سامع "