للإصلاح كلمة تتعلق بالهرج والمرج بين الموالاة والمعارضة هذه الأيام / محمدو ولد البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تعلن للموريتانيين تأسفها العميق في هذه الأيام بعد خطاب الرئيس في النعمة من كثرة التعليقات الناسفة لهذا الخطاب من أصله والمزكية لجميع ألفاظه .
وسبب هذا التأسف أن جميع الناسفين والمزكين هم أبناء هذا الوطن المسلم كله ، ومعلوم أن الإسلام لم يترك الإنسان سدى لا فكره ولا قوله ولا فعله وكل واحد من هؤلاء

 يعلم أن الله يقول في هذا الوحي المبين (( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )) ويقول(( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون )) .
ويعرفون كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقـل خيرا أو ليصمت .
ويلاحظ في هذه الموجة الطاغية من الكلام والتعليقات النابية من كل من الجانبين والموغلة في التفنن في لعق أعراض الناس من كل جهة ومن كل مكان في دينهم وأخلاقهم وحركاتهم وسكناتهم ،مع أنهم لا يعرفون شيئا عن ما يرمون به غيرهم .
ومن المؤسف أن هذا شمل الجميع سواء كانوا إخوانا مسلمين أو مسلمين أعداء لا أخوة  بينهم. 
ويلاحظ هنا كذلك في هذه الأيام أن هذا اللعق للأعراض لم يتورع عنه إلا القـليل أو بعبارة أخرى إلا من رحم ربك كما قال تعالى لأصحاب الإفك (( ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنـتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به  علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم )).
فهذه الإفاضة في التعليقات الخاطئة لم يحل بيتها وبين قائلها سمو وظيفة ولا نوع شخصنة هذه الوظيفة ولا الثقافة العالية ولا المنزلته الاجتماعية( عند نفسه على الأقل) ، وقبل ذلك كله ، ولا إسلامه الذي بين له بكل وضوح المسؤولية الشخصية عن كل ما يصدر من المرء قولا كان أو فعلا يقول تعالى (( هانتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا )) .
فالجميع قد قـرأ قول مالك رضي الله عنه : ما من كلام إلا يؤخذ منه ويرد إلا كلام صاحب هذا القبر ، ومع وضوح هذا المعنى عند كل مسلم فإن الموالاة استوعبت خطاب الرئيس وكأن جميع فقراته لا لغو فيها ولا تأثيم ، وكذلك فإن المعارضة جعلته كله منكرا من القول وزرا ، وأنه أساء فيه إساءة مباشرة لفـئة من شرائح المجتمع إلى آخر ما صدر من الموالاة من تزكية مبرزة لهذا الخطاب وما سفهته به المعارضة من تسفيه .
ومن هنا يعلم المولى عز وجل أن النصح الذي طلب من كل مسلم لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم قد أوضحنا فيه كثيرا أن نظام الموالاة والمعارضة بهذا الشكل الديمقراطي الذي هو لا شرقي ولا غربي لا ينسخ تعاليم الإسلام الذي أوضح فيها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع في قوله : إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ...الخ الحديث الصحيح المشهور .
وأعني بأنه لا شرقي أي غير صادر من مكان انتشار شعاع التعاليم الإسلامية وهو  مكان مهبط الوحي المنزل من الله فوق هذه المعمورة والتي يلخصها قوله تعالى (( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحينه حياة طيـبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون )) ومعلوم أن " من" من ألفاظ العموم تعني الموالاة والمعارضة على حد شواء .
وكذلك فإن نظام المعارضة والموالاة عندنا لا غربي، لأن الغرب نظام الموالاة والمعارضة فيه مقـنن عندهم وهما متساويان في تسيـير الدولة، والوظائف المهنية والسياسية التي يتولاها الحزب الحاكم معروفة ومحددة وانتقاد المعارضة للموالاة في هذه الوظائف مقنن كذلك ، أما تسيـير الدولة خارج هذه الوظائف فهو مشاع بين سكان الدولة جميعا كل حسب ملفه لا موالاة فيه ولا معارضة بل هو خدمة الوطن والمواطن .
فالرئيس لا يحتاج إلى موظفين متخصصين في شـتم من ليس يمدح فعله هو كله بل هو محتاج إلى موظفين اجتماعيين  متخصصين في لحام العلاقات الوطنية والأخوية بين المواطنين  وهم كثـر ولله الحمد في الموالاة ، والمعارضة  لا تحتاج إلى كتاب أو مصرحين متخصصين في شـتم الموالاة خارج الاعتراض القانوني وهم كثـر أيضا ولله الحمد في المعارضة  .
فـنحن الموريتانيون يلاحظ أنا سلـكنا في الديمقراطية طريقا ثالثا لا شرقية ولا غربية بالمعنى أعلاه .
فمن بداية الديمقراطية العسكرية الفوضوية سنة92 وموالاتنا ألزمت نفسها بتـقديس كل من حكم البلاد وابتلاع كل ما صدر منه سواء كان سما قاتـلا أو لبنا خالصا سائغا للشاربين حتى أحدثنا ثـقافة لا تستعملها إلا الدول الملكية ، فكل وزير منا أشرف على عمل في وزارته فلابد أن يقول عند الانتهاء أنه عمل هذا بالتوجيهات السامية من فخامة السيد الرئيس وبإشراف مباشر من السيد الوزير الأول فلم يبق من الملكية إلا كلمة جلالة الملك وحكومته الرشيدة ، فهنا ينسى الموظف نفسه تماما ويصبح مثـل آلة لا ينسب إليها إصلاح إي شيء مع استحالة إصلاحه إلا  بها .
فالمسلم الموظف يقول له المولى عز وجل (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبـئـكم بما كنتم تعملون )) .
وهذا العمل لا يراد به العبادة فقط بل يشمل قوله تعالى(( ولا يعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثـقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : كلـكم راع وكـلكم مسؤول عن رعيته الخ الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم : ما من راع يسترعيه الله رعية يموت عنها يوم يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة ، وهذا يستوي فيه الرئيس والبواب ، فكما أن شكل نزع روحهما عند انتهاء أجلهما واحد فكذلك مسؤوليتهما أمام الله بعد ذلك واحدة  كل حسب مسؤوليته .
فرئيس الجمهورية أعطاه الدستور حق التعيين في الوظائف والعزل منها ، ولكن هذا التوظيف مبني على أساس تجب مراعاته وتنـتهي مهمة الرئيس بعد التعيين وتبقي مراقبة الله للموظف في الدنيا وجزاءه عليها في الآخرة إن خيرا فخير وإن شرا فـشر .
ولكن الثقافة السائدة عندنا أن جميع الوظائف في الدولة هي ملك للرئيس فعلى كل من أسندها إليه من وزير أو مكلف بمهمة أو مستشار أو مدير في أي قطاع عليه بعدها أن يلهج دائما وأبدا بمدح هذا الرئيس بالواقع وبغير الواقع ويستمر على ذلك حتى ولو خلعه مادام يطمع بأنه سيعينه في مستـقبل حياته، فمهما كانت عبقريته وفنيته وإخلاصه في العمل كل ذلك يذكر أنه من أجل الرئيس وليس من أجل التعاليم الإسلامية ولا من مصلحة الوطن والمواطن .
وبالمقابل فإن المعارضة لم يجعلها معارضة إلا أنها اختارت هذا المكان من نظام الدول الديمقراطية ولم يكن أبدا معناها في الديمقراطية إذا أعترف بنجاح الرئيس في الانتخابات أن هذا الرئيس وكل من عينه الرئيس فهم تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون .
فالمسلم عليه أن يزن كل قول أو فعل بميزان الشرع وإن لم ينظر إلى الشرع (لا قدر الله) فليزن بميزان الديمقراطية وليستوعب أساليبها المستقيمة قليلا والملتوية كثيرا ولكنها الديمقراطية ، فالتناوب على السلطة ما معناه أنه عندما يأتي زيد فلا بد أن يأتي بعده عمر تلقائيا ، فزيد يمكن أن يستمر في الحكم ديمقراطيا إما مستقيما أو ملتويا حتى تسقطه الديمقراطية مستقيمة كانت أو ملتوية ، ولكن كل هذا لا ينسخ حكم الله في الإنسان بعد انتهاء أجله طبقا لما كان يعمل مواليـــا أو معارضا مستقيما أو ملتويا يقول تعالى (( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتـنة أو يصيـبهم عذاب أليم )) .
فإن كان للمسلم أن يتمنى شيئا لم يخلقه الله أبدا فـيتمنى نافذة من علم الغيب يطلع منها على ما فعله الله بمن مات من الموالاة والمعارضة وما سيموت من بداية الديمقراطية العسكرية الفوضوية حتى الآن .
ومن هنا ولأهمية واستـنكارا لتصريحات والتصريحات المضادة التي صدرت بعد خطاب الرئيس في النعمة ، فإني سوف أعود لملاحظة خطورة تلك التصريحات على أصحابها في الدنيا والآخرة.
فمن المعلوم أن التصريحات لا تـقال في أغلبها إلا للكلمات الصادرة من صاحبها ، والإسلام قسم الكلام إلى طيب وخبـيث ، وضرب للإنسان مثـلا بذلك فقال:(( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها ))
وأنا هنا لا أفسر الشجرة بالكلام البشري لأنه أبلغ منه التفسير القرآني فهي أصلها ثاب وفرعها في السماء الخ الآية .
وأما الكلمة الخبيثة فقد قال القرآن أن شجرتها اجتـثت من فوق الأرض مالها من قرار أما لنبي صلى الله عليه وسلم فقد قال أن الكلمة الخبـيثة تحاول أن تصعد إلى السماء مثـل الكلم الطيب الذي يصعد إلى الله إلا أن الملائكة يردونها إلى أسفل سافلين ، وفي آخر محاولتها تعود إلى صاحبها ليتصف بها بعد تسجليها في سجله السجيني  في الأرض السابعة .
ولاشك أن كلا من الموالاة والمعارضة أطلق في هذا الهواء ( وتارة عن طريق الأثير) كثيرا من الكلام مثـله لا يصعد إلى الله ولم يلاحظ أي مستمع أنه وجد من الفريقين من يتـنبه إلى ذلك  .
فمهرجان المعارضة لم تزك فيه كلمة واحدة من خطاب الرئيس ومهرجانات المعارضة لم يعترض فيها على كلمة واحدة من كلام الرئيس وبدلا من ذلك خرج خطباؤها عن الموضوع إلى الأماكن التي حرم الله الخوض فيها من أعراض الناس ولا بعلمون حقيقتها بل رجما بالغيب فقط  والله يقول (( هانتم هؤلاء حاججتم في ما لكم به علم فلما تحاجون في ما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) .
ومن جهة أخرى كان بوسع المعارضة أن تجعل كلمتها في مهرجاناتها على شكل ملاحظات تـنـتـقد فيها ما ترى فيه النقد الواضح لكل أحد ، وترد الموالاة على تـلك الملاحظات بشرط أن ترى فيها ما يرد عليه ، أما أن يعطي كل واحد منهما الحق لنفسه في أن يسمم الأجواء الوطنية بما يضحك الشيطان من كثرة اتباعه في تلك الخطابات ـ فـتـلك مصيبة هي أغنى ما يستغنى عنه الوطن والمواطن في هذه الأيام، ويكفي في ذلك ما قاله مندوب الأمم المتحدة من تصريحات خبـيثة أوحاها إليه قلبه الحاقد على الإسلام والمسلمين ، مما أذاب قلبه كمدا على رؤية انسجام المسلمين أيا كانوا في ما بينهم .
ولكن أكبر مصيبة للموريتانيين مع إسلامهم هو نظرتهم للسياسة بنظرة خارج الإسلام فالأكثر من الموالاة والمعارضة يعرفون ما أباحه الإسلام من الملاحظة وما حرمه من ذلك.
وعلى كل حال فإني أذكر كثيرا من المدونين والمصرحين والكاتبـين والمتكلمين في المهرجانات خارج الإسلام أذكرهم بأن الله تعالى قال (( وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقـليه وأنه إليه تحشرون ، واتقوا فـتـنة لا تصيـبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب  ))   

17. مايو 2016 - 18:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا