عمدة نواذيبو من جحيم الواقع الي غياهب السجن / جمال محمد الأمين

كانت ليلة هادئة ككل ليالي المؤامرات ، لا احد يشعر بشيء  أكثر من  طعم الانتصار الملفوف في ثنايا ورقة من الألمنيوم ، قادمة من البنك المركزي و المنطقة الحرة و صندوق الإيداع و التنمية و جيوب المتآمرين من أبناء المدينة الصابرة ، و حده محمد ولد معطل شعر بشي مثل المخاض ، يدفعه الي مبني قصر البلدية ،

لم يكن يحلم بهذه الولادة القيصرية التي ستجعل منه في صباح الغد عمدة لبلدية نواذيب عاصمة الشمال و لؤلؤة البحر حيث المال و التجارة و رائحة السمك و عفن السياسة و القمامة ، و علي الضفة الأخرى هدير و غيظ يملأ الأزقة ، رجال و نساء صودرت إرادتهم و فرضت عليه نتائج لا أحد يتوقعها حتى الصناديق نفسها كانت تشهد بزور تلك النتائج .
وحده القاسم ولد بلالي كان مشدودا بين الانجراف مع تيار الرفض و فرض الحقيقة بقوة الشعب الهادر تماما كالبحر ، و هو سبيل مضمون رغم المخاطر الكبرى التي يمكن أن نتجر عنه ، و بين تجرع الواقع و تهدئة السكان و حماية المدينة من الانهيار ، و حين استقر علي هذا الرأي لم يكن طريقه مفروشا بالورود ، فكان وحده من يتحمل مسؤولية التهدئة و إسكات الهدير الزاحف.
عادت المدينة إلى هدوئها المعتاد ، و بدأ العمدة الجديد في تفقد الجدران و النوافذ و السقوف في محاولة للتعالي علي البسطاء و تذكيرهم بوصوله إلى قصر البلدية ، و استمر في التسيير الأحادي للبلدية أكثر من سنتين ، أعاد فيها بناء ذاته المحطمة  و اشتري فيها ولاءات البعض و رد فيها الجميل لإسماعيل ولد الشيخ سيديا و جماعة أبي تلميت التى لا تريد للمدينة غير التردي و السقوط ، كان سخيا في كل ذلك ، لم يتنبه عمدتنا إلى رواتب العمال التى لم تصلهم منذ أكثر من سنة ، لم يفكر في تنمية البلدية بل لم يفكر في الخروج إلى الساكنة حتى يتقاسم معها مرارة البؤس و الحرمان.
لقد كان ارفع لشأنه أن يستقيل في سهرته الأولي مع ندمائه ، الذين ضحكوا عليه وان يستجيب للشعب فيصارحه ، بالعجز عن سياسته ، قبل فوات الأوان ، فبين مدينة نواذيب و بئر امغرين لا تسمع الأصوات بالصفاء الذي يجعل الناس يلتمسون لك العذر ، بل كانت المشادات و الأزمات التى مر بها المجلس البلدي كافية لتقرأ الرسالة علي مهل ،  فعشرة مستشارين من أصل 21 مستشارا و عامة الشعب لا يريدونك عمدة لهم ، فلماذا لا تستقيل ؟
كانت مداخلات النائب القاسم ولد بلالي عن الوضع المتأزم للبلدية و نُذر الانهيار كافية ، لتقرأ لك رسالة الإنذار ، و تنير لك الطريق ، لقد كانت ثورة في أروقة البرلمان ، حاولت كشف المستور في تسيير البلدية و الظلم الذي يعانيه السكان و خاصة عمال البلدية و شوارعها و أسواقها و أزقتها و مدارسها و مستشفياتها و حتي مقابرها ، كانت مؤامرة كبيرة ، ضد الولاية و سكانها .
لا عذر لك أيها العمدة المغامر فقد تتالت عليك النُذر ، ليتنهي بك الأمر في حالة اختلاس للمال العام ، لقد رحلت عن البلدية في سيارة للشرطة و تركت آلاف الأسر تتجرع مرارة الجوع بسبب التأخر في تسديد الرواتب التي كانت رافدهم للصحة  و التعليم و المعاش ، سيارتهم و هي تنخر بك عُباب المدينة حيث القمامة و انعدام الإنارة و سقوط المباني و انعدام الصيانة ، و كلها مسؤوليات البلدية و أنت تودعها .
سيدي العمدة سوف توفر لغيرك فرصة التروي قبل القبول بالقفز علي إرادة الشعوب ، سوف لن تكون مرتاحا و أنت تتجرع حبوب تزوير الانتخابات و تكميم الأفواه و استئجار الضمائر .
أما السكان فما أشبه ليلتهم بالبارحة فيوم أٌعلن ولد اميشين عمدة لبلدية نواذيب لم يلبث طويلا حتى أودع السجن بنفس التهمة (سرقة المال العام) , و شكل ذلك الحدث فراغا قانونيا و تنظيميا استدعي من رئيس الجمهورية آنذاك  أن يستنجد بالقاسم ولد بلالي لتسيير البلدية المنهكة بفعل سنوات الفساد و الاختلاس ، فكان كالترياق لمعالجة سم الأفاعي من أبناء المدينة الذين دفعوا بولد اميشين من إدارة أسكنا الي بلدية نواذيب ثم الي السجن ، ضحكوا عليه مثلما ضحكوا اليوم علي محمد ولد معطلل . فمتي ينتهي استيراد العٌمد و تعليبهم ، و الضحك عليهم و سجنهم ، أهو استهزاء و ازدراء للساكنة أو انتقام وتصفية حسابات مع العمدة المستورد ؟
و أيا كان فإرادة الساكنة لا تقهر و سوف تنتصر في نهاية المطاف ، ويعود صندوق الاقتراع للرقص و يعود الناخبون للتصفيق و يتقهقر المتآمرون مرة أخري خلف متاريس الفشل و الفضائح . فهل لهم من عودة ... لا أظن   

6. مايو 2016 - 7:29

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا