وفقا لإحدى النظريات الحديثة فإن النصوص حقيقة افتراضية وكامنة ، ولا يكون في مقدورها مواصلة الحدوث والتبدي بذاتها ، ولا تتحقق عمليا إلا إذا قام متلقي يمتلك إسهاما مكافئا في الأهمية بتفعيلها ، وفي هذا المضمار فإن النصوص المشحونة بالقضايا الوطنية التي يكتبها باستمرار رجال السياسة
والاعلام والمثقفون الموريتانيون ، والتي تطالب بالتمسك بالثوابت وتنحاز للضعيف قد تدب فيها الحياة إذا كانت موضوعة للإدراك وتستجيب لحاجات " أفق التوقعات "، وتم تجسيدها من طرف صناع القرار باعتبارهم معنيون بتنفيذ تلك الأفكار والمقترحات ، الهادفة إلى بناء دولة حديثة محافظة على هويتها وعلى ثباتها الإيجابي .
وقادرة على أن توفر لشعبها الأمن والعدالة والاستقرار، وتضمن للمواطنين حياة كريمة ، بعيدة عن الذل والتبعية للأجنبي ولغته التي تحمل ثقافات رخيصة ، ولها باع طويل في محاربة اللغة العربية الخالدة ، ومادة التربية الإسلامية ، التي تحتل مكانة خاصة في العملية التربوية ،كونها الوسيلة العملية الوحيدة في بناء وتكوين أفراد مجتمعنا وذلك من خلال ما تتضمنه من أبعاد روحية وأخلاقية تجعل المتعلم يعيش في ظلها حياة ملؤها السعادة ، لأن المضامين المعرفية لهذه المادة تكتسي صيغة تعليمية قابلة للتحول الى أنشطة تساهم في تشكيل ذات المتعلم وشخصيته المستقبلية وتمده بالراحة النفسية والاجتماعية .
ومع ذلك فقد تأكد أن قدرا كبيرا من التشوه قد لحق منظومتنا التعليمية ، وحياتنا الفكرية والثقافية ، بسبب التربية المستعارة ، ، والخلود المطلق في الطرف السفلي لثقافة الاجنبي ، مع الارتباك الشديد والتردد على مستوى الأغراض والاختيارات التي تنظم مسار التعليم في مختلف الشعب والمراحل ، وقد أوحى لي ذلك ـ وبكل تواضع ـ بالكتابة عن هذا الجانب تحت عناوين كثيرة من بينها : "التربية الإسلامية بين المعامل الهزيل والزمن القليل " ، " كفانا استلابا فاختيارالسجل اللغوي لا يكون محايدا " ، " إلى متى نبقى نصف حالنا بمفردات خصومنا؟ " ، " لتكن 50% في التربية والعربية شرطا لمنح الشهادات "..
وبما أن الهوية العربية قد شاركت في بناء التراث العالمي ، ومنظومة الإنتاج الحضاري، وبناء التراث العالمي ، وظلت تنهل من معين الثقافة الإسلامية وما تضمنته الشريعة من عقيدة ومعاملة وسلوك، وقوانين و أحكام ، فإن اهتمام العلماء والأدباء والكتاب والمثقفون بمادة التربية الإسلامية ، قد واكبه في بلادنا باستمرار، نضال مستميت سري وعلني ، استخدمت فيه كافة الأنشطة ، وقدمت أثناءه جميع التضحيات ، وذلك من أجل ترسيم اللغة العربية وإدخالها في منظومة التعليم بشكل جدي ، وحتى تكون لغة الإدارة والعمل ، بدلا من اللغة الفرنسية التي جعلت جل المواطنين الموريتانيين مهمشين في وطنهم ، وأكدت استبعاد علماء المحاضر من وظائف الدولة ، وجلبت لهم عدم الاحترام من طرف الإدارة والقائمين عليها ، مع أن العمل باللغة العربية في الإدارة هو في حد ذاته ، مجرد إقرار للمادة 6 من الدستور، التي تنص على أن اللغة الرسمية هي العربية .
ومع هذا فقد تم الإستئناس بتجارب أممية سابقة ، إذ لا شك أن أحداثا ضخمة في تاريخ البشرية ما كان لها أن تتحقق وتحدث لولا إجماع كلمة الجماهير، كذلك فلم يعد فى استطاعة أى حكومة اليوم الاستمرار فى الحكم دون الحصول على الحد الأدنى من موافقة الشعب .
ووفقا لهذا كله فإن بعض القضايا المتعلقة بهوية البلد قد وجدت مؤخرا آذانا صاغية من طرف الحكومة بعد سلسلة طويلة من النضال ، وبعد أن كشفت مقالات الكتاب المتكررة النواقص والسلبيات ، ووقفت بالمرصاد لكافة التجاوزات ، وقدمت الحلول والمقترحات التي يمكن أن تخدم الدين الإسلامي وأحكامه ، واللغة العربية وعلومها ، حتى تم انتزاع قرار مهم من بين يدي الحكومة يقضي باستعادة التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها في نظامنا التربوي ،حيث صادق مجلس الوزراء الموريتاني في اجتماعه المنعقد الخميس: 24 مارس 2016، على مشروع قانون يهدف إلى تعزيز مكانة التربية الإسلامية في امتحان الباكلوريا ، ويترجم حسب بيان المجلس "الأهمية القصوى التي توليها السلطات العمومية للمحافظة على ثوابت مجتمعنا ومقومات هويتنا وأصالتنا ولترقية قيم التسامح والسلام التي يقوم عليها ديننا الحنيف في مواجهة التطرف العنيف الذي يعصف بعالم اليوم".
وبما أن الحكومة الموريتانية لم تول عناية قبل اليوم لثوابت مجتمعنا ومقومات هويتنا وأصالتنا ، ولم تقم بتعريب مأموريات السفر والوثائق السيادية الصادرة عنها ، إلا بعد معارك نضالية كبرى ، ابتداء من فترة الحكم الاستثنائي وحتى الآن ، فإن ذلك لايعني أبدا أننا لا نثمن هذين القرارين ، لكننا في المقابل لانعتبرهما منحة ، ولا يمكن أن نقتنع بهما إلا إذا قامت بتعريب الإدارة بشكل كامل ، وتخلت مطلقا عن المحاباة في سياساتها التربوية ـ كما بينا في مقالات سابقة ـ وفرضت على كافة التلاميذ والطلاب الموريتانيين في جميع المراحل الدراسية الحصول على 50% كحد أدنى في كل من مادتي التربية الإسلامية واللغة العربية كشرط للتجاوز والحصول على شهادات التعليم الأساسي والثانوي والجامعي في بلادنا ، وقد يشي هذا من بين أمور أخرى ، أننا في سبيل تحقيق جميع أهدافنا الوطنية واستعادة هويتنا العربية ، لا نرفض مطلقا ذلك المبدأ التفاوضي المعروف عند بعض المطالبين بالحقوق : " بسياسة خذ وطالب " .