كما هو دائما رئيس الجمهورية، بخطابه الصريح وبعفويته الصادقة وبصرامته المعهودة فيما يخدم الوطن يقدم خياراته الاستراتيجية لرسم ملامح مستقبل البلاد.
كان خطاب النعمة تاريخيا كما كانت خطابات الرئيس محمد ولد عبد العزيز تاريخية في أوج ما سمي حينها بالربيع العربي
وهو يرفض العبث الدموي باستقرار الشعب الموريتاني، تاريخيا في أصعب الظروف الصحية أمام بوابة الأليزيه وهو يعلن رفض موريتانيا المشاركة في الحرب الفرنسية على الشمال المالي، تاريخيا وهو يحل أزمة الإرث الإنساني ويصلي صلاة الغائب على أرواح ضحايا الفتنة، تاريخيا وهو ينشئ وكالة خاصة لمعالجة مخلفات الاسترقاق وتاريخيا وهو يعلن من الحي الساكن إلغاء أحزمة البؤس في نواكشوط ليوزع مائة ألف قطعة أرضية على الفقراء، تاريخيا وهو يدعم غذاء آلاف الأسر عبر برنامج أمل وهو يتكفل بجميع حصص التصفية لمرضى الكلى ويحول القصور إلى مستشفيات ويحول الموارد المهدرة في الفواتير الوهمية إلى علاوات ثابتة لجميع الموظفين...
أين هو التاريخ أيها السادة إذا لم يكن إعادة الاعتبار للهوية الإسلامية عبر طباعة المصحف الشريف وإنشاء إذاعة القرآن الكريم واكتتاب الأئمة؟ أين هو التاريخ إذا لم يكن ضبط الهوية الوطنية عن طريق نظام بيومتري؟ وتجهيز الجيش والقوات المسلحة لحماية الحوزة الترابية وطرد الإرهابيين والمهربين؟ أين هو التاريخ إذا لم يكن إرساء استقلالية مالية مكنت الدولة عبر محاربة الفساد وتبذير المال العام من مواجهة الهزات الاقتصادية العالمية وتوجيه الموارد نحو إنشاء آلاف الكيلومترات من الطرق المعبدة ومئات المدارس والمباني الخدمية؟ أين هو التاريخ إذا لم يكن تحرير الفضاء السمعي البصري وإطلاق الحريات السياسية بإشراف من لجنة مستقلة تشرف على الاستحقاقات الانتخابية؟ أين هو التاريخ إذا لم يكن تسنم الريادة الدبلوماسية في المحافل الإفريقية والعربية وقيادة الحوارات مع أوروبا والقارة الأمريكية؟...
دخل الرئيس محمد ولد عبد العزيز التاريخ دون استئذان من أحد، والتاريخ لا يرحم ولا يسجل على العواطف والحزازات.
كان للتاريخ هذه المرة موعد مع رئيس الجمهورية في النعمة تلك المدينة التي زادتها الحرارة صدقا وعرفت أفعال الرئيس طرقا معبدة وأنابيب تحمل المياه ومستشفيات قبل أن تسمع أقواله.
قال أمام جموع المواطنين "لن أكون عقبة أمام الديمقراطية الموريتانية"، تماما كما فعل حين قاد تغيير 2005 ومنع المجلس العسكري من مهزلة البطاقة الحيادية التي أرادها البعض حينذاك، وكما دعم بقوة انتخابات 2007، ونقول نحن ويقول الواقع إنه لن يفرط في المسئولية التاريخية في حماية استقرار البلد ووتيرة نموه ووحدة شعبه كما فعل يوم السادس من أغسطس 2008 .
انطلاقا من شرعيته الدستورية التي خوله تصويت أغلبية الموريتانيين في انتخابات حرة مرتين، وانطلاقا من شرعية الإنجازات الباهرة التي دخلت كل بيت موريتاني، وانطلاقا من التفاف أغلبية القوى الحية المدنية والعسكرية من النساء والشباب والمهمشين حوله، فإن الرجل يتقدم للطبقة السياسية بمقترح طالما طالبت به الأقلام والأفهام؛ لتعديل دستوري يحل غرفة مجلس الشيوخ التي كانت ترفا سياسيا، ويمنح صلاحيات جديدة لمجالس منتخبة في الولايات لمراقبة الخدمات والمشاريع بشكل لا مركزي يهدف لإشراك المواطنين في شئونهم المحلية.
إنها المقاربة العزيزية في تجاوز الوسطاء سماسرة الشعب وتقريب الخدمة من المواطنين، وهي المقاربة التي طالما أساء فهمها بعض زعماء المعارضة الذين لا يقيسون المصالح الوطنية إلا على حساباتهم الشخصية، ألم يقم هؤلاء الدنيا و لم يقعدوها حول أهم مشروع وهو سجل الوثائق المؤمنة؟ ألم يملأوا الدنيا ضجيجا حول محاربة الإرهاب واتهموا وطنهم بالعمالة والتواطؤ مع القاعدة؟ ألم يطلقوا منكرا من القول وزورا ضد صفقة مطار أم التونسي الذي شكل تمويله وتنفيذه إبداعا في تجاوز أوثان السوق العالمية التي يعبدون؟ ألم يشككوا في الحوار الأول الذي كانت نتائجه أهم مطالب المعارضة الموريتانية طيلة تاريخها المتعثر؟
مرة أخرى يفتح رئيس الجمهورية ذراعية للحوار حول كل شيء من موقع القوة ويدعو الجميع على مائدة هدفها هو المصلحة العليا لهذا الوطن، وحتى لا تضيع الفرصة على من فاتهم الحوار نقول للجميع إن من الغباء السياسي أن يظن أحد أن يتم رسم المشهد السياسي لمستقبل البلاد دون مشاركة فاعلة من الرجل الذي غير وجه موريتانيا خلال أقل من عقد من الزمان، كما أن من السذاجة بمكان أن نظن أن مكانة الرئيس محمد ولد عبد العزيز السياسية مرهونة بمنصب معين أو مأمورية انتخابية محددة بعد أن نال كل هذه الشرعية السياسية والاجتماعية والتاريخية.
و كما قال رئيس الجمهورية في النعمة ليس الحوار مصادرة على المطلوب، وليست الديمقراطية، حكم الشيوخ في مجتمع شاب، وليس الدستور مأمورية أواثنتين، وكل شيء قابل للنقاش إلا قطعيات الدين ووحدة الوطن واستقراره ومصالحه العليا، { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون }.