إن أي زيارة في شهر مايو الحار لمدينة النعمة العطشى لا يترتب عليها توفير المياه بشكل دائم في هذه المدينة العطشى لن تكون لها أي أهمية ولا أي جدوائية، فلا شيء في هذا الصيف الحار أهم من الماء بالنسبة لأهلنا في النعمة، ومن المؤكد بأن الرئيس لن يجلب معه ماءً خلال زيارته هذه، هذا
إذا ما استثنينا بعض صهاريج الماء التي ستظهر فجأة خلال أيام الزيارة، والتي ستختفي فجأة من بعد اكتمال الزيارة مثلما ظهرت، ولن يبقى لتلك الصهاريج من أثر بعد اللحظات الأولى التي سيتأكد فيها خروج طائرة الرئيس من المجال الجوي لولاية الحوض الشرقي.
لن تظهر تلك الصهاريج إلا مع زيارة أخرى، وإن في ذلك لكثير من الاستهزاء بأهلنا في مدينة النعمة العطشى.
صحيحٌ أن الرئيس سيسمع خلال زيارته هذه ـ وكما سمع في زيارات أخرى ـ الكثير من عبارات الترحيب والثناء، ولكن ذلك الترحيب سيختم بنقد لاذع.
ستتكرر على مسامع الرئيس عبارات من نوع: لقد حققتم في سنواتكم السبع إنجازات كبرى، ولقد حققتم في هذه السنوات ما عجز كل الرؤساء عن تحقيقه خلال الخمسين سنة ماضية. هذه العبارات التي ستتكرر بصيغ مختلفة على مسامع الرئيس ستختم أيضا بخواتم مختلفة من قبيل: ولكننا يا سيادة الرئيس نعاني من العطش..ولكننا يا سيادة الرئيس نعاني من غياب الصحة ..ولكننا يا سيادة الرئيس نعاني من غياب التعليم..ولكننا يا سيادة الرئيس نعاني من غياب فرص العمل لشبابنا، ولكم أن تتخيلوا حجم الانجازات الكبرى التي تحققت في السنوات الماضية في مدينة النعمة، تلكم المدينة التي ما زالت ـ وعلى الرغم من كل تلك الانجازات الكبرى ـ مدينة عطشى، بلا رعاية صحية، بلا تعليم، وبلا مشاريع قادرة على خلق فرص عمل لأبنائها الذين يعانون من البطالة.
إن الذي سيتحدث عن انجازات عظمى ثم يختم حديثه بالعطش الذي تعاني منه مدينة النعمة، إنما يسخر من الرئيس، فعن أي انجازات يمكن أن نتحدث والمدينة ما تزال تعاني من العطش؟
وإن الذي سيتحدث عن انجازات عظمى ثم يختم حديثه بتردي الخدمات الصحية في مدينة النعمة، إنما يسخر من الرئيس، فعن أي انجازات يمكن أن نتحدث وقطاع الصحة في المدينة في أسفل درجات التردي؟
وإن الذي سيتحدث عن انجازات عظمى ثم يختم حديثه بانهيار التعليم في مدينة النعمة، إنما يسخر من الرئيس، فعن أي انجازات في هذه المدينة يمكن أن نتحدث والتعليم فيها منهار؟
إن كل الذين سيتحدثون عن إنجازات عظمى، وعن قفزات نوعية تحققت في مدينة النعمة في العهد الحالي، ثم يختمون حديثهم بغياب أساسيات الحياة من ماء وصحة وتعليم وتشغيل، إنما يسخرون من الرئيس، قصدوا ذلك أم لم يقصدوه. وإن الرئيس الذي يقرر زيارة مدينة النعمة في شهر مايو الحار ثم لا يأتي معه بماء، إنما يسخر هو أيضا من أهلنا في النعمة، حتى وإن أتاهم بما يتمناه الناس في أيامنا هذه، أي برخص وأجهزة التنقيب عن الذهب، وبالمناسبة فإني لازلت على قناعة بأن قصة التنقيب عن الذهب سيكون لها ما بعدها، وبأنها ستجلب للنظام القائم مشاكل جمة في قادم الأيام.
فليسخر الرئيس من أهلنا في النعمة، وليسخروا هم من الرئيس، ولتكن سخرية بسخرية، والبادئ هو الأظلم.
لقد تعودنا على مثل هذه السخرية في الزيارات الماضية، ولذلك فإننا لن نتوقف في هذا المقال عند تلك السخرية، وإنما سنتوقف عند جديد هذه الزيارة، ولعل الجديد فيها هو أن الوزير الأول الحالي والسابق قد نقلا صراعاتهما من العاصمة نواكشوط إلى مدينة النعمة، تماما مثلما فعل رئيسا الحزب الحاكم: الحالي والسابق.
لقد طال أمر هذه الصراعات التي لم تحسم، والتي لم نعرف ـ وإلى حد الآن ـ من هو المنتصر فيها ومن هو المهزوم؟ فنحن كل ما توقعنا قرب رفع الوزير الأول السابق للراية البيضاء بعد هزيمة نكراء فإذا به يدخل حلبة الصراع من جديد وبروح معنوية جديدة، لا نعرف من أين جاء بها؟ لقد توقعنا ذات مرة استسلام الوزير الأول السابق، وذلك بعد أن سحب منه الرئيس "خدعة الحوار" وسلمها للوزير الأول الحالي، ولكن على الرغم من ذلك فإن الوزير الأول السابق لم يستسلم، بل على العكس من ذلك، فقد تمكن من أن يستعيد من جديد ملف "خدعة الحوار". نفس الشيء تكرر خلال التحضير للزيارة الحالية، فبعد أن توقعنا بأن الوزير الأول السابق قد أبعد تماما من ملف التحضير لهذه الزيارة، فإذا به يفاجئنا باجتماعات في منزله، وهي الاجتماعات التي كان قد استضاف فيها عددا كبيرا من أطر الولايات الشرقية.
لقد طال هذا الصراع السخيف أكثر من اللازم، ولذلك فإني أقترح لحسمه تغيير البرنامج الغامض لزيارة الرئيس، وإبداله ببرنامج للمصارعة بين قادة الموالاة، ولا يحتاج هذا الأمر إلا لتعديلات بسيطة على منصة المهرجان لتتحول من منصة مهرجان إلى حلبة للصراع، وبعد أن تكتمل التعديلات يتم حشر الناس ضحى لكي يتفرجوا على التصفيات التي ستنظم بين رئيس الحزب الحاكم الحالي والسابق من جهة، وبين الوزير الأول السابق والحالي من جهة أخرى، على أن يتم تنظيم تصفيات نهائية بين الفائز في تصفيات الحزب الحاكم، والفائز في تصفيات الوزارة الأولى. وفي نهاية هذه البطولة يتم تتويج الفائز الأول بمنحه كل صلاحيات الوزير الأول ورئيس الحاكم، على أن يترك الثلاثة الذين لم يحالفهم الحظ في مدينة النعمة ليقضوا فيها موسم الصيف كاملا.
لا شيء يمكن أن يتحقق لأهلنا في النعمة من خلال هذه الزيارة ما دامت لن تأتي بماء، ولا بصحة، ولا بتعليم، ولا بتشغيل، ولذلك فمن الأفضل أن يتم تحويلها إلى مناسبة لتسلية أهلنا في النعمة من خلال تنظيم بطولة صيفية في المصارعة بين "نجوم الموالاة".
على الصعيد الوطني، فإنه يمكن لهذه الزيارة أن تحقق شيئا مذكورا، ولكن بشرط أن يعلن الرئيس خلالها بأنه سيحول ما تبقى من مأموريته الثانية إلى مرحلة انتقالية، أو يعلن بأنه قد قرر أن يخفض أسعار المحروقات بنسب هامة، أو يعلن بأنه قد قرر أن يراجع الاتفاق المجحف مع شركة "تازيازت".
حفظ الله موريتانيا..