قبل أعوام غير كثيرة وتحديدا في العام 2003م كنت ذات مساء بدولة الإمارات العربية المتحدة في لقاء بالمجلس العامر لاحد القضاة الأفاضل هناك ... كنا مجموعة من الشباب (بالمفهوم الخليجي للكلمة الذي يتساهل في استخدامها حتي لتكاد تكون مقاربة أو مساوية لأعمار أمة محمد صلي الله عليه وسلم)، كان الهم الوطني
يومها يجمع الحاضرين بينما فرقتهم الأعمار والأهواء السياسية والانتماءات الايديولوجية وأشياء أُخَرْ ...
كان الجو قائظا اذ ذاك فنحن ساعتها في شهر مايو وان لم تخني الذاكرة فقد كنا في العشر الأول منه..... كنا قد تحلقنا حول الشاشة الصغيرة وهي تنقل مقتطفات من خطاب للوزير الأول الشيخ العافية ولد محمد خونه من دار الكتاب بمقاطعة لكصر، تهجم الرجل بشدة علي الحجاب والنقاب واصفا إياه بانه من السلوك الغريب علي مجتمعاتنا ، ولأن خطاب الرجل يومها جاء في سياق عام لمحاربة التيار الإسلامي والتضييق عليه - إذ سبقه اغلاق (جمعية الحكمة الاسلامية ، وفرع معهد الامام وكذا الجمعيات الخيرية والشبابية) - فقد كانت نبرته حادة وكلماته جارحة ... تلفت أحد حضور مجلسنا ذات اليمين وذات الشمال قبل أن يقول : "هذ الخلط بعد اراهم اخلاو ذي المرة اخلعن ..." لم ينبس أي منا ببنت شفة إذ كان الرجل أكبر "الشباب" سنا كما أنه ضيف علي المجلس .... ولعله أحس بنشوة وقع كلماته فعاود وبنبرة أقوي وأشد .. (الخلط هذ المرة في خطر) ...
وعلي رأي الشاعر المبدع "احمد مطر" .. لم يشتك الناس فقمت معلنا " يا سيدي وأين الخطر " ... فرد صاحبنا على عجل : ( الرجل لا يتكلم من فراغ ... وهو ذا خطوة مكينة عند ولد الطائع الذي يتربع اليوم علي قلوب الغربيين الذين يتسابقون لخطب وده، ناهيك عن شعبيته العارمة في البلد بسبب انجازاته الجمة وأعماله الجليلة ومشاريعه الكبري التي أنجز والأمن المستتب ورفع الرواتب ........
ولم تمر بعد مجلسنا ذلك سوي أيام قليلة حتي بطش ولد الطائع بالشيخ العافية وأقاله فجأة من كل مناصبه وجرده من وظائفه ، حتي أصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون : لو لا ان من الله علينا لخسف بنا ، وبعد ذلك بأقل من شهر حطمت صولة فرسان التغيير هيبة الرئيس ولد الطائع وأرهقته ثم بطش به حارسه وجنديه المطيع البطشة الكبري... وظلت مؤسسات ومعاهد الخير وظل معها كذلك أفراد ومؤسسات هذا التيار الضارب في جذور هذا المجتمع بكل أطيافه ومكوناته ...
تذكرت هذه الحادثة وهذ الحوار خلال الأيام المنصرمة وأنا أتابع بأسى وحزن الحملة الظالمة التي يتعرض لها حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" ... فأحببت أن أسطر هذه الملاحظات علي عجل :
1. تبدو هذه الحملة منسقة ومنظمة وبتعليمات عليا والا فما معني أن يخرج ولد أحمد دامو الذي صام سنوات وعاود الإفطار قبل رمضان علي المطالبة بحل حزب تواصل وإلغائه من الخريطة السياسية بل وإبعاده عنها حتي لا يعكر صفو السيد المختلطة أوراقه ، وما معني خرجة ولد محم غير الموفقة التي لم تحو سوي تهجم علي تواصل وأهل تواصل واتهام تنقصه الأدلة للأخ أحمدو ولد الوديعة بانه "دَهْرَ " جميل ، ثم ما معني ان يحج وزير المال والاقتصاد الي توجنين ليتهجم علي الإسلاميين ويتهمهم اتهامات باطلة بل وسخيفة ثم يحدث الناس هناك في مهرجان للحزب عن المال من أين يجب أن يكتسب وفيما يجب أن ينفق ؟ ...كبرت كلمة تخرج من أفواههم ...
2. كان المستشار الرئاسي الدكتور محمد اسحاق بن الداه بن سيدي المين بن أحمد - كما عرف نفسه بنفسه في مقال نشره بموقع الحصاد بتاريخ (الخميس 24 فبراير 2011م ) ، تحت عنوان : " شاهد عيان من ليبيا" وتعهد فيه بالدفاع عن العقيد القذافي والقتال الي جانبه واصفا مجرد التفكير في تركه بالرذالة علي حد وصفه، بيد أنه لم ينه سطوره الاخيرة حتي أسلم ساقيه لريح الجبن – علي حد وصف المدون الطيب ولد ديدي- من سرت الي نواكشوط – كان هذ المستشار –إذا - وانا تعمدت ان لا انسبه للولي الصالح والرجل العالم " الكنتي " رحمة الله عليه فهو "ليس من أهله " .. كان أصرح القوم وأقدرهم علي التعبير عن ما يجول في خواطرهم ، وكان لقاء الساحل مفصلا في الأمر وعنوانا فارقا فيه ...
كان الرجل حانقا علي القوم الي أبعد الحدود وظل يكرر أكثر من مرة أن "الإخوان املانين من الفظ ... املانين من الفظ" لم ير الدكتور المستشار دكاترة الاسلاميين ولا علماءهم ولا أطباءهم ولا مهندسيهم ولا حفاظهم الكثر ولا أئمتهم ولا حتي نساءهم بل ولم ير سوي أموالهم ... وتلك شنشنة عرفها من رئيسه وأخذها عنه سندا عاليا بلا واسطة ....
بدا المستشار حانقا لأن زمرة من خيرة أطباء البلد في كل التخصصات تكاتفت جهودها مع بعض تبرعات رجال أعمال وخيرين محسوبين فكريا علي التيار الإسلامي ولا علاقة لمبادرتهم البتة بأي إطار حزبي فأنتج ذلك " طب الاصلاحيين " كما يحلو للمستشار أن يسميه، ولست أدري ما الذي يغيط الرجل من أن طبيبا ناجحا ماهرا يترك عيادته الخاصة وطوابير الميسورين الذين جاءوا راضين يدفعون له رسوما سخية ليداوم يوما أو بعض يوم بمستشفي النور يخفف بعض آلام تخلت الدولة عن تخفيفها ويجفف دمعة لم تهتم وزارة الصحة "المريضة " بمسار نزولها ... " ورحم الله انسيب الخلطه ذوك " ...
3. لم اك حقيقة في بادئ الأمر أفهم أن يتهجم من يقدم نفسه علي أنه دكتور وباحث علي علماء بحجم الشيخ محمد الحسن ولد الددو أو أن يتهم قامة سياسية سامقة بحجم الاستاذ جميل منصور– حتي ولو اختلف معه - بالجهل أو العلمانية لكنني بالرجوع قليلا الي الوراء انصفت الاستاذ والكاتب الإعلامي الكبير باباه سيدي عبد الله حين وصف هذ المستشار ب "أنه يقفو ما ليس له به علم ويتقول علي الناس الأقاويل وهو يتخفي خلف اشباح تهتك أعراض الناس " ثم حين وصفه كذلك في ذات التدوينة ب "أنه يورد عطاشه مهالك التقرب لنظام فاشل يدفع له راتب وزير ليسب العلماء ويفتري علي الناس الكذب"
كما أدركت سر كلمات المدون الكبير الطيب ديدي حين قال بالحرف الواحد : سفسطة جديدة من سفسطات المستشار الكنتي، سفسطة جديدة موافقة لما سلف من مواقفه وكتاباته التي تتخذ من الشيخ محمد الحسن ولد الددو منصة للشتائم كلما انتصف الشهر وقلت الدراهم، واحتاجت الأسرة إلى شيء عاجل من فلنتاين “سلكوي ، هذه المرة حاول المستشار أن يكون مشعورا، لكن القدر أشعره ليكون بدنة من البدن اللاتي تنحرها أطماعها، وتجري ماء الكرامة من عروقها على مذبح الطمع والجوق وبيع اللسان مقابل وجبة، مقابل رصيد .... انتهي الاستشهاد "
واخيرا هداني ربي الي سر الامر حين عرفت من بعض مقربي صاحبنا ان الدكتوراه التي يحمل من مدينة "سرت " التي كان سيدافع عنها وأنها في الكتاب الأخضر وعلومه ,,,, ولا عبرة بعد ذلك بالعناوين والالقاب فالعبرة بالمضمون لا بالمكتوب .
4. ملأ علينا مئات الكتاب وأنصاف الكتاب وأعشار أعشار الكتاب من خلايا القصر الإعلامية الفاشلة ممن يقلون عند الفزع ويكثرون عند الطمع الفضاء الأزرق خلال الأيام المنصرمة تهجما علي الإسلاميين ومطالبة صراحة أو مواربة بحل حزبهم وتغييب وسجن قادتهم ، ورغم أن الإسلاميين لا ولم ولن يتمنوا مكروها لأنفسهم أو "لقاء عدو" لكنهم مع ذلك " ليسوا لحويط لكصير" ويعرف عزيز جيدا حين كان يحرس موائد وسهرات سيده وولي نعمته أين كان الإسلاميون وماذا كانوا يعملون .... يعرف أكثر من غيره – ربما – موقعهم في منظمات المجتمع المدني ونقابات الأطباء والصيادلة والتجار والمحامين وروابط الأئمة والدعاة والعلماء ... وقبل ذلك كله وبعده يعرف مكانتهم بين أفراد المجتمع الذي هم جزء أصيل منه صنعوا لأنفسهم مكانة سامقة فيه بوسطيتهم واعتدالهم وصبرهم علي المشروع السياسي الإسلامي الواضح المعالم الذي يسعون إليه وينشرونه عن وعي وفهم وصبر وإذا ما سولت للجنرال يوما نفسه أو أغواه مستشاروه أو رأي في أضغاث أحلامه ان الخطوة الأولي في طريق توريث نفسه لنفسه وخلق فرعون العصر من نفسه هي تحييد الإسلاميين ومسح الطاولة منهم فإنه واهم واهم فالاسلاميون يا سيدي هم من كان نواة الحراك السياسي القوي الهادر الذي زلزل الأرض من تحت أقدام سيدكم وفتح الطريق لاحبا لكم لتركبوا موجة التغيير والانقلاب وما ازدادو إلا وعيا ونضجا واستبسالا في الدفاع عن مشروعهم وخطهم السياسي الآنف الذكر ............ وإن عدتم عدنا .