قال المواطن: إني جائع..
فقالت الحكومة : أيها المواطن الكريم.. كلْ واشبع من أشهى كلمات الخطاب..
قال : إني عطشان..
قالت: إن الماء سيفيض من بين أصابعك إن اعتصرت الحروف، فلتشرب من زلال حروف الخطاب..
قال: إني مريض، فهل من علاج؟
قالت : إذا أردت أن تُشفى فما عليك إلا أن تتبرك بالخطاب..
قال : وأين إصلاح التعليم..؟
قالت : ألا يكفي من إصلاح التعليم أن نتدارس شروح الخطاب..؟
قال : وهل وضعت الحرب على الفساد أوزارها؟
قالت: لا حرب اليوم أسمى من مواجهة أعداء الوطن الذين أساؤوا فهم الخطاب..
قال : أين تجديد الطبقة السياسية وأين إشراك الشباب؟
قالت : ذلك مجرد شعار رفعناه، ويكفي أنه تردد كثيرا في فقرات الخطاب..
قال : لقد ضاعت أموالي في الصحاري بحثا عن الذهب السراب..
قالت : لا تبتئس .. ستعوض كل ما ضاع إن أنتَ نقبت عن الذهب بين سطور الخطاب..
قال : إني عاطل عن العمل، وإني في أمس الحاجة إلى وظيفة حتى ولو كانت بأجر بواب..
قالت : وهل هناك وظيفة أسمى من أن تقضي ما بقي من عمرك وأنت تلهث خلف شرَّاح الخطاب..؟
قال : إن الأسعار لا تطاق ..
قالت : سنرغمها على الهبوط بتكرار بث الخطاب..
قال: وهل ستخفضون سعر المحروقات..؟
قالت : يا هذا .. لا تسأل عن شيء لم يأت له ذكر لا في نص ولا في مضامين الخطاب..
قال: وهل جاء في نص أو مضامين الخطاب ذكرٌ للجامع الكبير أو لمدينة رباط البحر أو لجسور العاصمة أو لمصنع تركيب الطائرات أو لمصانع الجلود والأعلاف أو لبورصة الأوراق المالية؟
قالت : هذا من كلام أعداء الوطن، ولا توبة منه إلا بحفظ نص الخطاب..
قال: وهل جاء فيه ذكر للصرف الصحي ..إني أخاف على كوخي من السحاب..
قالت : في هذه أبشر ..فكل قطرة ماء نزلت ستمتصها مجاري الخطاب..
قال : والقمامة هل وجدتم لها حلا..؟
قالت: يا هذا اسكت ..فمدينتك ستصبح نظيفة، ولا تسأل كيف، فتلك واحدة من معجزات الخطاب..
قال : وهناك سؤال أريد له أفصح جواب..
قالت : فلتسأل، ولك الحق ـ كل الحق ـ في أن تجاب..
قال : هل سيترك مفجر الخطاب قصره؟ ومتى سيخرج من الباب؟
قالت: إن سألت عن ذلك مرة أخرى، فستحل عليك لعنة الخطاب..
قال : وماذا عن تعديل الدستور، وكيف سيكون الحوار..؟
قالت: ذلك مما لا أستطيع أن أجيب عليه، فذلك من طلاسم الخطاب..
قال: لقد أصابني حديثك بالملل، فقولي لي قولا لا ذكر فيه للخطاب..
قالت : كيف تصاب بالملل ..ألم تسحرك بلاغة الخطاب..؟
قال : لا.. لم تسحرني..وإنما أصابتني بالقلق والاكتئاب..
قالت: ويحك لقد انكشفت، يا عدو الوطن، فاخرج من هنا، ولا تنس أن تغلق الباب..
حفظ الله موريتانيا.