من تأمل في الحضارة الغربية أدرك – إن كان يعقل – مدى سخف مبادئها، وقلة تقوى وفائدة أصحابها. ومما يؤسف له أن "دين القوي هو الذي يسود"، فقد وُجد في المسلمين من أصبحت مبادئ هؤلاء الضالين دينا له، يكاد يسجد لها من دون رب العالمين ! رمى بمبادئ ربه التي سطر له في كتابه العزيز،
وفي سنة نبيه الكريم، خلف ظهره، واتخذ من سنن الأبالسة أقراطا يتزين بها أمامهم..
ولا حاجة لتذكير العقلاء بمبادئ القوم الذين ينهبوننا حتى اليوم، فمنها:
1- الكفر: فأغلبهم ملحد لا يؤمن برب، وإن آمن فهو على غير دين الإسلام، يتهمه بأنه مكذوب، وكفى به ذنبا عند كل مسلم عاقل غير ديمقراطي، يحول بينه وبين إتباعه له.
2- الحرية المطلقة: وقد عرفوا أخيرا أنها مفسدة مطلقة، فبدؤوا في تجريم الزناة في بعض بلدانهم. فهذه الحرية تجعل للواحد منهم الحق في أذية الآخرين سواء بالزنا العلني (شواطئ العراة)، أو بالعربدة أو بسب مقدسات الآخرين، مثل محاولاتهم سن سنة سب الإسلام ونبيه في إعلامهم الفاجر كما سبوا المسيح. فرغم ادعائهم احترام الآخر والتحضر والعقل، لا يميزون بين النقد البناء والأذية، ومن أشد أنواع الأذية سب مقدسات الآخرين (ربهم، نبيهم...). فهل بعد هذا الغباء سخف وغباء ؟
3- ديمقراطيتهم الفاشلة التي آمن بها عجزة من المسلمين للأسف ! تلك الديمقراطية السخيفة التي يندر أن تجد مبدأ واحدا منها يوافق المنطق والعقل، إضافة إلى تعارضها مع الإسلام تعارضا جوهريا خطيرا لا يفطن له إلا من أنار الله بصيرته، وإليك الأدلة:
مثلا يقولون إن الحكم للشعب: هذا مستحيل، فلو صح لحمل إلينا التاريخ، ولو لمرة، قصة حكم الشعب نفسه بنفسه ! إضافة إلى تعارضه مع أسلوب الحكم في الإسلام، فمثلا لنفرض أن البرلمان دخله 51 بالمائة من الجهلة بالدين – وهم كثر، بل صاروا من المشاهير اليوم -، ألا يمكن سن قوانين تعارض الدين وتنسفه من الأساس ؟ ما الضمان لعدم وقوع ذلك ؟
لقد رأينا في تونس برلمانا يضع مسألة "حرية الردة" على طاولة التصويت، وقد نرى غدا برلمانا يضع مسألة "عدم رفع الأذان" على الطاولة !
من جهة أخرى ترى الديمقراطية تساوي بين الطفل المراهق ذو الثمانية عشر عاما مع الكهل ذو الثمانين (كلمتهما واحدة، والشاطر منهما من كان أكثر نفاقا وكذبا وسياسة) !
وتساوي بين المرأة والرجل ! والفاسق المدخن الطالح مع العدل المصلي الصالح .... إلخ، وهذا مما لا يُعقل لا منطقا ولا واقعا، ولكن الديمقراطية أم المتناقضات والشذوذ كما هو ظاهر..
أيضا لا يمكن أبدا تطبيق الحدود الشرعية في ظل الديمقراطية لأن القانون الغربي أحد أسسها رغم شؤمه على المسلمين، ولا أدل على ذلك من تكاثر عمليات الإغتصاب الحيوانية في هذه الأيام، وكل أنواع الجرائم التي تكفل الديمقراطية لمرتكبيها إستراحة قصيرة في مدرسة الإجرام الديمقراطي (السجن)، قبل أن يخرجوا وهم أكثر شرا وعدوانية.
ومن جهة أخرى تخلق الديمقراطية نوعا من الحشرات، عفوا أقصد المفكرين السخيفين الذين يرتكز تفكيرهم على حرية التعبير الفاجرة، والإعتماد على غير نصوص الخالق، فبالنسبة للواحد منهم، عليه أن يعبر عما بداخله من أمراض، وإن قاء على قرائه ما في عقله من سخافات !
فرأينا أفكارا مجرمة مبثوثة في الكتب، وارتكازا على العلوم الدنيوية وإهمال تام للعلوم الأخروية، ومن تدخل في الأخيرة تدخل من أجل الدك والإفساد، فتراه يتمسك بشبهات قديمة وضعها أهل الضلال من قبله حول المرأة وأسس الشريعة، يناقشها بعقول الكفار (ويسميه بعض الجهلة مجددا)، وربما احتج على رب العالمين في تشريعه القاطع للأيدي الراجم للزاني القاتل للمحارب ! ولا يحتج أبدا على قوانين أسياده لقداستهم وقداسة فجورهم عنده !
