يقول الرئيس محمد ولد عبد العزيز في خطاب الثالث مايو التاريخي :{{ إن الاستفادة الكبيرة والحقيقية هي استفادة الشعب... هي الاستفادة التي تشمل كل المواطنين، ولن تتحقق تلك الاستفادة الحقيقية إلا إذا امتلكنا رؤية إستراتيجية طموحة توفر أسباب النهوض بجيل الحاضر وتدخر استشرافا لجيل
المستقبل }} انتهى الاستشهاد
و الرؤية هي النظرة بعيدة المدى التي تصف رغبة الناظر في الحالة التي يحب أن يرى عليها مستقبل العالم النظير عليه. فعلى سبيل المثال: تتمثل رؤية رابطة آباء التلاميذ في (( إنتاج أجيال مدرسية خالية من التسرب والانحراف، مشبعة بالعلوم والمعارف متشبثة بفضائل المثل والقيم)).
غير أن الرؤية لا يمكن تجسيدها إلا عبر تخطيط استراتيجي يتم رسمه وصياغته طبقاً لمنهج علمي يأخذ في الحسبان:
1- التقييم الموضوعي لحالة الوضع الراهن من حيث الأسباب والتداعيات كخطوة أولى .
2- تحديد الصور المثالية، أو الغايات المرجوة التحقيق كأهداف.
3- توفير الوسائل المطلوبة واتخاذ الإجراءات المحددة لتحقيق هذه الأهداف وبلوغ تلك الغايات.
أيها الإخوة؛
لقد اعتمد الرئيس محمد ولد عبد العزيز ؛ في خطاب الثالث مايو أسلوبا تحليلياً مبسطاً سهل التناول والإدراك ، فقد اعتمد الرجل أسلوب التحليل الرباعي المبسط القائم على : تعزيز مرتكزات القوة لتضييق مكامن الضعف ، وخلق واستغلال سوانح الفرص لسد نوافذ التهديد، وذالك من أجل توضيح إستراتجيته الناجعة في مجال تسيير حاضر البلد والكشف عن رؤيته الطموحة لتحقيق مستقبل واعد
وقبل الشروع في تناوله الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية العام - ضمن المحورين التاليين - ألقي الرئيس من نافذة فتحها في خطابه بكتاب يدرك مضمون رسالته النخبة؛ يقول الأخ الرئيس محمد ولد عبد العزيز: {{ ... منذ سنوات لم أتكلم في مهرجانات من هذا القبيل نظراً لانشغالي شخصياً وانشغال الحكومة في السهر الدءوب من أجل تدبير أمور تحسين الظروف المعيشية للمواطنين وتأمين سلامتهم وصحتهم ، وترتيب أولويات تنمية هذا البلد ‘‘من باب تقاسم الأدوار’’.}} انتهى الاستشهاد.
المحور الأول: المحور الاقتصادي
والملفت في هذا المحور ليست الدقة في الإحصائيات والأرقام، ولا الشمولية في العرض والتشخيص بل الصيغة التأسيسية والمنهج العلمي الذي يرى في الإجراءات المصاحبة والملحقات المكملة ضرورة لضمان جدوائية المشروع وصيانة المكسب . فمثلاً: من أجل إنجاز مصنع للألبان في النعمة تتطلب نجاعة المشروع :
• تجهيز ملحقات مكملة مثل:
- إنشاء مشروع محمودة لتحسين السلالات الحيوانية
- بناء مصنع لإنتاج الأعلاف
- بناء مصنع لتقشير الأرز الخام محلياً لتوفير المواد الأولية في صناعة الأعلاف
• اتخاذ إجراءات مصاحبة مثل:
- بناء محطة وشبكة كهربائية لتغذية المنطقة بالطاقة اللازمة
- الدفع بإجراءات تدفق مياه رافد مشروع اظهر
- تلك الحملة التوجيهية المباشر من أعلى سلطة في البلد لرفع معنويات المواطن البسيط وتنويره ، وتحسيسه بقيمة مصادره الطبيعية ، وضرورة حفاظه وصيانته لمكتسباته ومنجزاته.
وبإعلانه أن ثروة البلاد حيثما وجدت من التراب الوطني هي ملك لجميع الموريتانيين ، واعتماده أسس ارتكاز سليمة في مجال التنمية يكون الرئيس محمد ولد عبد العزيز ؛ قد بلور ملامح رؤية اقتصادية جديدة ، ورسم خطة إستراتيجية قوامها التوازن والإنصاف على عكس الخطط السابقة التي ظلت عرجاء نصف قرن بسبب افتقارها لأهم أسس الارتكاز المطلوب في التنمية . وهذه الأسس هي:
الأساس الأول : وهو مرتكز توازن التنمية بين مختلف أقاليم البلد باستحداث قطب تنموي في ذالك الجزء القصي من الوطن والذي ظلت موارده ومقدراته مطمورة ومنسية طيلة الخمسين عاماً تلك . يقول السيد الرئيس: {{ إن الدولة تبنت إقامة هذه المنشأة الصناعية واختارت ولاية الحوض الشرقي لاحتضانها بعد أن عانت هذه الولاية لعقود من التهميش}}.
والأساس الثاني : هو تفعيل أهم رافعة في مجال البناء والتنمية ، ذالك المواطن الذي هو غاية التنمية ووسيلتها ، فاستنهاض همم المواطنين ومنحهم حق الاطلاع على الأمور المتعلقة بتسيير شؤون بلدهم سيعزز ثقتهم النفسية، ويرفع من روحهم المعنوية ، ويحسن مستوى مشاركتهم في جهود البناء الوطني. يقول السيد الرئيس: {{ لكم الحق في التعرف والاطلاع على أحوال وحقائق الأمور المتعلقة بتسيير بلدكم ، ونحن كقيادة من واجبنا إطلاعكم على تلك الحقائق؛ هناك أزمة اقتصادية عالمية فعلاً، مست معظم بلدان العالم ، لكن بلدنا موريتانيا العزيزة بخير وفي ظروف اقتصادية حسنة والحمد لله رغم تراجع مدا خيل القطاع المعدني . }}
أما الأساس الثالث: فهو الأساس المتعلق بالتعبئة المجتمعية حيث ركز الرئيس في كل محاور خطابه على أن المسؤولية متقاسمة بين المجتمع والدولة و الفاعلين وكل الأطراف مستفيدة ومعنية .
المحور الثاني : المحور السياسي والاجتماعي
إذا كان الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد تناول بعمق وصدق أهم القضايا السياسية والاجتماعية في هذا المحور ، فإن مواضيع بارزة شكلت منذ فترة مجال شدٍ وجذب بين مكونات الطيف السياسي والاجتماعي مثل : موضوع الحوار والدستور ، ومسألة الوحدة الوطنية ، وقضية العبودية ، ومشكلة التعليم ، قد أخذت من اهتمام الرجل الحيز الأوفر. لكونه لم يكن ‘‘يتخبط’’ بل كان يحضر لوضع أسس ناظمة جديدة في إطار مقاربة الحسم لحل هذه الإشكالات المتعلقة بالتنمية السياسية و التسوية الاجتماعية.
ففي إطار حسم مسألة الدستور يقول الرئيس: {{ أنا لن أكون عقبة أمام ترسيخ الديمقراطية السليمة في موريتانيا...}} ويقول أيضاً: {{ إن الحكومة ستقدم إلى الحوار مقترحًا يُعرض على الاستفتاء الشعبي يقضي بإلغاء مجلس الشيوخ ... كما يقضي بإنشاء مجالس جهوية لتنمية الولايات.}} انتهى الاستشهاد
(وهذا كلام غير مشفر، فقد لا يتطلب فك طلاسمه استفزاز وزير!)
وفي موضوع الحوار – يقول الله سبحانه [[ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ]] وامتثالاً لهذا التوجيه الإلهي وتأسيساً على هذه الرؤية الربانية ، يعلن الأخ الرئيس :
{{ أن الحوار الوطني سينطلق خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع ، وأن المستعدين للحوار خدمة لموريتانيا والشعب الموريتاني، سيكونون موضع ترحيب بدون شروط مسبقة والصدور رحبة للوصول معهم إلى الحلول المناسبة لمصلحة البلاد}} .
أما الوحدة الوطنية فجاءت في خطاب الثالث مايو التاريخي مقرونة بالإسلام، وما ذالك – طبعاً - إلا لشدة الاعتبار بها كشرط بقاء وأساس بناء لا يمكن التساهل مع دعاة هدمه. فإذا كان الإسلام هو الإطار الناظم لكل مكونات هذا المجتمع ، والمشترك الأول على سلم مقدسات الموريتانيين بكل إثنياتهم والمرجع الأساسي في تعاملاتهم ومعاملاتهم فإن تعزيز الوحدة الوطنية شرط في خدمة وصيانة ذالك المشترك. يقول الأخ الرئيس :{{ لا ينبغي أن يكون فوق الوحدة الوطنية إلا الدين الإسلامي الذي لا ينبغي كذالك توظيفه للأغراض السياسية والمكاسب الحزبية... ويقول أيضاً: لا ينبغي الانجراف وراء الدعايات العرقية التي يروج لها دعاة الفتنة ، وأؤكد على أن هؤلاء ليس لهم مكان في بلدنا المستقر والمستقل، وعلى أن الحفاظ على استقراره واستقلاله مسؤولية الجميع .}}
وقد تناول الأخ الرئيس قضية العبودية ضمن ثلاثة أبعاد:
البعد الأول : بعد تاريخي، حيث تأسف الأخ على أن المجتمع الموريتاني كان قد عرف – كسائر شعوب العالم - ظاهرة العبودية المقيتة
البعد الثاني : بعد أخلاقي، فنبه الرئيس على أن البعض يقتات على قضية العبودية سياسياً ومادياً عبر أفكارٍ و أساليب مضرة و مشينة غايتها تمزيق المجتمع وتفكيك لحمته ، وهذا النوع من المسلكيات منبوذ ومرفوض، يرفضه الشعب والدولة والنظام.
وأما البعد الثالث: فهو أساس التسوية ، لقد أكد الرئيس اعتراف الدولة بضرورة تكاتف الجهود من أجل مواجهة تلك المخلفات والآثار، فوصفها بالأمراض التي يجب استئصالها ومكافحتها بصدق وأمانة.
ولاستفاء شروط التسوية الاجتماعية على أساس العدل والمساواة، وتصحيح المفاهيم السياسية من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية السليمة، عمل الرئيس على تركيز الأساسين التالين:
الأساس الأول: تحديد ضوابط الممارسة السياسية وترشيد الحريات العامة وفي هذا الإطار حذر الرئيس من مخاطر الممارسات التالية :
- استغلال الدين لتحقيق المكاسب الحزبية
- تهديد الوحدة الوطنية بإثارة النعرات العرقية والطائفية ، ونشر الدعايات المغرضة
- سوء استغلال جو الانفتاح وإطلاق الحريات العامة لتحقيق غايات أنانية ضيقة تتعارض مع خدمة المصلح العمة.
الأساس الثاني: التسوية الاجتماعية وقد أكد الرئيس في هذا الإطار أن التسوية الاجتماعية تحدث بتحقيق المطالب التالية:
- مطلب متعلق بصيانة منظومة القيم المعنوية والأخلاقية العامة،كاحترام المقدسات وتقويم المسلكيات.
- مطلب متعلق بتعزيز الأمن و إشاعة السلم الأهلي ، كمحاربة الإرهاب والتطرف وعصابات الجريمة المنظم وتوزيع والمخدرات.
- ومطلب معتلق بتأهيل نظام التربية والتعليم كي يتمكن من الاضطلاع بدوره في ترقية الفرد والمجتمع.