الخطاب الرئاسي.. قمع للحريات ونسف للدستور / محمد الحافظ الغابد

ظهر الرئيس محمد ولد عبد العزيز في خطاب النعمة يوم أمس متماسكا وأريحيا أكثر من اللازم بخلاف خرجات اعلامية سابقة كان مرجل التوتر فيها يغلي داخل الرئيس ولكنه في حديث الثلاثاء مال أكثر لافتعال الدعابة ولم تغب عنه معاودة المزاج الحاد كلما تعلق الأمر

 بالمعارضة السياسية التي "أصدر بشأنها أحكاما" و"اتخذ بشأنها قرارات" كان ينبغي أن تكون كافية لإفاضة الكأس لو كان ساستنا وإعلامنا وكتابنا وكل ما يرمز للرفض فينا ما يزال ينبض ففي هذا الخطاب أبان الرئيس ولد عبد العزيز عن نوايا خطيرة وعن تسلطية وفردانية في اتخاذ القرار والسير بالقطيع أو "الرتل" نحو إرادته بشكل مخيف منافي للغة الخطاب السياسي الديمقراطي المنضبط.

ذبحة صدرية

حكم الرجل على مستقبل السلطة وجزم بأن المعارضة لن يكون لها فيها نصيب محيلا على إرادة الشعب في الظاهر وإن احتجن في الخفاء رغبته التي يريد أن يلبسها لحاف الإرادة الشعبية في أكثر من مجال.

اتضح أن وجود المعارضة وخطابها وأنشطتها النسائية والشبابية تشكل صداعا مزمنا وذبحة صدرية للرئيس الذي لم يهنأ طيلة السبع سنوات الماضية ولو بقليل من الرضى بتصرفاته وتسييره الذي اتسم بانفراد الإرادة والتحكم في كل شيئ وخنق كل القوى الوطنية التي يراها حجر عثرة في طريقه.

ومن الواضح من فلتات اللسان وسبق القلم في حديثه الطويل أنه وفي لنهجه الأول في القبضة القوية على كافة منافذ مصادر النفوذ والبقاء فلا مكان للرأي المخالف في هذه البلاد وبصورة ربما لم تكن متخيلة ولكن القاء نظرة سريعة على حصيلة السلوك المجسد على الأرض وما عبر عنه الخطاب من طموحات وتشبث بالقباء لعقود قادمة تعد أكبر مؤشر على أن حلم البعض بسيناريو الانتقال الديمقراطي حتى ولو كان مغشوشا في الجوهر على نحو معادلة (بوتن + مدفيدف) أو صيغة الوزير الأول ضمن نظام شبه برلماني تكون فيه صلاحيات واسعة للوزير الأول مع رئيس شكلي.. فكل هذه السيناريوهات حالمة على ضوء حديث الثلاثاء المطول .. وعلى من تداعبهم هذه الأضغاث أن يكفوا عن  الهذيان فالرئيس باق ولن يرحل إلا بانقلاب هذه سنة الحياة السياسية في البلاد والعباد والرجل قادر على تزييف ارادة الشعب المنهك لعقود وليس لمأمورية ثالثة أو رابعة بل لعقود متطاولة ولن يحقق التداول إلا مع نفسه أو أحد أبنائه في حال العجز.

نسف الدستور 
       
من الواضح أن الرئيس ولد عبد العزيز بدأ يمتلك الثقة في نفسه ليقدم نفسه كصاحب رؤية فكرية في البناء والتغيير السياسي والاجتماعي وهذا فصل جديد من جنون العظمة يلج إليه العسكري المحترف في اتقان الحيل والخداع والحربائية فضلا عن قدرة خطابية / خصامية هشة في مضمونها ومحتواها من الناحية الجوهرية إن لم تكن أقرب للسخف وضعف الملكة العقلية لكنها إذا ما زوقت وروج لها السياسيون وفتحت لها نوافذ الدعاية الإعلامية تُسوق وتُعقلن لكي تُعبر عن برنامج وخطاب وإلا فما أسخف فكرة الغاء مجلس الشيوخ والمجالس الولائية التي اعتبرت قمة عبقريات صاحب الفخامة!!.

الدساتير الموريتانية لم تمزق شر ممزق ولم تنتهك أكثر مما انتهكت في هذا العهد الذي لم يحكمه دستور بقدر ما حكمه رأي الفرد المتسلط ممثلا في شخص الرئيس الحالي فقد قامت اللجان العسكرية في الماضي خلال حقبة الثمانينيات بتعطيل الدستور بعد انقلاب العاشر من يوليو 1978 وحكمت بمواثيق سنتها للجان العسكرية وفي ذلك مستوى من احترام الدستور لأن هذه اللجان رأت أنها ليست دستورية فسمت دستورها "ميثاقا" وهذا اكثر احتراما ومصداقية مما قام به الانقلاب 2008 وكتائبه البرلمانية والقانونية والذي ركب جزئا من الحالة الدستورية التي تخدم مصلحته ممثلة في فصول الحريات والدور التشريعي للغرفتين على ميثاق المجلس الأعلى للدولة بينما قضم صلاحيات مؤسسة الرئاسة التي هي في النظام الدستوري المنتخب بمثابة الرأس من الجسد فانقلاب السادس من أغسطس مزق الدستور شر ممزق ولعب بإرادة الأمة التي هي أسمى من الدستور ممثلة آن ذاك في الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله مهما كانت التحفظات على الصيغة التي جاء بها ضمن تحالفات نقض غزلها الرئيس الحالي ..غير أنه لم يتذكر كل آثامه في قداس الثلثاء في النعمة ويراح يكيل لنفسه الفضائل وحماية الديمقراطية وعدم الرغبة في الرئاسة.

قمع اللافتات    

افتتح الرئيس "قداس النعمة" المتحنثة حشوده في محراب الولاء للمخزن بالقمع وكبت حرية التعبير .. فإزالة اللافتات بالقوة وبأمر من الرئيس قبل أن يلقي السلام على الجماهير والحشود ممارسة فعلية من السلطة للقمع وهو سلوك ينطوي على لؤم في الطبع .. لا شبيه له إلا جزاء سنمار .. فقد جاء المئات حاملين لافتاتهم التي كتبوها ومن احترامهم أن ينالوا حظهم "مما هو موجود من الديمقراطية" قياسا على "ما هو موجود من العدالة" في أول نصوص الرعونة الجنرالية.

إن هذه اللفتات هي تعبير من مئات المواطنين عن رأيهم ولا يجوز للرئيس ولا الجهة التي نظمت المهرجان أن تسحبها تحت الرغبة الشخصية للرئيس إنه التسلط الفردي ليس إلا فكيف يقوم الرئيس إذا كان ديمقراطيا حقا كما يدعي بالتسلط على اللافتات وهي تحتوي شعارات معبرة عن رأي فئة من الناس .. حتى من مؤيديه .. إننا بعد هذا السلوك لا يمكن أن نطمئن لوعود الرئيس بما سماه هو "الديمقراطية الحقيقية" وهي اشارة إلى نوع جديد من جنون العظمة فالرجل يتجه إلى اعادة تعريف كل شيئ طبقا لتصوراته الشخصية وهواه الذاتي بعيدا عن الدستور والقانون فالقانون في المستقبل حسب هذا النمط من التصرفات والأمزجة والسلوك لن تحدده النصوص بقدر ما ستحدده الحالة المزاجية لعسكري غاضب.

في حديث الثلثاء الرئاسي بالنعمة انكشاف للأجزاء أساسية من المسكوت عنه في ذهنية "الرئيس" "الجنرال".. جوانب عديدة تكشف مستوى تشبث الرجل بالسلطة وتصوره عن حكم البلاد في المستقبل والذي يبدوا أنه ليس محدودا بفترة زمنية ربما أعود لجزئيات من هذا الحديث لاحقا.  
     

4. مايو 2016 - 18:14

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا