فضل الصحابة والإمساك عما شجر بينهم / محمد الامين بن الشيخ بن مزيد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعبهم  بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد فقد أثنى الله عز وجل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ووعدهم بالحسنى ومدَحَ السابقين الأولين ومدَح المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم 

ومدَح الأنصار (الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )
ومدح أهل بيعة الرضوان فقال الله عز وجل (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا   )وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة . " رواه الترمذي وقال حسن صحيح 
ومدح الصحابة رضي الله عنهم عموما في سورة الفتح فقال عز وجل (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما)
ومدح السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار فقال عز وجل
(والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلهم عموما وخصوصا وأخبر أن قرنهم خير القرون
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته رواه البخاري ومسلم . وبين أن ما أنفقوا لا يمكن لأحد مهما أنفق أن يبلغه ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه
وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
« يَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ. نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَيَقُولُونَ نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ ».
وروى ابن بطة بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  فلمقام أحدهم ساعة (يعني مع النبي صلى الله عليه وسلم )خير من عمل أحدكم أربعين  سنة .
عن عبد الله بن مسعود قال إن الله نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد -صلى الله عليه وسلم- خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئا فهو عند الله سيئ. رواه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد .
قال الخطيب البغدادي :
" على أنَّـــــه لو لم يرد من الله عز و جل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرةِ والجهادِ والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمُناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم و أنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيؤن من بعدهم أبد الآبدين هذا مذهب كافة العلماء ، ومن يعتد بقوله من الفقهاء . "الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي (ص: 96)
وقد نظم  هذه المعاني أحمد البدوي الشنقيطي في نظمه الرائع عمود النسب
فقال :
ومطلق الصحبة عند المبتدع ليس به على العدالة قطع
وعنه يابى الحنفا والنور وحالهم والخبر المأثور
والقتل للآباء والأولاد  وبذل الانفس على الجهاد
فالواجب اتجاه الصحابة رضي الله عنهم محبتهم والترضي عنهم والدفاع عنهم وصد كل من يتعرض لهم . أما تنقصهم فقد اعتبره الحافظ أبو زرعة الرازي زندقة
فقد نقل الحافظ الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية  عن الحافظ أبي زرعة أنه قال : « إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة"
وسب الصحابة رضي الله عنهم  جريمة يستحق مرتكبها التعزير البليغ والأدب الموجع الرادع قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " اعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام من فواحش المحرمات . " وقال القاضي عياض في سب الصحابة : "مشهور مذهب مالك في هذا الاجتهاد والأدب الموجع . "  
" ومن الآراء المشهورة عن مالك أنه كان يرى أنه لا حظ في الفيء لمن يسب الصحابة رضي الله عنهم لأن الله تعالى إنما جعل لمن بعدهم حظا فيه بشرط الاساغفار لهم فقال : ( والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ) الآية .
ومن عقائد أهل السنة والجماعة الإمساك عما شجر بين الصخابة رضي الله عنهم :
ورحم الله ابن أبي زيد القيرواني فقد قال في الرسالة -وهو يفصل اعتقاد أهل السنة والجماعة -:"وأن خير القرون القرن الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم  إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب . "
  ورحم الله ابن تيمية فقد قال –وهو يبين عقيدة أهل السنة والجماعة- " ويمسكون عما شجر من الصحابة "
ثم بين أن الصحابة رضي الله عنهم  "معذورون  إما مجتهدون مصيبون ، وإما مجتهدون مخطئون ... ، ولهم من السوابق ، والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر عنهم إن صدر حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم ؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم ... ثم القَدْر الذي يُنكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ، ومحاسنهم من الإيمان بالله ، ورسوله ، والجهاد في سبيله ، والهجرة ، والنصرة ، والعلم النافع ، والعمل الصالح ، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة ، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل علم يقينا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء لا كان ولا يكون مثلهم ، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم ، وأكرمها على الله " ا.هـ
ورحم  الله أحمد المقري الذي قال في إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة
وأفضل الأمة ذات القدر    أصحابُ من أعْطِي شرحَ الصدر
إذجاء في القرآن ما يقضي لهم  بالسبـــــــــــــــقِ في آيٍ حوت تفضيلهم
وكم أحاديث عليهم تثني   كقوله خير القرون قرني
وقول طه المصطفى لو أنفقا    فجل من زكاهم ووفقا
إلى أن قال
والصحب كلهم عدول خيره   فمن يُــــــرِد وجه اهتدا بهم يره
لأن من أحاط بالخبي       علما حباهم صحبة النبي
فهم نجوم في السرى من اقتدى   بهم إلى معالم الحق اهتدى
فلا تخض فيما من الأمر اختلط   بينهم واحذر إذا خضت الغلط
والتمسنَّ أحسن المخارج    لهم فالاجتهاد ذو معارج

   اللهم بحبي لنبيك صلى الله عليه وسلم وبحبي لأصحاب نبيك صلى الله عليه وسلم وببغضي لكل من يسيء إلي أصحاب نبيك ضلى الله عليه وسلم  لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ولا هما إلا فرجته ولا دينا إلا قضيته ولا حاجة من حوائج الدنيا والاخرة إلا قضيتها برحمتك يا أرحم الراحمين ( والذين جاؤو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم )
 

11. مايو 2016 - 1:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا