مر نبي الله عيسى ابن مريم -عليه السلام- والحواريون على جيفة كلب ؛فقال الحواريون : ما أنتن ريح هذا! ، فقال عيسى ابن مريم عليه السلام : ما أشد بياض أسنانه ، يعظهم وينهاهم عن الغيبة ..
فهؤلاء الحواريون عندما اقتربوا من جيفة هذا الكلب أخذوا بأنافهم حتى اجتازوا الكلب ،أما سيدنا عيسى -عليه السلام- فلم يفعل ذلك ؛ ولما قالوا -بعد أن تجاوزوا هذه الجيفة-
ما أشد نتن هذا الكلب ؛ رد عليهم ما أشد بياض أسنانه ؛ ولما استغربوا الأمر قائلين : يانبي الله كيف تقول هذا ؟ ؛ قال : أريد أن لا أعود لساني على الذم ،يعني الكلام القبيح الذي لا خير فيه؛ أريد أن أعود لساني تجنبه .. وطبعا قابل تركيزهم على ذكر أسوإ مافي المشهد بذكر أحسن مافيه ! .. وإن كان كل المشهد منحصر في جيفة كلب ..!
إن المتأمل لمشهدينا السياسي والاجتماعي -مهما حاول- سيجد نفسه مرغما على جعل أغلب نشطاء هذين الحقلين عكس الجهة التي وقف فيها نبي الله عيسى عليه السلام ، لقلة إنصافهم ولاقتصارهم على ذكر المساوئ ولنظرهم دوما إلى النصف الفارغ من الكأس ..!
-جهد المقل
لقد انتهج قادة ورموز المعارضة بشقيها المرن والمتصلب نهج العزوف عن تقديم المشاريع والبرامج التي تغري المواطن أيام المواسم الانتخابية واكتفى المتصلبون منهم بتتبع العثرات اللفظية ؛من هذا أو ذاك -إن وجدت- وتوليدها -إن لم توجد- وتحميلها غير ماتحمل وأخذها على الوجه السيء وإن كانت لها تسعة أوجه أخرى ..
بالرغم من حاجة الموالاة (الأحزاب السياسية) إلى النشاط المكثف والتلاقي الملموس مع المواطن المستهدف الاول والأخير بأهداف السياسة وما يترتب عليها من تبعات تجسد عمليا ؛سواء من خلال عمل القطاعات الحكومية أو من طرف هيئات أو مرافق لها صلة ..إلا أن المعارضة تظل قاصرة وعاجزة عن تقديم البديل الإيجابي القادر على إعطاء الأفضل أو رسمه -على الأقل- في الأذهان ..!
-زرع الفتن
بالرغم من محاولة البعض إحداث شرخ شرائحي من خلال النفخ في نار تبعات الإرث الإنساني سعيا منه إلى الوصول إلى أهدافه السياسية الضيقة التي ينسى في سبيلها سلامة الأمة ولحمة المجتمع وبقاء كيان الدولة .. بالرغم من ذلك كله سيظل التمسك بعرى الدين واستحضار أهمية الوحدة الوطنية واستخلاص العبر من دول الجوار التي مزقتها الحروب الداخلية وقسمها حب الإسراع نحو تقاسم الكعكة الوهمية التي أبان انقشاع غبار العراك حولها عن سراب تزول الصور المتخيلة داخله مع اقتراب ظل اول قادم .. سيظل ذلك أفضل صمام أمان يعترض دعاة الفنن والتفرقة وراكبي الأمواج العابرة واللاهثين خلف الحظوظ الشخصية ..
-استغلال الدين
إن محاولة تطويع النصوص الدينية أو إسقاطها في غير محلها إساءة إليها قبل غيرها ؛ هناك فرق بين التناسل المطلوب شرعا وعقلا و التوالد المذموم لفوضويته وللتقصير تجاه نتاجه في الحقوق .. مرضى السيدا والأمراض الفتاكة المعدية لا يرغب في تكاثرهم ولا يخدم توالدهم -عمليا-المجتمع بشكل إيجابي ، وطبعا يخشى على اللص أن يكون أبناؤه لصوص وعلى البغي أن تكون بناتها أقرب إلى السفور والانحلال والفجور، فالعبرة بالتربية السليمة والبيئة التي تنمي مكارم الأخلاق ويتوفر فيها للأبناء مايجعلهم يسلكون المسلك الأمثل ليكونوا إيجابيين لأنفسهم ولغيرهم ؛ ولن يكون ذلك بالفوضى والإهمال والتقصير.
صحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بتزوج المرأة الودود الولود وبين أنه -عليه الصلاة والسلام- مكاثر بنا الأمم ؛ لكن على دعاة الفهم منا أن يفهموا أو يدركوا ولو جزءا يسيرا من المقاصد الشرعية التي بنيت عليها الشريعة الإسلامية والتي تبين بما لا يدع مجالا للريبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيكاثر الأمم بأمة الإجابة التي أجابت داعي الله ولبت نداءه وترسمت بخطاه وتمثلت بنهجه ؛ يخرج من ذلك تارك الصلاة والمتطاول على ذات العلي والمتعدي على جناب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وتعلمون أن هذه الأصناف ظهرت في مجتمعنا ولم تعرف حدودا شرائحية ولم توقفها عتبات عقدية ؛ ومنهم من يؤول به الانتساب إلى أرفع الأسر وأقربها من الشريعة ..! ؛ ومنهم منهم دون ذلك ؛ وبفتحهم هذا الطريق لا ندري في ظل ذلك إلى جانب هذه الدعوات وتلك الصيحات وهذا الإهمال والتسليم للشارع عما ينفرج قادم الأيام ..