جاء خطاب رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز التاريخي بمدينة النعمة في ظرف تاريخي يتسم بضبابية الرؤية حول المحطة المتوقع أن ترسو عليها سفينة الحوار بين السلطة والمعارضة، بعد أكثر من سنة على إطلاق الرئيس دعوة للحوار بهدف إخراج البلد من نفق الأزمة السياسية التي تعمل أطراف معارضة على تعميقها.
كان الرأي العام يتطلع إلى تحديد سقف زمني لإطلاق الحوار السياسي، باعتباره المسلك الوحيد الآمن للولوج إلى بر الأمان، حيث وصل الطرفان إلى نقطة اللا تفاهم، بعد أن تمترست المعارضة الممثلة في المنتدى وحزب التكتل خلف ممهدات تحاول فرض قبول نتائج الحوار قبل إطلاقه.
لقد شكل خطاب النعمة أهم بوصلة للرأي العام المتعطش إلى تجاوز الأزمة والتفرغ لتذليل العقبات التي تعترض سبيل التنمية، وطي صفحة المشادات الكلامية والقنابل الصوتية التي تؤخر ولا تقدم، فكان وضع الرئيس لسقف زمني لإطلاق حوار بمن حضر إيذانا بانطلاق قطار التوافق الوطني الذي رسا طويلا في محطة انتظار الجميع، لينطلق هذه المرة بالراغبين في السفر مع الزمن، تاركا خلفه من يفضلون العمل على الدوران عكس عقارب الساعة.
لقد لاقى خطاب الرئيس الأخير هوى في نفوس المواطنين الرافضين لوضع العراقيل أمام عجلات القطار، المدركين بأن ترسيخ الديمقراطية والاختلاف السلمي وفق القانون لا يمكن أن يمر بسلام ما لم يتحاور غرماء السياسة وفرقاؤها بغرض التوصل إلى المشتركات وتجاوز الخلافات قبل أن يعرضوا برامجهم على الشعب الذي يتولي تكليف بعضهم بتسيير شؤونه من خلال السلطة، ويكلف الآخرين بالمراقبة من خلال المعارضة.
وحتى لا يظل الخطاب منحصرا في دائرة التنظير المحض، قدم الرئيس مقترحات عملية من شأنها دفع البلد من مربع الركود والجمود إلى طريق الاستفادة من أخطاء وأعباء الماضي، والتأسيس للمستقبل الواعد على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن قرار حل مجلس الشيوخ سيوفر على الدولة ميزانية ضخمة كانت تصرف دون أن تعود بالنفع على الدولة أو المواطن من خلال استثمار تلك الأموال في مشاريع أخرى تعود بالنفع على المواطن البسيط وليس على ثلة قليلة من المتقاعدين، فمجلس النواب قادر على سن القوانين ومراقبة أداء الحكومة، فضلا عما سيوفره حل المجلس من وقت كان يضيع في متاهات مجلس الشيوخ لأوقات طويلة.
ثم إن الخلافات التي كانت تعصف بالأحزاب والجماعات المحلية وسوق بيع المستشارين، كل ذلك سيزول بمجرد حل المجلس.
أما المقترح العملي الثاني، فهو تشكيل مجالس جهوية محلية أدرى باحتياجات مناطقها، ستعمل على تعزيز اللا مركزية وتقريب الخدمات من المواطن أينما كان بدل مركزة مصالح الدولة في العاصمة نواكشوط.
ومن هذا المقترح سيتم تحديث مدن الداخل وتخفيف الضغط السكاني عن العاصمة، وهو ما سيمكن الدولة من تحويل العديد من الاستثمارات والمشاريع نحو المناطق الداخلية.
لقد أسس الخطاب لمرحلة جديدة ستفضي إلى عصرنة الدولة وإخراجها من نفق التجاذبات العقيمة، وسيدرك قادة المعارضة الراديكالية أخيرا أن القطار قد فاتهم، وأنه لا سبيل للحاق به بعد أن توقف لهم طويلا في آخر محطة انتظار.