من نتائج الإستقطاب السياسي المفُرِط في البلد، أنه أصبح من المهم جدا عند المعارضة الراديكالية أن لا يكون الرئيس مُنتخبا و أن لا يتمتع بشعبية جارفة، فالتفاف المواطنين حول أى رجل سياسي أمر لا يُبَشر بالخير نهائيا، رغم أن تلك الطبقة السياسية ستسْحَبُ عليه وصف الشعبوية للتخفيف لفظيا من شعبية أي رئيس.
أما وإذا أراد الله ـوما شاء الله كان – أن يجعل الرجل محصنا دستوريا و عبر الشوط الأول، فإن الأمل سينصب على أن يكون ضعيفا في رؤيته، معزولا في رُكْنِه، فاقدا لأي طُموح، غير واثق من نفسه و لا من الطاقات التى يتوفرعليها بلده.
أن يتجاوب مع نبْضِ الشارع و أن يعمل مثلا على تنظيف المنطقة التى دنستها سفارة إسرائيل خلال مأموريات ثلاثة رؤساء للبلد وأن يتم طردُ سفيرها جهارا نهارا، فهذا خبرٌ سيئ من وجهة نظر المعارضة.
لابد من الإستفادة من الإضطرابات التى حركتها بعض القوي الإسلاموية واليسارية في تحالفِ فوْضي الربيع العربي، و لذلك فان هذه المعارضة ستعمل، من فرطِ حبها و وفائها للشعب الموريتاني، أن يتَنَزَلَ في حال الشعب الليبي، السوري أو اليمني..
لكن أن يستطيعَ الرئيسُ كبْحَ جِماحِ فوْضي الربيع العربي الذي رُكِبتْ أمواجه محليا وأن لا ينجح فقط فى منْعِ تثْويرِ العامة من السُذج بل ومن منع "الثواربالوكالة" في الحصول على ضحية واحدة رغم عملهم على الإستفادة من طلقة نار من أي مصدر، لتأجيج الوضع و صب الزيت على النا. أن لا يحصل هذا و أن لا يستطيع النظام فقط تأمين البلد، بل وأن ينجح فى توظيف المشهد برمته لصالحه، وأن يصنع الحدث في مركز الإهتمام الدولي، فهذا أمر مُقلق لهذه المعارضة المحترمة.
مصائب قوم عند قوم فوائد، و لذلك فإن هذه الطبقة باتت متعلقة بآمال جديدة تماما. وكيف لا و"القاعدة" صارت تراهن على إمارة كبيرة فى الساحل و صارت مواردها مضرب مثل. بعضهم دعوا الله-مخلصين- أن تنْجَحَ تلك العصابات في زعْزعة الدولة، سبيلا إلى تقويضِ النظام على طريقة الأرض المحروقة.
لكن أن يظهر رئيس في منتهي الجاهزية و فى قمة العطاء على المستويين التكتيكي و الاستراتيجي و أن يضرب الإرهاب ضرباتٍ متتالية فهذا أمر سيئ. تتبعثر أوراق المعارضة ولسان حالها يقول أما إذا كان و لابد، فدعونا نُعلِنُ للرأي العام حقيقة هذه الحرب التى تقوم بها موريتانيا من أجل فرنسا ساركوزي.
المعارضة ستحملُ حقدا صافيا على أي رئيس يتحرك من أجل مصالح بلده، لذلك لابد من تلفيق عدد كبير من الأكاذيب الجاهزة للإستهلاك السياسي فى محيط السُذٌج.
الرئيس مع إيران، بل يبدو أنه مع الإمارات، لا الرجل يعمل بوضوح لصالح قطر و تركيا، حليفٌ للمغرب ضد الجزائر، لا العكس أقرب هو إلى الجزائر، مع سوريا، مع السعودية.. لكن عندما يظهربوضوح للداخل والخارج أن الرئيس يتحرك على زاوية 360 درجة من أجل البحث عن مصلحة موريتانيا فقط و لاشيئ غير موريتانيا، فلابد أن الأوراق ستختلط على هذه المعارضة الموقرة و في النهاية، تصاب بالصداع السياسي.
أن يتم تنصيب رئيس الجمهورية رئيسا للإتحاد الإفريقي و أن يتم هذا في أديس أبابا -و هو أمر له رمزيته- فهذا أمرٌ يجب التصدي له بكل الوسائل و لاسيما عبر الطوابير المعروفة بقدرتها العالية على التشكيك، لكن أن ينْجَحَ الرئيس بشكل باهر في تسيير مهامه و التزاماته كرئيس لأكبر منظمة سياسية إفريقية، وأن يقودَ القارة إلى اوروبا و الصين و أمريكا و أستراليا و أن ينجح في الظهورِ كزعيم حقيقي، فإن الأمر يُشكل معضلة لابد أن تجتمع قيادات المعارضة و أن تتشاور في أنجعِ السبلِ للحد من تأثيراتها على المستويين المحلى و الخارجي.
إن أي رئيس يطْمحُ لإنجازات كبري سيكونُ رئيسا "صعْبا"، لذلك فإن أمورا مثل تحرير الفضاء السمع-بصري، يشيدُ عشرات المستشفيات، يؤسسُ شركة للنقل الجوى واخري للنقل البري، مطارا حسب المقاييس الدولية، عماراتٍ شاهقة للقطاع العام، مشاريع زراعية و جلب مياه، كهرباء، مشاريع بيئية، تشييد مدن، طرق، موانئ، مصانع، كلها أمورلا يجبُ على أي رئيس التوجه إليها إذا كان يريدُ أن ترضي عنه المعارضة.
يجب أن يكون الرئيسُ غير قادرٍ على مواجهة الأزمات الخارجية و أن لا يستطيع التكيف مع المناخ الإقتصادي الدولى الصعب في سياق اقتصادي تتهاوى فيه أسعار المواد الخام. يجب أن يختل ميزان المدفوعات و لا بأس في انهيار أهم الشركات المعدنية إذا كان هذا سيُنعِشُ ّآمال المعارضة في الوصول إلى السلطة.
لكن أن يستطيع النظام التكيف مع المتغيرات و أن ينجح فى تطبيق حزمة من الإصلاحات المالية تدعم استقلالية البلد ماليا و تضمن التوازنات الكبري في ميزان المدفوعات مع ميزانيات استثمار متزايدة و أن يتم اعتماد نظام ضريبي أكثر صرامة و أكثر مردودية للبلد، أن يحصل هذا فإن الأمر يُشكل أمرا سيئا عند هذه المعارضة "الوطنية" المهتمة حصريا ب"مصالح الشعب".
أن تَتَخَلفَ موريتانيا عن حقها وعن واجبها في تنظيم القمة العربية فهو أمر مقبول لبعض هؤلاء السياسيين لكن أن يأخذ الرئيس مسؤولياته وأن تُنَظِمَ بلادُ شنقيط قمة تاريخية بعد أكثر من أربعين سنة على انضمامها إلى الجامعة العربية، فهذا أمر لا يخدمُ هؤلاء لما فيه من معاني الحضور و القيادة و الإنتماء.
و في النهاية يظهر أن بعض السياسيين المعارضين يأملون في وجود رئيس ضعيف، بلا طموح، قابل للتدْجين، بلا رؤية، بلا شعبية، ضعيف الإستقلالية خارجيا و لسوء حظهم، الرئيس محمد ولد عبد العزيز لن يكون أبدا هذا الرئيس.