لم أصدق أنه تم تعييني وزيرا للذهب، حتى وأنا أتلقى التهاني واسمي "العلمي" و"التجاري" يترددان على ألسنة الصحفيين وعامة الناس..!! هل فعلها الرئيس فجأة، وعينني وزيرا لأغلى معدن في العالم ..!!
لم أكن واثقا من نفسي، ربما لا شخصية لي لشغل هذا المنصب الكبير،
ولا مؤهلات لدي من أي نوع.. يا جماعة أنا اعرف نفسي، فسيرتي الذاتية ليس فيها أكثر من شهادات "متوسطة" في مجالي "الغابات" و"التمريض" وتجربة "فقيرة" في الصحافة عمرها يتجاوز العشرين عاما، لكنها لا تكفى لجعلي صحفيا لا بالمفهوم "التقني" المفترض، ولا بالمفهوم المادي "المعاش".
كيف عينني الرئيس ؟!! ساعدوني، أكاد أشك في نفسي، هل يجب على سيدي محمد ولد محم إرسال وفود "توعية"من حزبه لشرح خطوة الرئيس بتعييني في المنصب العجيب هذا، لا أدرى، لكنني في حيرة من أمري، حبيب الله وزير ل"الذهب" (كده مره وحده يا تفيده.. يا لهوى) ..!!
ربما مجرد تشابه في الأسماء على طريقة جنازة "السيد الوزير" في الفيلم المصري ذائع الصيت.
فكرت في أن الأمر غير طبيعي، فحسب علمي لابد من أن تتضمن سيرة أي شخص معين في زمن الناس هذا المعطيات الأساسية التالية :
ـ 20 مقالا للدفاع عن الرئيس وانجازاته من بينها 5 مقالات لشتم المعارضة خاصة "التكتل" و"تواصل" ورموزهما وتاريخهما .
ـ قرابة اجتماعية أو عائلية أو صداقة طفولة مع رئيس الجمهورية أو أحد "الجنرالات" أو "النافذين"
ـ دعم الرئيس قولا وعملا وشرح خطاباته و التغني بها و إنشاء مبادرات لتثمينها
ـ "الانخراط" في حزب الاتحاد الحاكم ومبايعته والتبشير بمبادئه ولو نفاقا
ـ الظهور فى برنامج على "الموريتانية" للثناء على "الإنجازات" وعلى "شنقيط" في "مبادرة" استقبال تعاد مائة مرة يوميا على الأقل والجلوس في "دافا" للتركيز على "التصفيق السفلي" وإطلالة على "الوطنية" لتثمين شيء أي شيء والثرثرة على "الساحل" لمدة ساعة والظهور "التبريري" على "المرابطون"
هذه المعطيات لا أتوفر عليها ولو تزويرا، إذن لست أنا "المعين" ،ولا "المربع"، ثمة تشابه في الأسماء.
مع ذلك يقول لي الشيطان موسوسا لا مشوشا : "ولماذا لا تكون وزيرا فأنت تعرف أن التعيين لا يخضع إلا لمزاج صاحب الفخامة وما تسمعه من عبارة "باقتراح من الوزير الأول" مجرد "رجس" من عملي "، هل أصدق الشيطان؟ أعرف يقينا أنه يكمن في تفاصيل كل حياتنا السياسية المحلية، وأكثرها مجرد "وساوس" له ملكيتها "الفكرية".
لا ليس هذا الذي أصبح وزيرا للذهب أنا، غير معقول بالمرة، من أنا حتى أعين وزيرا، ولدي أشقاء وأقارب وأصدقاء يحملون من الشهادات العليا والسير الذاتية النظيفة علميا وتاريخيا ما يؤهلهم لشغل أرفع المناصب الحكومية، ومع ذلك فإنهم منسيون مهمشون، لا أحد يتوقف ليتذكر الخدمات التي قدموها لوطن أضاعهم في الزحام .!!..كيف تذكرني "فخامته" ونسيهم ؟!!
أميل لتصديق الشيطان، فالتعيينات لا تتطلب شهادة ولا كفاءة ولا "وسامة"، فكثيرون أسرعت بهم "أنسابهم"، بعد ان أبطات بهم "أعمالهم" ، لا أحب أن اصدق الشيطان، لكنني أهمس لنفسي على استحياء: "في هذه صدقك يا حبيب وهو الكذوب".
يبدو أنني فعلا أصبحت وزيرا للذهب، فآلاف التهانئ لا يمكن أن تكون اعتباطية، لذلك بحثت عن منزل فخم لأحد أصدقائي لأستقبل فيه التهانئ حتى لا يكتشف أحد أن "الوزير الجديد" لا يملك منزلا خاصا به .
هل تصدقون أن وزيرا للذهب لا يملك قطعة أرض ولا حتى شبرا واحدا منها على طول البلاد وعرضها..؟!!
صدقوا ذلك، فمرة قال لي طبيب أشعة قبل سنوات: "حبيب عندك "حصاة كلية"، اشرب جيدا على مدار الساعة، واستخدم وجبات خفيفة، وقم برياضة يومية، وخذ لك مضاد التهاب، ومضاد تقلص، فهذه "حصاة" صغيرة ومتحركة والحمد لله، ولا تحتاج تدخلا جراحيا".
قلت له : "سعادة الدكتور هل هي في "الكرن"؟، وهل هي "فاتحة" على شارع كبير؟، المهم اترك الأمر سرا بيننا، فهذه "الحصاة" هي كل ما أملك من "التراب" في بلدي، وأخشى أن تكون "دوبل آمبلوا"، أو تصادرها الحكومة بحجة أنها مساحة عمومية، أو أنها بلا "سير"، أو يطلب منى دفع مال مقابلها، أو يقال لي إنها "ليست في المخطط الأصلي للمدينة".
لماذا ضعفت شخصيتي درجة أنني لا أستطيع تخيل نفسي وزيرا، لا أدرى، لكن يبدو أنه علي أن أتماسك فالأمر لم يعد مجرد كذبة "ذهبية".
أين "الكوستيم" و"الأحذية"؟!! ( طبعا لن أقص عليكم نكتة بحثي عن أحذية على مقاسى في سوق "العتبة" بالقاهرة عندما "تديمن"معي أحد المصريين "الغلابه" ولا داعي للإحراج من فضلكم ) وأي أنواع الحمامات أفضل التركية، أم المغربية، أم "السيزيمية"؟!!
فعلا لابد من عملية "توليرى" و"ابينتير" قبل أول اجتماع للحكومة أحضره بصفتي وزيرا للذهب، لابد من البريق، ولابد من الظهور بمظهر "مغاير" ( مغاير وليست معاير)
علي بداية أن أبرهن للرئيس على كفاءتي، وقدرتي على "تسيير" منصب بكل هذا البريق
لا مشكلة، أعرف طريقة "التسيير" (من الأفضل أن تقرأوها بالحسانية) جيدا، والمخطط في دماغي واضح وضوح الشمس رأد الضحى.
سأعين أحد أشقائي أمينا عاما للوزارة، وسأغرق بقية المصالح والإدارات بأقاربي وأصدقائي حسب مراتبهم، أصدقاء الطفولة، وأصدقاء "الكبة" و"سيزيم"، وزملاء الدراسة في "لكول ديس"، و"إعدادية المربط"، ثم زملاء الدراسة في "مدرسة الزراعة"، و"مدرسة الصحة"، ثم عمال "المركز الوطني لأمراض القلب"، ثم الأصدقاء من حقل الصحافة، فأبناء الجيران والمعارف، وأصدقاء "الفيس بوك" (من غير المحظورين طبعا).
لن أكون بدعا من الوزراء، فلدينا وزيرة عينت خمسة من أقاربها في وظائف أساسية في وزارتها، وأحدهم حولته إلى "صينية" بثلاثة "آبونماهات"، فأسندت له ثلاث وظائف دفعة واحدة، حتى رئيس الجمهورية مرة وضع "آبونماهين" فى أحد خلصائه من الوزراء.
وأعرف وزيرا عين زوجته وخاله في وظيفتين بوزارته، ومسؤولة حكومية تمنح كل صفقات مؤسستها لأخيها، وابن عمها، وابن خالها، وخالها، وأعرف مسؤولا حكوميا عين زوجته، وابنته، وابنه ،في مناصب بإدارته فأصبحت مؤسسته مجرد منزل يتناول فيه الفطور والغداء مع أسرته الكريمة.!! إذن لا مشكلة فهذه "غزية"، وأنا منها وإليها،لا أهمية لما سيقوله الناس، "كيف لوزير أن يعين شقيقه أمينا عاما لوزارته "؟!!
لن تكون المشكلة في تعيين "الأمين العام"، بل في "الوزير"( صغروها إن شئتم) أولا، "يا إخوة حبيب الله لا يميز بين "الذهب" و"الحميرة" وتعيينه خطوة "قراقوشية" هي آخر "الطيرات" بهذا "البطرون".
سيكثر التنكيت علي وعلى تعييني، مثلا سيقال لكم "لأنه بضدها تتميز الأشياء عينوا حبيب الله وزيرا للذهب"، وسيقال لكم " من الأفضل للذهب الكاذب أن تكون له وزارة كاذبة عليها وزير ورقي"... "هذه حلبة من حلبات محمد"..!!
لن أهتم لكل ذلك، سأسارع في "تمويل" بعض "المشاريع" الشخصية المعطلة، وسأنهمك في "ردم الفقر"، لن أستخدم (كلاطة) "كارينا" بعد تعييني (إلا بمعناها الحساني الواضح في صيغة الماضي )، ولن أجمع الصدقات والأدوية للفقراء والمرضى، ولن أدون فى "الفيس"، سأصبح كائنا "ذهبيا" جديدا صقيلا لماعا مهتما بلونه و"أناقته" و"ناقته"..!!
لن يبتزني صحفي، ف"ذنبانة" ذهب منى تكفى لإسكات كل المواقع المحلية، و"ناموسة" ذهب ستسكت عنى كل الفضائيات المحلية، أما الإذاعات فيكفيها "غرام واحد" ( غرام وحدة الوزن، وليس غرام الحب والهيام)، أما قادة أحزاب الأغلبية، والبرلمانيون، و"الطماع" ،فسأخصص لكل واحد منهم " 23 غراما " من الذهب، لاتقاء ألسنتهم و"طلاسمهم".
لست غبيا حتى أنسى "المكومس بالله"، وكبير الوزراء، و"الجنرالات"، فلولاهم لما كنت هنا في " ربيات الذهب " أوزع الذهب على كل من جاء أو ذهب.!!
إلي بدواء "الحموضة" يا قوم ..!!