للإصلاح كلمة تتعلق بذكرى إحراق الكتب الفقهية / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح التي نكتبها دائما لم أفكر أبدا في كتابتها في قضية حرق تـلك الكتب الفقهية لأن قضية ذلك الإحراق عندما حصل لم أجد أي طريق تفكير نسـند إليه سبب ذلك الإحراق لأن الفاعلين له قطعا مسلمين وليس المانع عندي هو الإسلام فقط ، لأنه في تاريخ الإسلام وقع كثير من حرق الكتب من طرف 

المسلمين الذين لا يروق لهم ما فيها، فقد حرق أهل الصوفية كثرا من كتب ابن تيمية ، وجاء على أهل الأندلس زمانا لم يحرقوا فيه الكتب غير المالكية ولكن أصدر أمير الدولة آنذاك مرسوما أنه لا يوظف أي موظف في الشؤون الدينية إلا إذا كان على مذهب مالك .
بل إن غرابة قضية حرق الكتب في نظري هو أن المشرفين على ذلك الحرق مثـقفون إسلاميا ويدركون مضامين الإسلام وتطور تاريخه ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم زكى من الإسلام القرون الثلاثة الأولى فقط وبقـيت القرون الأخرى اجتهاداتها منها ما يؤخذ ومنها ما يرد .
ولاشك أنهم يجيدون معرفة أن الاسترقاق كان موجودا في الجاهلية بأبشع أنواعه وأنه عندما ما جاء الإسلام جفف جميع روافد الاسترقاق ولم يترك منها إلا رافدا واحدا هو الذي شرعه ونزل القرآن بأحكامه وبـينها قول وفعل وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم أحسن تبـيـين ومع أنه الرافد الوحيد أنزل فيه من الآيات المحكمات وأنواع من الترغيب المتنوعة في التخلص منه.
كل هذا يعرفه أولئـك المسلمون الذين أشرفوا على حرق تلك الكتب ، ومن المعروف أن تـلك الكـتـب المحرقة لم تـتـكلم أبدا إلا على أحكام ذلك الاسترقاق الذي أباحه الإسلام ونزل القرآن بأحكامه فلم يضيفوا أي استرقاق جديد .
والآن وبعد أن استوى الجميع تقريبا في معرفة قضية الاسترقاق وكاد أن يجمع الجميع فيه على قضيتين : الأولى أن الإسلام قد أباح نوعا واحدا من الاسترقاق واتبعه بكثير من الآيات والأحاديث للتخلص منه .
ثانيا : أن ما كان منه موجودا في موريتانيا لا يمت بصلة إلى النوع الذي أباحه الإسلام، فإني قد عزمت على أن أكتب كلمة الإصلاح هذه المرة في هذا الموضوع ، بل إني أفتخر بهذه المناسبة بتوفيق الله لي وأحمده وأشكره على ذلك التوفيق ليزيدني فيه على أني أنا هو أول من تـكلم على قضية الاسترقاق في موريتانيا وأظهرت بدون مساعدة أي أحد بعده من الاسترقاق الشرعي .
فقد سبقني العلامة الفقيه محمد فاضل بن محمد الأمين في الكتابة في قضية الاسترقاق في الجاهلية والاسترقاق الشرعي بدون أن يذكر الاسترقاق الموريتاني .
أما أنا فقد قمت في هذا الصدد بمرحلتين : الأولى عندما تفضل علي المولى عز وجل بالخروج من موريتانيا لنقرأ خارجها البيئة الإسلامية كما أنزلت ونغسل قلبي بعد موريتانيا من البيئة الموريتانية التي أختـلط فيها الإسلام مزجيا بالإسلام الخالص متجسدا في نصوصه  والإسلام المنسوج معه والمحدث في القرون الأخيرة بعد القرون المزكاة ومزج بالإسلام مزجا عضويا .
فـقبل أن تصدر الدولة أي مرسوم يلغي الاسترقاق سنة 83 وبعد رجوعي مباشرة إلى موريتانيا سنة 1969 استدعيت فورا ما كان عندي من الأرقاء وهو قليل جدا ولله الحمد وقـلت لهما من الآن فصاعدا لا ملك لي عليكم ولا ملك لكم علي ، فبما أني أنا وأنتم في الآخرة كلانا يجادل عن نفسه فكذلك علينا في الدنيا كلنا أن يحطب لنفسه كيف يعيش ونبقي إخوة  في الدين والقرابة والجار والقبـيلة والتكافل الاجتماعي والولاء .
ويلاحظ هنا أني لم أقـل لهم أنا أعـتـقـتكم أو أنتم أحرارا من الآن لأني جئـت وأنا لا أومن بملكية سابقة لي عليهم حتى أحررهم فهم كانوا أحرارا في نظري وفي عقيدتي .