لقد سادت سنن هؤلاء الضالين لأنهم يحكمون العالم اليوم بالظلم والتدليس، لكن: إذا كان لأولئك الكفار الحق في البحث عن مصالحهم بكل الطرق التي يرون، وإن شذت، فلماذا يوافق العقلاء عليها، ويدافعون عنها ؟
لماذا وافقت دول العالم كلها على ميثاق الأمم المتحدة الذي يرسخ الظلم ممثلا في حق الفيتو الذي تتمتع به خمس دول دون بقية الدول ؟ هل لا زالت ترضخ للإستعمار ؟ إذا تم ظلم إحدى الدول الضعيفة، وهذا هو الواقع - فلا يظلم الناس أكثر من هذه الدول الخمسة صاحبة الفيتو - واحتجت أمام مجلس الأمن الإرهابي، ووقفت جميع دول العالم إلى جانبها، رفعت الدولة الظالمة الفيتو، واستمر الظلم رغم أعلام الدول المرفرفة في نيويورك ! ومثال ذلك الظلم الواقع على فلسطين.
لماذا يوافق العقلاء على قوانين سنتها شركات استعمارية ناهبة، تأتي إلى البلد الفقير التعيس المقمل الذي لا إمكانيات له ولا مفكرين ولا متدينين، وتعطيه 3 بالمائة من المستخرج من ثرواته مقابل الإستغلال التام على مدى عقد من الزمان، بحجة أنها تخاطر في البحث عن ذهبه أو بتروله، وبقاء بتروله وذهبه وثرواته خير له من التعاقد مع مثل هذه الشركات المجحفة، فهم يحسبون جيدا الكمية الموجودة من الثروة، ويعلمون أنهم سيمتصونها قبل نهاية العقد، فيسارعون إلى نهب الموجود ولا يتركوا إلا الفتات، وقد أكلوا بمثل هذا دول العالم، ومع هذا وافق على ذلك المتضررون، فلماذا؟
هل أصبحت قوانين هؤلاء اللصوص آيات تتلى لا يمكن تغييرها أو الإعتراض عليها حتى بيننا، فقط لأنهم دول كبرى أو يتبعون لدول كبرى أو لمسرحيات الشركات متعددة الجنسية ؟!
يا أخي لقد صورت الأفلام حوض إيمراجن في السبعينات، والناس يصطادون السمك بأيديهم من الشاطئ لكثرته، أما اليوم فالصيادون يحجون إلى عرض البحر ولا يعودون إلا بالقليل من الأسماك فما السبب ؟!
من المستحيل بالإمكانيات المتوفرة أن ينهي صيد أهل البلد المتواضع سمكه، ولكن التدخل الأجنبي ينهي أبوه..
أنظر إلى البترول، أين هو ؟ أين مردوده ؟ لا شيء، أنا متأكد من أنهم شربوه، ولم يعطوا للدولة غير تلك النسبة الضئيلة المشؤومة التي سنوها في قوانينهم المجحفة المفروضة بحجة أن مصادرها أهل التحضر والصناعة والتقنين، وغدا سيفعلون نفس الشيء مع الغاز إن وجدوه ؟
يا أخي لقد أخنا قانونهم الوضعي وأحللناه محل قانون رب العالمين، وأخذنا لغتهم وأحللناها محل لغة القرآن، وأخذنا لباسهم وأحللناه محل زينا التقليدي، وأخذنا أغانيهم وأفلامهم وحضارتهم كلها، فكيف نترك قوانين شركاتهم ودولهم ؟
يتحدث البعض اليوم عن بطولة للرئيس إذا قام بإلغاء تعاقد الدولة مع شركات التنقيب التي لم تحتمل منافسة بعض الشباب الطامع الباحث عن القشور في مناطقها الواسعة، حتى صار إلغاء مثل هذا التعاقد المجحف مستحيلا رغم قلة مردوديته على البلد !
وأنا على يقين من أن المتدينين بمبادئ الغرب التي شربتها نفوسهم المظلمة في الجامعات الغربية، سيجدون ألف مبرر ومبرر لتبرير مثل هذا الظلم كما برروا وقوع الفيتو وأمثاله، واعتبروه من السياسة الدولية المحتومة ! فعندما يجلس الواحد منهم – لا بارك الله فيه – في قناة أو إذاعة لن تسمع منه إلا لغة القوم وأفكارهم، إما داعيا إليها أو منافحا عنها، بحجة العلم بالسياسة والإقتصاد والتحليل.
الشباب يتضور جوعا من البطالة الغاشمة، والناس في حالة يرثى لها من الفقر والعوز، والدولة لا هم لها غير ترسيخ قوانين الغرب، وحماية المصالح الأجنبية الأنانية، فالشركات الغربية تنهبنا في كل مكان، في السهل والجبل والبحر، والدولة ساكتة متغافلة. وعندما يرغب بعض المواطنين في استخراج قشور الذهب يتم التضييق عليهم بالقوانين والدرك والدركات، بدل التسهيل لهم لأنها أرضهم وأرض آبائهم، هم أولى بها من شركات الأبالسة الأجنبية، ومن يتعدى في قوانينه على الضعفاء من أبنائه لا يستحق إلا أمثال هؤلاء الناهبين الذين لا تحيط قوانينه وإمكانياته المعدومة بحيلهم.
إن المتأمل لموجة التنقيب الطارئة يلاحظ أن إمكانيته رغم تواضعها غير ممكنة إلا للمقتدرين، سواء منهم أصحاب الملايين العديدة أو القليلة ممن أغلقوا حوانيتهم، واستخدموا آخر فلس من مدخراتهم، وصاروا عرضة للفقر الذي قد ينجم عن بحثهم الغير موفق عن الذهب.
أما غيرهم من الضعفاء، وهم غالبية الشعب فلا حظ لهم، لا في الذهب، ولا في الوظائف، ولا في الحياة الكريمة، ولا في أي شيء، ورغم ذلك تسارع الدولة إلى سن القوانين والضرائب التي تزعم أنها تخدم مصالحهم في الأخير.. بالمعنى الحرفي.