كلمة الإصلاح هذه المرة استمعت إلى خطاب السيد رئيس الجمهورية في النعمة وأرادت أن تعلق عليه تعليقا يناسب موضوعه.
فبعضه يستحق الإشادة والاعتراف بما جاء فيه من الحقائق وبعضه يستحق أن ينبه هو على أنه قاله بدون استشارة أي مستشار ولا مكلف بمهمة مع أن الناس تنظر وتستمع إليه جميعا
بل ظهر أنه لم يستطع أي مقرب إليه أن ينبهه عن ترك هذا النوع من الخطاب للموريتانيين .
وبما أن ما يؤخذ من الخطاب وما يرد تعاقبا في مكانهما على المنصة فأنا سوف أبادلهما الأدوار على الورقة .
أولا : فأول ما يؤخذ على هذا الخطاب أنه خطاب صادر من رئيس الجمهورية وكل أحد ينــتـظر أن يكون موجها لجميع الأمة كخطاب الأب لأولاده أو الرئيس لأمته أو الموجه المسلم بلغة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ما بال أقوام يفعلون كذا .
بل هو كاد أن يقول للمعارضة فلسوف تعلمون لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقي .
فالخطاب قسم موريتانيا إلى شعبين منفصلين تماما أحدهما يستحق الديمقراطية الخالصة ولآخر تسد دونه الأبواب فهو كذاب عاجز مرجف في المدينة عدو للوطن والمواطن ،كل هذه الألفاظ كان على مستشاريه ولا سيما الإسلاميين أن ينصحوه بأنه كما نزع عن جسده البزة العسكرية فعليه أن ينزع عن لسانه الألفاظ النابية المتعسكرة .
فالديمقراطية إما مأخوذة من الإسلام والإسلام يقول (( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاروهم في الأمر)) فمعنى الاستغفار لهم أنهم فعلوا ما يستوجب الاستغفار .
والمعارضة الإسلامية همها بعد وجوب طاعة الحاكم فيما هو مشروع خاصة وجوب النصح له في فعله في أي عمل أو قول غير مشروع والنصح معناه التـنبيه على الأخطاء .
وإما مأخوذة من أوربا فإن الرئيس في أروبا والموالين له لا يعملون بأن الدولة هي ملك خاص بهم بل خصوصيتهم في الدولة منحصرة في التسيير العام لسياسة الدولة تحت المراقبة التامة من المعارضة ، وما للموالاة الحق في القيام به وما للمعارضة التعرض له كل ذلك مقـنـن بالقانون لا يتجاوزه أحد منهم .
أما كون المواطن لا ينـتفع من الوظائف في الدولة إلا إذا كان مواليا للنظام ، فهذه ديمقراطية العالم الثالث لا يوجد منها إلا اسمها على الأوراق .
ثانيا: ما يرد كذلك من كلام الرئيس فهو قال مخاطبا المعارضة وشكواهم لفرنسا من تغيير الدستور (دستوركم من ماس) فلو كان معارضا بجنبه لقال( أنت قلت الآن بلسانك أنك سوف تمسه ) فتارة قلت إنك ستقوم باستفتاء وتارة قلت بالقطع أن مجلس الشيوخ انتهى .
ومعلوم أن تغيير الدستور لنزع الشيوخ منه يترتب عليه كثير من المس منه بل إن المساس منه قد يتدحرج حتى يصل إلى صلاحية الرئيس لنقلها إلى صلاحية الوزير الأول إلى آخر تلك العملية الجراحية الناجحة في استمرار السلطة التي لا يقفها إلا ملك الموت الذي لا يمكن حقا مس دستوره الذي يعمل عليه .
وهنا على المعارضة إذا كانت تخاف من جنس المأمورية الثالثة والرابعة أن تبادر إلى تحصين جميع مواد الدستور بأيمان مغلظة لا يمسها إلا المغتصبون لها جهارا نهارا .
ثالثا : هو قال في خطابه أن الأحزاب الحاكمة كانت قبله تنتهي بزوال الرئيس وتتطاير في الهواء كالريش ولم يذكر ما هي أداة بقاء (الاتحاد من أجل الجمهورية) متماسكا ولبناته هي أشد لبنات حكم سابق تنافرا حتى مازالوا تحت قبضة يده وال في الجمهورية للعهد بمعنى جمهورية " عزيز" .
فلو قدر للحي من الموريتانيين أن يرى الرئيس محمد عبد العزيز خارج الحكم يوما ما لرأى في نفس الوقت أتباعه يتنابزن معه بالألقاب وربما يلعن بعضهم بعضا وسيسمع من كثير منهم إذا طلب منه أي خدمة قوله لقد ذهب نور طمع المال عن طريق التعيين الذي كنا نراه على وجهك .
ومن هنا نتحول إلى ما يقبل ويستعذب من كلام رئيس الجمهورية في النعمة .
فهذا الرئيس قطعا أنقذ موريتانيا من اختفاء محقق كانت قبله على سرير الموت سنة 2005 فهي في مجمل وجودها كانت على شفا جرف هار فمال الدولة سواء من داخلها من الناتج الخام وسواء من المعونات والديونات والتبرعات كل ذلك كان دولة بين الأغنياء من الدولة ، والإدارة منحلة تلقائيا فأي شخص يحب أن يزور وثيقة فليفعل ومن أراد أن يدخل فليدخل ومن أراد أن يخرج فليخرج وهذه حقائق لا ينكرها إلا معاند .
فمثلا الضرائب كانت للموظفين فيها وليست للدولة والشرائك الحكومية من عند اسنيم إلى الكهرباء إلى الماء إلى آخره لمن يعمل فيها .
فالشركة التي كان رأس مالها المليارات والحوانيت التي كان رأس مالها أقل من الملايين ضريبتهما واحدة وأقل القليل من الجميع هو الذي يذهب إلى الخزينة العامة والجميع يعرف هذا ولكن لا سمع ولا قراءة لما يقال ويكتب .
وعندما جاء هذا الرجل وقبل أن ينزع بذلته العسكرية أطلق تهديداته على الفساد وتقلص هذا الفساد إلى أقصى حد وعندما نفذ بالفعل تهديداته وأوقف أكلة أموال الخزينة وقضى على تأجير الدولة للدور الذي كان تحويلا مبرمجا لخزينة الدولة إلى الحسابات الخاصة، وقام بضبط الحدود في أماكن خاصة وأصدر الحالة المدنية إلى آخره قطعا أن كل هذا حق وكل ما فعل فيه لم تثمنه المعارضة يوما ما إلا قليلا منها تارة يتكلم عنه على استحياء مثـل قطع العلاقات مع اسرائيل .
ومن ما يؤخذ من كلامه أيضا ويستعذب منه كثرة المشاريع التي انجزها والتي في طريقها إلى الانجاز فلو لم تكن الخزينة ملآ لما فكر أي أحد في أي مشروع .
فإذا كان وجد رجال أعمال في زمنه فأظن أن وجودهم كرجال أعمال قريب من الشرعية .
هذا ما أراني الله في هذه المقاطع من كلامه فأنا لست مواليا ولا معارضا وفي نفس الوقت موال لما أمر الله بموالاته ومعارض لما أمر الله بمعارضته ، ولذا فأني مرة أخرى أعود إلى ما يرد من كلامه
فهذا الرجل هو طبعا عسكري والعسكريون من صميم تعلمهم هو التخطيط للمعارك بكل الوسائل بأنواع الاستطلاعات ونصب الكمائن واليقظة الكاملة وتفقد صلاحية السلاح لجميع الاحتمالات ، هذا إذا كان يريد القائد الانتصار الفوري الكاسح على العدو .
أما إذا تعلم هذا وفاجأته المعركة بدون معرفة من أين جاء العدو وما هو سلاحه وكم عدده وكيف يقاوم إلى آخره فإنه في الحالة الأولى سينتصر وفي الحالة الثانية سيهزم ويولي الدبر وبعد ذلك فالساعة أدهى وأمر .
هذا الرجل العسكري انتصر في المعركة الأولى التي أعد لها الاعتداد الأول في قضيتين : الاقتصاد كما ذكرت أعلاه والأمن الخارجي ولكنه انهزم في قضيتين : الأمن الداخلي وانتفاع الفقراء في زمنه الذي مازال جاريا .
فالاقتصاد تقدم كما قلت وكل ما جاء في كلامه في النعمة فهو صحيح فحسن التسيـير والمحافظة على المال أتى أكله إجمالا في هذه السنين .
أما الأمن الخارجي فقد جيش الجيش وسلحه بأنواع الأسلحة الضاربة والمطاردة إلى آخره وما قال أن الأجانب يسألونه كيف ضبطتم الأمن ذلك كله يعنون به الأمن الخارجي .
أما الأمن الداخلي فمن ما يطرح العجب في كلامه أنه مثل بعدم استـتبابه عند المعارضة أنه عندما يسرق صك على امرأة تسـتـنكر المعارضة وتقول الأمن غير موجود والمرأة لم يسرق صكها ولكن انتزع منها نهارا وعندما قاومت قتـلت .
فالأمن الداخلي غير موجود البتة إلا القليل منه حسب ما هو موجود من آلياته فقل ليلة أو نهار إلا وأسرة في بعض الأحياء مسلوب منها كل ما عندها فدائما يقول من يسأل عن الأمن وهو لا يعرف عنه شيء مثل الناطق باسم الحكومة لم تسجل جريمة ضد مجهول فهذه الكلمة تعنى القـتـل خاصة فعندما يقـتـل الشخص قـتـلا وتبحث عنه الشرطة الأكثر أن تجده غاليا ولكن أين منع الجريمة قـبل أن تقع .
أما جرائم التلصص المادية كل ليلة وكل نهار فلا تسجل لا على معلوم ولا على مجهول ، فالأمن على العموم لا تقال لعدم وقوع الجريمة لأن أكبر دولة وأغناها لا يمكنها أن تمنع الجريمة من أن تقع لأنها قد تقع من إنسان دون سابق إنذار بل الأمن تقال لوجود آلياته وجودا يعتمد على مخطط محكم كامل للأفراد والعتاد والفنية واليقظة والخصوصية .
وهذه الصفة في الأمن منذ سنة 1985 عندما أصبح الأمن لا راعي فيه إلا الأمن السياسي خرجت من موريتانيا ولم تعـد لا بعد مجيء هذا النظام ولا قبـله فقد تقلص الأمن حتى لم يبق منه إلا اسمه تقريبا ، فلو سأله زملاؤه الرؤساء الأجانب هل حق أنك تعتمد في الأمن الداخلي في مدن الدولة الكبرى على الدرك والحرس وقـلت لهم : نعم لتعجبوا وعلموا أن لا أمن داخليا في الدولة وسيقولون لك : هذه سابقة لم يعمل بها غيرك في الدول .
فمن الاستهزاء بالأمن الداخلي أن ينحصر في تقسيم مقاطعات نواكشوط على رعايته في الليل فقط من أسلاك الأمن بمعنى الوقوف على الشوارع وهؤلاء لا يضبطون إلا سيارة مسروقة مر بها سارقها على نقاط تفـتيشهم فأين دخول الدوريات الراجلة في كل مكان خفي يبحثون في كل مكان عن اللصوص وتراهم أعين المواطنين وأين البحث في أوكارهم في النهار قبل أن يقوموا بفعلهم وأين زرع المخبرين في أوساط اللصوص في كل ميدان حتى ينبهوا عليهم ، فأين دولة لا يعرف ولاتها ولا حكامها عن ما يجري في مدينتهم من كل شيء يهم الدولة بواسطة الشرطة خاصة غير موريتانيا .
ولاشك وهذا دون نفاق أو جهوية أن المدير العام للأمن الآن يعمل ما في وسعه بدون ملل ولا كلل لزحزحه هذه الحالة عن الأمن الداخلي ولكن القائد الذي لا سلاح عنده أو سلاحه قليل وبلا ذخيرة كيف ينـتصر على العدو.
أما معركة الفقراء التي انهزم فيها النظام فهي مثل الأمن الداخلي فالأمن الداخلي ظن أن رعاية الأسلاك الأخرى في الليل تحد من الجرائم وكذلك ظن أن حوانيت الأمل تخفف الوطأة على الفقراء ، ولكن هيهات فالفقراء أكثر بكثير وأبعد منزلا من حوانيت الأمل ولا يمكن أن ينـتـفع الفقراء إلا بتخفيض الأسعار ولقد ساعد الزمن على تخفيضها بنقص أسعار البنزين ولكن الحكومة لم تستمع للزمن ، فلولا مسألتين لهذه الحالتين الأولى : أن طبيعة الموريتاني من جميع فـئاته هي الأمن وعدم التـلصص ، والثانية : أن الموريتانيين غاية في التضامن الاجتماعي مع فقرائهم لظهرت موريتانيا للعالم على غير حالتها الحالية .
هاتان المعركتان الأولى انتصر فيها النظام نصرا مؤزرا وهما الاقتصاد والأمن الخارجي والأخريتان انهزم فيهما انهزاما مازال المجتمع يعيشه .
أما قضية الوحدة الوطنية فقد ركز السيد الرئيس عليها وعلى وجودها وعلى قدسيتها وهاجم من يروج لها لكنها هي والأمن الداخلي والفقراء لم يكلف نفسه برعايتهما حق الرعاية.
فقد ندد أشد التنديد بمن يريد زعزعة الوحدة الوطنية وهذا قطعا من كلامه المقبول والمردود على المعارضة عكسه ولكن لماذا تركت معالجتها أولا حتى يكتب لها النمو في شعب مسلم مسالم خلقه الله كأسنان المشط 99% منهم لا تجمعهما إلا المحبة والتشارك في السراء والضراء إلى غير ذلك .
فالرئيس قال إن الرق غير موجود ولكن مخلفاته موجودة ، وهذا يرد عليه بهذا الأسلوب فالرق حقا لم يبق موجودا إلا ما خفي عن كل مواطن ولكن المخلفات مخلفات التقاليد والعادات والبداوة التي كانت تعم أكثر ساكنة هذه الأرض فكثير من الأماكن كانت لا رق فيها ولم تدعه ولكن فيها مخلفات الفقر والرضى بالبداوة ونمط المعيشة إلى آخره .
وفي الأخير فإني اقـتـرح على كل من الرئيس أو حكومته والمعارضة أن يعودان إلى تعاليم الإسلام فأي واحد منهم يمكن أن يصبح في أي لحظة وجها لوجه مع الله جل جلاله ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ، فيتجنب الجميع التـنابز بالألقاب والبحث عن السوآت لكشفها للغير والله يعلم متـقـلبـكم ومثواكم .