أما بعد أن أصدرت الحكومة في عهد الرئيس هيدالة جزاه الله خيرا المرسوم المتعلق بإلغاء الرق فقد كنت حينـئذ في روصو مسؤول عن الأمن العمومي فيه فعلمنا أن كثيرا من الشيوخ في المدينة يقولون إن الدولة حذفت آيات من المصحف ، فعندئذ أخبرت الوالي آنذاك بأني أريد أن أعمل محاضرة فقهية في الموضوع ، وأني سنستدعى لها جميع المشائخ المعترضين على الموضوع ، وفعلا ألقيت تـلك المحاضرة بين أولئك الشيوخ ولم نـتكلم فيها إلا في الفقه الإسلامي المالكي حتى أوضحت لهم شرعية ذلك المرسوم ولم يتـكلم أي واحد منهم إلا بقوله هذا لم نطلع عليه قبـل الآن .
أما بعد ذلك المرسوم وتلك المحاضرة فقد جسدت تلك المحاضرة وجمعتها مع معلومات أخرى في قضية الرق وأصدرت بذلك كتابا صغيرا سميته " معالم التحقيق في شرعية إلغاء الدولة لمسألة الرقيق " ،
ومكثت في عمل الأمن العمومي أنا المسؤول فيه في أغلب ولايات الوطن مدة 28 سنة  وكانت أمنيتي الوحيدة أن تأتني  أي شكاية من قريب لميت يريد أسياده المزعومين إرثه دون أقاربه لنبين لهم بالفقه أن ذلك أكل أموال اليتامى المنصوص عليه في القرآن .
أما الكتاب فقد بنيـته على ثلاث أسئـلة وهي : 
أولا : ما هي حقيقة الرق في الإسلام .
ثانيا : هل تنطبق تلك الحقيقة على ما كان منه موجودا في موريتانيا .
ثالثا : هل يجوز للسلطة العمومية الإسلامية إلغاء الرق في الدولة.
وعلى كل حال فهذا الكتيب موجود في المكاتب وفيه من تفاصيل خبر الرق الذي أباحه الإسلام والذي من أنكره أصلا يصبح تحت طائلة إنكار ما علم من الدين بالضرورة، فمن يرد أن يطلع على قضية حقيقة الرق في الإسلام بدون البحث عن لون أو سياسة أو أي هدف آخر فليقرأ ذلك الكتاب وقراءته أكثر منها نصف ساعة إلا أن جمع موضوعاته لابد له من الفراغ للبحث ولو عدة أيام .
وأذكر هنا للعلم أن هذه الفكرة المنتجة لهذا الكتاب والعقيدة التي فيه سبقت كل المسميات الموجودة الآن لتدافع عن الاسترقاق سواء نجدة العبيد أو ميثاق لحراطين أو إيرا أو غير ذلك ، إلا أني هنا استدرك وأصرح بأن منظمة " أخوك الحر" التي نشأت مبكرا مع الحركات الأخرى هي التي بدأت هذا الموضوع بداية نظيفة لا تشوبها أي شائبة أخرى فقد ولدت ميلادا طبيعيا من رحم الموريتانيين الباحثين عن الحرية لما كان مسترفا والحرية فقط حتى أنهم منخرطين في الحركات الأخرى من بني جلدتهم مع تمسكهم بالمطالبة بحق الجميع في الحرية .
ومن هنا سأعود بعد ما بررت الكتابة في الموضوع وهي اقتـناع المجتمع وقبوله للمناقشة أو للاستماع للآخر لأوضح وجه الاستغراب في قضية ذلك الحرق للكتب الفقهية .
فمن المعلوم أن أكـثر الكتب التي استهدفت بالحرق هي: متن خليل وشراحه مثـل: الدرديري والدسوقي إلى آخره .
وخليل قال في مقدمته أنه مبينا لما به الفتوى في مذهب مالك بمعنى أنه هو لا يأتي بشيء من عنده ومالك من تابع التابعين ولم يخرج أبدا من المدينة المنورة .
فهو بين مذهب مالك في النكاح الصحيح منه والباطل وكذلك البيوعات الصحيحة منها والباطلة وكذلك أحكام اليمين والتركة الخ ولم يذكر في قضية الرق إلا أحكامه عندما يكون مشروعا ولا يكون مشروعا إلا إذا كان طبقا لما أباحه الإسلام .
فأحكام الرق بينها القرآن دون النص على ‘نشاءه ولكن النص على إباحته بينه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الآتي.
فنزل في القرآن أحكام الرق الشرعي فالله يقول (( ولا تنكحوا المشركات حتى يومن ولأمة مومنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يومنوا ولعبد مومن خير من مشرك ولو أعجبكم )) ويقول تعالى (( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : إخوانكم خولكم ملكهم الله إياكم ولو شاء الملكهم إياكم أنفقوهم من ما تـنفقون الخ الحديث .
هذا القرآن الذي نزل في أحكام الرق وهذا الحديث الذي تكلمت على مضمونه تلك الكتب المحروقة وشرحوا أحكامه كما شرحوا أحكام البيع الحلال وشرحوا أحكام الربا المحرم الذي مثـل البيع الخ .
أيظن أي عاقل أن هذه الأحكام تعنى الأرقاء في موريتانيا أو تعني أرقاء لون عن لون .
