أعلن رئيس الجهورية خلال خطابه بمهرجان الأغلبية الرئاسية بالنعمة المنظم في الثالث من مايو 2016 عزمه الدعوة إلي حوار سياسي جامع ستقدم بمناسبته الأغلبية الرئاسية "محفظة مقترحات إصلاحات دستورية وسياسية و إدارية" لعل من أبرزها و أقلها مفهومية و أكثرها ضبابية بالنسبة للرأي العام
مقترح إنشاء مجالس جهوية.
و محاولةً للإسهام في إنارة الرأي العام الوطني حول موضوع "الجهاتية""La Régionalisation"سأبين بشكل مختصر ثلاث مبررات لجدوائية إرساء المجالس الجهوية ببلادنا قبل أن أنبه إلي ثلاث مَطَبًاتٍ و مَزَالِقَ تتعلق بنوع و تسارع المجالس الجهوية يتعين علي كافة أطراف الحوار المرتقب اتخاذ كامل الحيطة للتعاطي الإيجابي معها.
فبخصوص وجاهة إرساء المجالس الجهوية في بلادنا فيمكن استنتاج ذلك من خلال مساءلة الوجاهة السياسية و الجدوائية الإدارية و الضرورة التنموية.
أولا: الوجاهة السياسية:تعتبر المجالس الجهوية أداة لترسيخ و توسيع نطاق الديمقراطية المحلية إذ هي الجيل الثاني من اللامركزية بعد المجالس البلدية التي أُنشأت في بلادنا منذ ثلاثين حولا.
لذلك فإن البعض يعتقد أن خطوة إرساء المجالس الجهوية جاءت متأخرة خصوصنا إذا ما علمنا أن تلك المجالس الجهوية موجودة في دول المنطقة منذ عشرين سنة تزيد أو تنقص قليلا أو كثيرا حسب التطور المؤسسي و الديمقراطي لتلك الدول( المغرب،تونس، الجزائر، السنغال و مالي)؛
الجدوائية الإدارية: من المعلوم أنه سيكون من اختصاص المجالس الجهوية تسيير المرافق العمومية الكبري كالثانويات و المعاهد المتوسطة و المستشفيات... و هي مهام مَنُوطَةٌ حتي الآن بالسلطات الإدارية.
و لقد أكدت تجارب الأمم أن تسيير المرافق الخدمية ذات الصلة الماسة بحياة السكان يكون دائما أدق تصورا و أحسن جودة و أقل تكلفة كلما تم إسناده إلي أجهزة سياسية و إدارية قريبة من السكان و منتخبة من طرفهم فأهل مكة دائما أدري بِشِعَابِهَا و أرحم بِشَعْبِهَا!!؛
ثالثا: الضرورة التنموية:يمثل التفاوت التنموي المناطقي ثالث المخاطر الثلاثة التي تهدد بشكل جدي وحدة و انسجام البلد (التفاوت الشرائحي الفاضح و التباين الطبقي الناطح) مما يستدعي استعجالا تصحيح الاختلالات و التباينات التنموية المناطقية.
و حيث أن الدولة المركزية الحديثة فشلت خلال الستين سنة الماضية في تحقيق التوازن التنموي المناطقي فإن المجالس الجهوية قد تكون حلا أنسب من أجل تحقيق التنمية المناطقية العادلة و ردم أو تخفيف الهوة التنموية السحيقة بين الجهات و المناطق.
و إذا تمهد و اتضح أن الوجاهة السياسية و الجدوائية الإدارية و الضرورة التنموية الوقائية تؤيد فكرة إنشاء المجالس الجهوية و ترسيخ الديمقراطية من خلال الانتقال إلي الجيل الثاني من اللامركزية المتمثل في "نظام الجهاتية".
فإن أطراف الحوار الوطني المرتقب مطالبة بشديد الحذر واتباع طريقة "المَشْيِ عَلَي البَيْضِ" أو في "حقول الألغام" ابتغاء عدم الوقوع في خطيئة التقليد المؤسسي الأعمي و ذلك عبر اختيار نوع من النظام الجهاتي يناسب الخصوصيات الوطنية و يتفادي المَطَبًاتِ و المَزَالِقِ الثلاثة التالية:-
1-الجهاتية المتقدمة أو شبه الفيدرالية: لعل من أوكد ما يجب الانتباه إليه هو ضرورة التدرج في اختيار نوع و تسارع النظام الجهاتي الذي سنختاره وذلك أسوة بفرنسا و المغرب اللتين لم تنهجا الجهاتية المتقدمة"La Régionalisation avancée " و الاقتراع المباشر لاختيار المجالس الجهوية إلا بعد عقود من تجريب النظم الجهاتية الأخري.
ذلك أن الجهاتية المتقدمة هي"نوع من شبه الفيدرالية"" Semi Fédéralisme" من المتواتر أنه لا يناسب بلدا كبلدنا لا زال ضعيف "الثقافة الدًوْلَتِيًةِ" التراكمية، قليل الاستقرار السياسي،هزيل البنيان المؤسسي شديد الاحتقان الاجتماعي!!...؛
2-الأخطبوطية و الإِحْتِرَابُ الإداري: و أقصد هنا ضرورة توضيح و وضع "عوازل قانونية و تنظيمية فولاذية" فاصلة تمنع التداخل و تسد منافذ التأويل بخصوص صلاحيات المجالس الجهوية و البلديات و السلطات الإدارية و المصالح اللامحورية" Les Services Déconcentrés".
مما يدرأ مفسدتين أولاهما ضياع و تخبط المواطن في طرقات و شِعَاٍبٍ إدارية متداخلة و متشابهة يضل فيها القَطَا و ثانيهما انشغال العائلة المؤسسية الجهوية بالاحْتِرَابِ الإداري الداخلي من أجل كسب أكبر حجم من الصلاحيات و الاختصاصات!!
3.الإغراق و التمييع المؤسسي:و يتعلق الأمر بواجب عدم إغراق المشهد الجهوي بالعديد من المؤسسات الإدارية أو شبه الإدارية التي قد لا تكون ضرورية كلها لتأدية المأموريات و المهام و الخدمات الإدارية.
و خير مثال علي واجب الوقاية من الإغراق و التمييع المؤسسي هو ضرورة استثناء نواكشوط و نواذيبو من نظام الجهاتية إذ لا يُعقل أن تُنشأ بنواكشوط مجالس جهوية بالإضافة إلي المجموعات الحضرية و لا أن يُستحدث بنواذيبو مجلس جهوي بالإضافة إلي سلطة منطقة نواذيو الحرة و إذا لم يتم التبويب علي استثناء نواكشوط و نواذيبو من نظام الجهاتية المرتقب تكن فوضي و فتنة مؤسسية تُهلك الوقت و تُضيع الفرص!!