القوة الناعمة الظالمة؟ / محمد فؤاد براده

في إحدى شارداتي تساءلت بطريقة عفوية عن القوة الناعمة، فإذا بي أقع صدفة على كتاب جوزيف ناي الذي كان يشغل منصب مساعد وزير الدفاع في حكومة بيل كلينتون و رئيس مجلس المخابرات الوطني الأمريكي.
باختصار يهتم الكتاب بكيفية السيطرة على الشعوب بواسطة بث الموروث الثقافي الأمريكي بطرائق عدة من ضمنها الأفلام و الأطعمة والرقص وقيم العدالة،

 إلا أن هذا الموروث يحتم التكيف مع الظرفية.
و لهذا السبب يجب دعم البعثات الثقافية و تدريس النخب و ذلك من أجل شغلهم لمناصب تمكنهم من التأثير على سياسات بلدانهم، إذ أنهم هم وحدهم القادرون على استيعاب بلاد المهجر.
و يقول ناي" إذا كانت اللعبة هي البوكر فإنك قد تخسر (...) إذا استعملت أوراقك الرابحة بطريقة سيئة، إن امتلاك موارد القوة لا يضمن أنك ستحصل دائما على ما تريد، فقد كانت الولايات المتحدة أقوى من فيتنام بكثير في مجال الموارد و مع ذلك فقد خسرت الحرب "، و يتابع ناي في مقطع آخر قائلا "إن الناس جميعا يعرفون القوة الصلبة و كلنا نعلم أن الجبروت العسكري و الاقتصادي غالبا ما يجعل الآخرين يغيرون مواقفهم، و يمكن أن تتركز القوة الصلبة على المغريات )" الجزرات"( أو على التهديدات )" العصي"( ولكنك تستطيع أحيانا أن تحصل على النتائج دون أي تهديدات ملموسة أو رشاوي، و الطريقة غير المباشرة للحصول على ما تريد تسمى أحيانا الوجه الثاني (...) ، إن إحدى طرق التفكير في الفرق بين القوة الصلبة و الناعمة هي النظر في الطرق المختلفة التي تستطيع بها الحصول على النتائج التي تريدها. فأنت تستطيع أن تأمرني أن أغير تفضيلاتي و أفعل ما تريده بأن تهددني بالقوة و العقوبات الاقتصادية،و تستطيع أن تغريني بعمل ما تريده باستخدام قوتك الاقتصادية بدفع المال لي ، و تستطيع أن تحد من تفضيلاتي بوضع جدول أعمال تجعل متابعة رغباتي المسرفة تبدو أمرا غير واقعي أو تستطيع أن  تتوصل إلى شعوري بالانجذاب أو المحبة أو الواجب في علاقاتنا و تتوصل إلى قيمنا و اهدافنا المشتركة. " ( القوة الناعمة، جوزيف ناي، ترجمة محمد توفيق البجيرت SOFT POWER , JOSEPH S.NYE )
و باختصار يمكن لشخص ما أن  يقرر سلوكي من خلال جاذبية يمكن ملاحظتها و لكنها غير ملموسة، وهو ما يطلق عليه "القوة الناعمة"، التي تكون شغالة، حيث أنها تخدم قوة أخرى من العمل، فهي ليست قوة القهر ولا المال، إذ أنها تولد نوعا من الانجذاب الخفي. 
و السؤال الذي يتبادر إلى الذهن إذن هو ما إذا كان استخدام القوة الناعمة ما هو إلا استخداما ظالما و كيف؟
و من هنا يتولد شعور يمكن أن يوصف أنه نابع من اللاشعور و هو كالتالي : إن استخدم من هو ناعم هذه القوة فما هي حينئذ ردة الفعل ؟
في هذا النسق ينبع غالبا استخدام هذه القوة بموجب تفاعلات اجتماعية و ثقافية مكونة شخصية المستخدم، الشيء الذي قد يؤدي به إلى تقوقع لاشعوري تحت طائلة مفهوم ضيق للسلطة قد لا يتعدى كونه أداة لإفرازات و تجاوزات تخدم كل شخص يتحكم في هرم سلطة ما، و يصبح محيطه هو منبع هذه السلطة، فاختيار المحيط الضيق لمستخدم السلطة قد يكون هو السلطة التي تتحكم بأعتى مقومات السلطة الناعمة لتصبح  في هذا الاطار القوة الصلبة.
و قد يكون في هذا المحيط نواة، شخصا ما، يحدد توجهات تلك القوة و إن كان مقرونا بتمكنه بمعرفة الأشياء كلها سيجعل صاحب هذه السلطة أداة تميل حيث يميل.
من هذا المنطلق تتولد فكرة فرق تسد
و عندما تصبح القوة و إن كانت ناعمة قوة صلبة و استبدادية لا تخدم إلا النظرة الفردية للأشياء ، وعليه يتحول المـُـطالب في منظور هذه المنظومة صاحب باطل و المدافع عن حقه ظالما، عندها يسلب الشخص من أهم مميزاته الإنسانية و هي الدفاع عن الحق لأن الحق أصبح ملتبسا بالباطل في منظومة لا يمكن أن تفصل بين الحق و الباطل ،و إن كانت في الظاهر تدافع بنعومة يعجز كل من هو ذكوري عن فهمها.
و من المنطلق ذاته تتولد من الاستخدام النسوي للسلطة استخدامات ناعمة في إطار صلب، فكيف للرجل أن يفهم هذه النعومة التي تستند على عامل التجاذب الذي يجعل من المرء يتبع ما يريده الآخر وذلك بطريقة لا شعورية تولد لديه أن حقه مصان في منظومة ضيقة قد تتوسع إلى ما هو أكبر و أكثر تشعبا.

3. مايو 2016 - 8:27

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا