غالبا ما ينصرف معنى كلمة التنمية اذا ما ذكرت إلى التنمية الاقتصادية على الرغم من شمولية المفهوم و تعدد مجالاته. فالتنمية عملية شاملة تواصلية تحدث تحسينات في جميع جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية وتسعى لتوفير الحياة الكريمة لجميع أفراد المجتمع.
رغم الجهد المبذول من طرف الدولة في سبيل تحقيق
التنمية الشاملة والتنمية المحلية إلا أن المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية تزداد عام بعد آخر بفعل عدم قدرة الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وغيرهما على مواكبة النمو السكاني المضطرد على المستوى الحضري وبدائية وسائل الانتاج.
ومن المفترض أن تكون ولاية الحوض الشرقي أكثر الولايات استفادة من عملية التنمية نظراً لكثافتها السكانية أولا، وللمقدرات التنموية التي حباها الله بها ثانيا. و سنتعرض فيما يلي للتعريف بالمقومات والموارد الأساسية التي يمكن بها أن تتحقق التنمية في الولاية:
1. المقومات البشرية: يشكل العامل البشرى وزنا جوهريا ضمن أسس قوة الدولة، إذ أنه يتيح لها، من ضمن امور أخرى، قوة العمل اللازمة لإدارة شئونها، وتطوير اقتصادها. و قد يرى البعض ان الزيادة السكانية تمثل عائقا في وجه التنمية بفعل الضغط على الموارد المحدودة، في حين انها تشكل في كثير من الاحيان عاملا مشجعا ومساعدا على تحقيق التنمية بمختلف اوجهها. ففي ظل ضعف راس المال فان العامل البشري يشكل البديل بالتركيز على تكثيف قوة العمل و بأجور متدنية مما سيعمل على مضاعفة الانتاج ويمكن في مرحلة لاحقة من التحسين من المستوى المعيشي.
كما تعد الزيادة السكانية حافزا مهما للاقتصاد من خلال زيادة الطلب الفعال الذي يولد زيادة في الاستثمار أملا في تلبية الحاجيات لينجم عن ذلك زيادة الدخول مما يودي إلى ارتفاع القدرة الشرائية ومنه اتساع حجم السوق.
تعد ولاية الحوض الشرقي الثانية بعد نواكشوط من حيث حجم السكان، اذ تفيد معطيات التعداد الاخير(2013-RGPH) أن عددهم بلغ 430 668 نسمة (225 203 اناث و 205 465 ذكور)، أي ما يزيد على 12% من اجمالي سكان البلد. تمثل نسبة البدو 3.9% من سكان الولاية اما البقية (96.1%) فيستقرون في الوسط الحضري. وتبين التركيبة العمرية ان 48.95% من سكان تنحصر اعمارهم بين 51-64 سنة وهي الفئة النشطة من السكان.
وتظهر نسبة الاعالة أن كل شخص نشط في ولاية الحوض الشرقي يعيل أكثر من شخص واحد غير نشط، حيث بلغت هذه النسبة 104% (باعتبار ان الفئة العمرية غير النشطة هي: من 0-14 سنة و من 65 سنة فما فوق ).
اما الحالة العملية فتبين نتائج المسح المرجعي حول الشغل والقطاع غير المصنف (ENRESI-2012) ان نسبة السكان العاملون في الولاية بلغت 11.6% من اجمالي سكان البلد وتأتي هذه النسبة في الترتيب الثاني بعد نواكشوط 28.5% على المستوى الوطني. اما معدل النشاط الذي يعبر عن النسبة بين السكان النشطين و الذين هم في سن العمل (14-64 سنة) فانه رغم تدنيه على المستوى الوطني (44.3%) فقد كانت نسبته اعلى بقليل على مستوى الولاية (46.4%). ويعكس هذا المؤشر المستوى العام للمشاركة في عالم العمل للسكان في سن العمل و الأهمية النسبية لليد العاملة المهيأة لإنتاج السلع و الخدمات.
اما معدل البطالة على مستوى الولاية فإنها لم تتجاوز 3.6% في حين ان هذا المعدل على المستوى الوطني قد بلغ 10.1%.
و تبين نتائج هذا المسح أن سكان الحضر هم أكثر تضررا من سكان الريف على مستوى الولاية حيث بلغت 8.1% في المجال الحضري في حين لم تتجاوز 2.8% في الوسط الريفي.
و بتوفر الولاية على هذه القوة البشرية، و خاصة الفئة الفتية، فان الاستغلال الامثل لهذا المورد سيكون بتأهيلها من خلال توسيع الانفاق على قطاعات التعليم والتكوين المهني و الصحة مما سيمكن من وفرة قوة اليد العاملة المؤهلة التي تعمل على رفع الإنتاجية.
2. المقومات الاقتصادية : تعد الموارد الاقتصادية المصدر الاهم لإحداث التنمية في ولاية الحوض الشرقي وذلك لدورها الحيوي أولا، ولارتباطها بحياة غالبية الساكنة ثانيا. وتعتبر الزراعة و الثروة الحيوانية والتجارة من ابرز تلك الموارد على مستوى الولاية.
1. الزراعة: تعرف الولاية تساقطات مطرية مهمة على مدار العام تتراوح في متوسطها بين 250- 300 مليمتر سنويا. وقد كان لهذه الامطار الاثر الايجابي على المراعي الطبيعية و المساحات الزراعية.
بلغت المساحات المزروعة في الولاية 90419 هكتار خلال حملة 2012-2013 منها 73731 هكتار للزراعة المطرية و 16688 هكتار زراعة وراء السدود. اما الانتاج الخام من الحبوب فبلغ اجماله 16441 طن. منها 13124 طن من الذرة البيضاء و 1552 طن من الدخن و 1765 طن من الذرة الصفراء.
اما انتاج التمور فتظهر معطيات تعداد النخيل الذي قامت به وزارة التنمية الريفية سنة 2012 ان الولاية تحوي 21 واحة بها 53091 نخلة منها 32223 نخلة مثمرة، و ان الانتاج من التمور بلغ 1124 طن سنة 2012.
2. الثروة الحيوانية: رغم ان قطاع التنمية الحيوانية ما زال يغلب عليه الطابع التقليدي المعاشي إلا أن الثروة الحيوانية لها دور هام وبارز في الاقتصاد الوطني، اذ تساهم بأكثر من 16% من الناتج الداخلي الخام، كما تعمل، بشكل كبير،على تعزيز الأمن الغذائي للمواطنين. و تحتضن الولاية الجزء الاكبر من هذه الثروة في البلاد، وتساهم مع مناطق الشرق الأخرى في تزويد بقية مناطق البلاد بحاجاتها من مختلف أنواع الماشية والتي هي المصدر الوحيد للحوم الحمراء المستخدمة على نطاق واسع في النظام الغذائي للسكان.
تبين احصائيات 2013 ان عدد رؤوس الابقار يصل الى 600000 رأس، ومن الاغنام 2395000 رأس، ومن الابل 287000 رأس في الولاية.
إن الاستغلال الامثل لهذا المورد يتطلب رؤية تنموية واضحة ترتكز على القيام ببرامج طموحة لدمج هذا القطاع في الدورة الاقتصادية من خلال الاستغلال الامثل للمنتجات الحيوانية بشتى انواعها، وإقامة البنية التحتية الضرورية لذلك.
وفي هذا الاطار تم انشاء مشروع مصنع الألبان بمدينة النعمة ليكون الابن البكر للصناعة بشكل عام والصناعة الغذائية بالذات في الولاية.
يعتبر هذا المشروع من اهم المشاريع الاقتصادية في البلد بشكل عام وفي الولاية بشكل أخص، و قد انتظره ساكنة الولاية منذ مدة وهم بما يتمتعون به من ثروة حيوانية وفيرة يراهنون على كونه سيشكل رافعة التنمية المحلية و سيساهم في تنمية المنطقة بشكل عام.
ستكون الطاقة الانتاجية لهذا المصنع وفق ما هو مخطط 30 الف لتر يوميا معتمدا في ذلك على ثلاث مناطق للتجميع (الشامية، بنكو و وركن) ستكون المزود الرئيسي والوحيد له بالحليب بقدرة استيعابية تصل 10 ألاف لتر يوميا لكل مركز من مراكز التجميع. يشمل الانتاج خطا لإنتاج الحليب المبستر و آخر لإنتاج الحليب طويل الامد و ثالث لإنتاج اللبن الرائب ومشتقاته.
اذا قيض الله لهذا المصنع ان يعمر فانه سيساهم لا محالة في:
الاستغلال الامثل لمورد الثروة الحيوانية و ذلك باستحداث أساليب جديدة تتعلق بالتربية الحيوانية، مما سيحسن من أساليب الإنتاج؛
العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الالبان؛
خلق حركية اقتصادية من خلال ضخ مبالغ مالية لصالح التعاونيات الرعوية و في جيوب المنمين و العمال و مزودي الخدمات الاخرى؛
العمل على خفض معدل البطالة في الولاية عبر التوظيف المباشر (اكتتاب 102 عامل) و غير المباشر (مستخدمين ووسطاء وناقلين وغيرهم)؛
العمل على زيادة دخل الاسر والتحسين من ظروفهم المعيشية، وبالتالي التخفيف من الفقر الذي بلغت نسبته 28.3% على مستوى الولاية؛
تحسين وضع الحساب الجاري الخارجي و ذلك بتقليص عجز الميزان التجاري ( بلغت قيمة الواردات من الحليب ومشتقاته 22 220 981 594 سنة 2013).
لكي لا يتحول هذا المصنع الى عبئ على الاقتصاد الوطني من خلال تمويل العجز في تغطية التكاليف الثابتة للمصنع فضلا عن زيادته لحجم المديونية الخارجية للبلد ( قرض من بنك الواردات والصادرات الهندي بقيمة 15187176 دولار امريكي) يتوجب على القائمين عليه ان يواجهوا ابرز تحد سيقابلهم و المتمثل في توفير احتياجات المصنع من الحليب في فصل الصيف بسبب المردودية المتدنية من جهة، و عادة الانتجاع السائدة والقائمة على الترحال الدائم في ذلك الموسم من جهة اخرى.
لذلك، فإنه من الضروري القيام ببعض الإجراءات المصاحبة لضمان استمرارية المشروع، ومن ابرز تلك الاجراءات:
• تثبيت المنمين قرب نقاط التجميع، ولن يتأتى ذلك إلا بتوفير الكميات الكافية من الاعلاف و المياه؛
• العمل على زيادة المردودية من الالبان، وذلك بإنشاء المزيد من المزارع النموذجية للتحسين الوراثي لسلالات الابقار كما حصل في محمودة التي تظهر نتائجها الاولية ارتفاع انتاج البقرة من 2 لتر الى 14 لتر يوميا في المتوسط؛
• إنشاء مراكز صحية و بحثية تهتم بتقديم الخدمات البيطرية الضرورية.
ج- التجارة: إلى جانب أهميتها الرعوية و الزراعية، تعد ولاية الحوض الشرقي مركزا تجاريا حيويا، حيث كانت منذ القدم مركزا للتبادل التجاري ومنطقة عبور للسلع والقوافل التجارية المتجهة من و إلى دولة مالي. وقد أضفى الموقع الجغرافي الحدودي أهمية خاصة، و شكل مقوما اساسا للتنمية في الولاية.
بالاضافة الى ما سبق، تتوفر الولاية على مقدرات و مقومات سياحية و ثقافية و مؤسسية سيكون لها دور بارز في تحقيق التنمية الشاملة بالولاية اذا ما تم استغلالها بطريقة مثلى.
إلا أنه على الرغم من بوادر نجاح بعض البرامج المتصلة بدعم البنية الأساسية ( شبكات المياه، الكهرباء، الطرق....) فان التقصير هو ما طبع الكثير الخدمات الاخرى المرتبطة في الأساس بالصحة والتعليم و ....
لذا تتطلب الرؤية المستقبلية لتنمية الولاية تفهما للواقع القائم وحصرا شاملا للموارد المتاحة وكيفية استغلالها بفعالية للنهوض بالتنمية. و في انتظار ذلك يبقى السؤال المطروح: الى متى سيظل الحوض الشرقي فقيرا وكل هذه الخيرات في أرضه؟.
المراجع:
1- د. الصادق محمود عبد الصادق، مقومات ومعوقات التنمية الاقتصادية في افريقيا: نظرة جغرافية، عن الموقع الالكتروني: www.asmarya.edu.ly
2- المكتب الوطني للإحصاء، الحوض الشرقي في ارقام، طبعة 2014.
3. Recensement général de la population et de l’habita (RGPH 2013), ONS.
4. Rapport finale sur l’enquête nationale de référence sur l’emploi et le secteur informel (ENRE/SI), 2014, ONS.
5. Profil de la pauvreté en Mauritanie, 2014, ONS.
6. Rapport provisoire sur le recensement des palmiers dattiers en Mauritanie, 2012, Direction des politiques, de la coopération, du suivi et de l’évaluation (DPCSE), MDR.