ومن المفارقات المضحكة التي تقتضي التعجب أن المؤلفين لتلك الكتب المحروقة لا يعرفون الأرقاء السود فالقرآن نزل في الجزيرة العربية والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز الجزيرة العربية وأطراف الشام والحروب الجهادية الشرعية لم تتجاوز الشعوب البيضاء وجميع الأرقاء كانت بشرتهم بيضاء لأنهم إما عربا أو يهودا أو أربيين .
ولذا فالدرديري والدسوقي المصرين المحروقين كتبوا عند قول خليل في الحنث ثم بعرق قولي أن من حلف ليعتقن عبدا لا يبرأ يمينه إلا إذا أعتق عبدا أبيض مثل من حلف أن لا يلبس ثوبا ولا يركب دابة لا يبر يمينه إلا إذا لبس قميصا أو ركب حمارا لأن العبد والثوب والدابة لا تقال في عرفهم إلا لعبد أبيض أو قميصا أو حمارا وهذا العرف كتبته أنا في كتاب معالم التحقيق المذكور أعلاه .
فالاسترقاق الذي كان موجودا في موريتانيا هو امتداد للاسترقاق الذي كان ومازال موجودا في افريقيا السوداء مثـل غينيا وانكولا وافريقيا الوسطى الخ ، إلا أن المسلمين في هذه الدول أضافوه للإسلام وحاولوا أن يلبسوه أحكام الإسلام إلا أن المتأمل في الحياة والبيئة التي كانت سائدة في موريتانيا فسيجد أن اسم الإسلام يعمها جميعا ولكن أوامر الإسلام وسلوك الإسلام قـليل من يلتزم بها كما هي .
فإننا نعلم جميعا أن موريتانيا كانت فيها شبه عبودية أخرى بعضها باسم الدين وبعضها باسم السطو والغلبة فأين قول في الإسلام يقول : إن من شفع في أي أحد  أو قبيلة يكون له عليه  غرامة إلى يوم القيامة والإسلام يحرم الأكل بالشفاعة أو بالدين .
وعلى كل حال فإن محرقة الكتب كان يجب أن تكون ذكراها تحيا بالرجوع عنها والاعتذار عن فكرتها لأهل الفكر الإسلامي لأن موضوع الرق في واد والرق في موريتانيا في واد آخر .
فمن أنكر الرق الإسلامي الشرعي الذي كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قائلا إنه استرقاق الإنسان لأخيه الإنسان فهذا لا يمكن أن يصدر من مسلم .
فالإنسان خلقه الله منه كافر ومنه مسلم ومنه سعيد ومنه شقي كما قال الله تبارك وتعالى .
والكافر أفضل منه البهيمة كما قال تعالى (( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إنهم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )) فالأنعام تباع وتشترى والكافر المأسور يقاتـل المسلمين يباع ويشترى وهذا وحده هو الرق الشرعي و99% مما وقع عليه هذا الرق هو من اللون الأبيض . 
أما قضية أن هناك لون كان مسترقا للون آخر فإن من يتكلم بذلك فكل من عنده عقله واستمع إليه فسيدرك أن الألوان لا يترتب عليها استرقاق فاللون الأبيض أولا ليس طبقية واحدة في موريتانيا ولا من أصل واحد  و90% منه لا تملك رقيقا واحدا واللون الآخر 90% لم يسبق عليها رق بل هم سكان هذا البلد أصلا مثـل سكانه الأصليين البيض  وقـليل منهم يملك الأرقاء والتاريخ الواقع في الموضوع مازال منظورا وهؤلاء الألوان جميعا لغتهم وعاداتهم وثقافتهم وعلاقاتهم الاجتماعية واحدة .
والجميع متوحد توحيد الجسم كل عضو في مفصله وقبيلته إذا اشتكى من أي عضو تداعى له أهله وقبيلته بكل ما تملك .
وهنا يقول الله تبارك وتعالى (( يأيها الذين آمنوا اتقو الله حق تقاته ولا تمتن إلا وأنتم مسلمون   واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )) .  
فمن يرد محو الاسترقاق الذي كان موجودا وهو قطعا غير شرعي فليعمل عملا بسيطا ولا يحتاج إلى تشكـيل منظمات بل إن موريتانيا فيها أكثر من 50 مقاطعة ومركز فعلى الدولة أن تشكل في كل مقاطعة ومركزا لجنة للبحث عن الرق فيها وتتـكون هذه اللجنة من أسلاك الأمن فيها والقضاء والنشطين في الموضوع فأي استرقاق وجدوه أو أي شكاية من استرقاق وصلتهم يطبقون فيها القانون أحسن تطبـيق وهنا ((  كفى الله المؤمنين القتال ))  
  وأنا كنت دائما أرغب أن أصرح في بعض المواقع بهذه الأفكار التي أظنها خلاصة ما في هذا الدين الإسلامي الحنيف من قضية الاسترقاق ، إلا أن المواقع يظهر أنها عندها أسلوب مع المتـكلمين فيها غير متاحة لغيرهم .
وفي الأخير فإن من يعلم أن الله أنزل في القرآن قوله تعالى(( يوم تاتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون )) فسيدرك أن الإسلام ليس فيه استغلال الإنسان لأخيه الإنسان إلا ظلما وعدوانا وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون .
                          

3. مايو 2016 - 21:05

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا