ستة سنوات من القطيعة وماذا بعد؟ / د. اباب ولد بنيوك

بعد ستة سنوات من القطيعة بين النظام والمعارضة  بات الجميع على قناعة تامة أنه لا مجال للغلبة ولا للاستسلام، وليس بمقدور أحد كسب المعركة والكل خاسر، والخاسر الأكبر هو المواطن الموريتاني، الذي يعيش ظروفا اقتصادية مزرية، وتطحنه خلافات السياسيين بدون رحمة.
لم تسلم كل المحاذير من الزج بها في المنازلة،

 التي اتخذت أبعادا عرقية ودينية وقومية، مهددة السلم الاهلي، ومتجلية في مظاهر مختلفة، كالمهاترات الكلامية والسجالات العقيمة  التي بلغت حد كشف ونشر غسيل شخصي لقادة سياسيين كبار.
فقد بات واضحا أن ساسة المشهد اليوم عاجزون حقا عن تحديد معالم واضحة لحدود الاختلاف وتجسيد قواعد للعمل السياسي تحدد مساحة المنافسة، وتبين حدود الثوابت الوطنية غير القابلة للمناكفات والسجالات السياسية، فلا يمكن إلغاء الخلافات بل من المهم وضعها في نصابها.
فالمتابع لسلوك النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى ، يكتشف العديد التناقضات غير المفهومة ، والتي أعاقت العمل السياسي وأطالت عمر القطيعة السياسية غير المبررة، وفرضت نوعا من التجاذبات كان بالإمكان تجاوزها.
ان دعوة رأس النظام لحوار شامل تتعارض مع القرارات الأحادية ومنطق الرئيس المقدس والمرشد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن يدعو إلى الحوار كان حريا به أن يؤمن بأبسط قواعده، وهي احترام الرأي الآخر، والتعاطي معه بمنطق الندية والشريك في الوطن، لا بمنطق التخوين والتجريح.
ولن يفيد المواطن الموريتاني منطق التعنت والمكابرة عند المعارضة، وإيهام الرأي العام بمكاسب لم تتحقق ولن تحقق، كما أن أساليب التهميش عند النظام، وتحييد الآخر لم تنتج لنا سوى الانقلابات العسكرية والعودة بالبلاد إلى مرحلة ما قبل التأسيس.
من جهة أخرى يعتبر استغلال المعارضة للتناقضات الاجتماعية والعرقية في المجتمع، والتوظيف السياسي لبعض الأعمال القبيحة والمنبوذة، كتمزيق المصحف والإساءة للرسول -عليه الصلاة والسلام- جرما مضاعفا، وتهديدا للأمن القومي واستخداما سيئا للاختلاف، متناسية أن الأمر قد يكلفنا الوطن بكامله.
كما أن تجريم المعارضة ورميها بكل الأوصاف والتهم وإظهارها أمام الشعب الموريتاني كزمرة من الخونة والفاسدين لا ينسجم مطلقا مع الدعوة إلى الحوار.
مثل هذه التناقضات دفعت باتجاه تراجع  منسوب مستوى الثقة المتدنية أصلا بين القوى السياسية؛ لذلك ينبغي الإقرار أن بناء الثقة والحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار واعتماد قواعد للتعامل مع الخلافات، هي بمثابة احتياجات وطنية يجب الشروع في صياغة مبادرة حولها.
لقد اثبتت تجربة السنوات السابقة أن الحاجة ماسة لخلق طريق ثالث، يتجاوز التوصيف التقليدي للانتماء الحزبي الضيق، ويلبي طموحات المواطن، ويحقق مسعاه في الوصول إلى شراكة حقيقية تمكن من تسيير وإدارة الشأن العام، ولا يمكن الوصول إلى ذلك ما دمنا ندفع ثمن خلافات شخصية لزعماء سياسيين، فضلوا التدافع المحموم نحو ثقافة التحريض والكراهية ونبذ الآخر بدل  لغة الود والتلاقي.
فمنطق القطيعة ونبذ التواصل المتخمر في أذهان بعض قادة الأحزاب السياسية مع النظام الحالي، لا يمكن أن يسهم في حل الأزمة السياسية، بل يزيد الأمور تعقيدا ويدفع باتجاه استجداء الانقلابات العسكرية، وهو أمر لن تستفيد منه المعارضة مطلقا، فكما خسرت انقلاب 2008 ستخسر أي معركة من هذا القبيل.
انطلاقا من ذلك تأتي الدعوة التي أطلقها الدكتور يعقوب ولد أمين: رئيس حزب التحالف الوطني الديمقراطي غداة انطلاق الأنشطة السياسية للحزب في وقتها ومحلها، لتذكر المتخاصمين أن ست سنوات من القطيعة تكفي لمراجعة الذات والبحث عن أسلوب جديد للتعاطي مع الخلافات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالحوار الجاد والحقيقي، الذي سيكون الوسيلة والجسر الذي يمكن موريتانيا وشعبها من العبور إلى بر الأمان، والخروج من هذه الأزمة، للمضي في عملية بناء الدولة الديمقراطية.

.
 

18. مايو 2016 - 14:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا