في خطابه المطول في مدينة النعمة تعرض الرئيس الموريتاني لموضوع الحوار بين النظام والمعارضة وتنبأ بأن يحصل ذلك خلال ثلاث الى اربع اسابيع بمن حضر حاملا ومتحاملا على المعارضة التقليدية التي اعتبرها لا تريد الحوار ولا تسعى اليه ،مع ما صاحب الخطاب من الفاظ ومصطلحات تساير تماما نهج التحامل الذي ميز خطابه.
صحيح أن اطرافا مهمة في المعارضة والموالاة على حد سواء أرادت أن تستغل خطاب الرئيس لتبعث برسالة مفادها أن وقت المهادنة والدبلوماسية قد انتهى وأن مرحلة جديدة قد اقبلت سيكون عنوانها القطيعة الكاملة ومزيدا من النفخ في نيران الاحتقان السياسي القائم. وهي نفسها الاطراف التي استغلت بوقاحة تصريحات ما بات يعرف بوزراء المأمورية الثالثة لتجعل منها موضوع الساعة ولتصرف الانظار عن موضوع الحوار.
لم يكن خطاب الرئيس تصالحيا بشكل مطلق بل حمل العديد من عبارات الاقصاء اصابت الكثير من الموريتانيين بالصدمة والذهول حتى الموالين للنظام والمتعاطفين معه ،في وقت كان الجميع يتنظر مبادرة حقيقية لحوار جامع ،تتضمن تنازلات تجعل الحوار ممكنا مع اكبر قدر ممكن من الفاعلين السياسيين. لكنه رغم ذلك حمل اشارات مهمة تفيد باستعداده للحوار ،وهي اشارات من الممكن تلقفها والبناء عليها للحصول على مكتسبات معتبرة ،تخدم العملية السياسية برمتها وتعمق المشاركة التي هي مطلب الجميع.
على الضفة الاخرى تبدو المعارضة الموريتانية أمام خيارات حاسمة واكراهات صعبة لا مفر منها
فإما مقاطعة الحوار وكل مخرجاته بما في ذلك الانتخابات البلدية والنيابية المزمع اجراؤها وعدم الاعتراف بكل ما يصدر من النظام والاستعداد لمرحلة حاسمة من المواجهة بكل الوسائل لفرض ما تعتبره المعارضة التغيير والتناوب السلمي على السلطة. وهو خيار لا يبدو انه الاوفر حظا على الاقل ظاهريا بحكم درجة التشظي والتفسخ التي تعيشها المعارضة وانقسامها الى مجموعة معارضات تتباين اجندتها لا يجمعها هدف واحد ولا تؤطرها مصالح مشتركة .
أو المشاركة في الحوار ،وعلى الرغم من أهمية هذا الخيار إلا أن المزايدات السياسية بين اقطاب المعارضة -التي يحاول كل منها أن يظهر بمظهر ألد اعداء النظام الرافض لأي لقاء أو جلوس على طاولة واحدة معه عسى أن يكون الموقف قابلا للصرف لاحقا- لا تترك له أملا في الصمود.
.
الخيار الثالث أمام المعارضة يتضمن مقاطعة الحوار ثم لاحقا المشاركة في الانتخابات المزمع اجراؤها.
سيكون هذا الخيار هو الأسوأ من بين الخيارات المتاحة ، ،غير أنه يبدو الاكثر وجاهة عند احزاب فاعلة في المشهد المعارض لا تريد الجلوس مع النظام على طاولة الحوار ولكنها لا تمانع من المشاركة في مخرجات ذلك الحوار.
ينطوي هذا الخيار على العديد من التناقضات ،وستكون المعارضة أمام تحدي صعب لإقناع قواعدها به وسيكون التحدي أصعب أمام الرأي العام الوطني فكيف تشارك المعارضة في انتخابات هي ضمن مخرجات حوار رفضت المشاركة فيه و صياغة برنامجه والدفع باتجاه تحسين قواعد الشراكة السياسية ومنع النظام من استغلال المناسبة لتمرير اجندته وفرض ما يريد دون حسيب ولا رقيب.
إن على المعارضة أن تفهم أن اللحظة الحالية بداية تأسيس للجمهورية ،وتحتاج بناء تحالف معارض قوي يقطع كل طرف فيه مسافة باتجاه الآخر من اجل موريتانيا ،تحالف ينطلق من الممكن والمتاح ويؤمن بأن التغيير تراكمي وما لم نحققه اليوم نستطيع أن نحققه غدا.
إن قراءة المشهد السياسي الحالي والخيارات المتاحة أمام الطيف المعارض تتطلب من الجميع أن ينظر الى الحوار لا بمنطق الربح والخسارة وانما من زاوية انه يشكل خلاصا للوطن من أزمة طال امدها ولم يعد باستطاعة الوطن والمواطن تحمل المزيد.
إن اللحظة الحالية تحتاج لزعامات سياسية تتجاوز في تفكيرها وتعاطيها المصلحة الشخصية والعداء الشخصي خدمة للوطن وتؤمن أن الحوار مطلب شعبي ووطني يحتاج الى تضحيات قد تكون مؤلمة. وليس شأنا سياسيا محضا يرتبط بمصالح الاحزاب السياسية وتحكمه الضوابط والمحددات الحزبية.