كثر الحديث مؤخرا عن وجود بوادر أزمة وصفت بكل المواصفات الممكنة و المتاحة، بأنها سياسية، اقتصادية، بل إجتماعية و حتى ثقافية (بمفهومه الواسع)، و لعل وجود مثل هذه الأزمات و التوترات و ما يتبعها من تعاليق إعلامية بمستوياتها المختلفة يجد ما يسوقه فى ظروف نشأة و قيام الدولة الوطنية و ما كان يدور
من كواكب فى محيط سماء مدينة ألاك وقتها من أفكار و مواقف متناقضة و أحيانا مضادة بين تيارات جهوية قبلية أثنية مركزية. فى هذه الورقة من مقالتنا نحاول حسب ما تسمح به سعة الوقت أن نشخص و نتساءل مساءلة بسيطة عن علاقة هذه الأزمات المتكررة فيما بين الفاعلين السياسيين الموريتانيين من موالاة و معارضة بشكليها الموسعة بتاريخية قيام الدولة الوطنية و ذلك من خلال محاولة لقراءة تاريخية حول آثار و مخلفات ذاكرة مؤتمر ألاق و دورها في تشكيل روح المواطنة فى ظل الدولة الوطنية التى كانت مرتقبة وقتها، ثم مدى فهم الموريتانيين و استيعابهم (بمختلف مستوياتهم الثقافية و انتماءاتهم الجهوية و القبلية و الإثنية) مدلول و مفهوم المواطنة... و لأجل تقريب الصورة و تبسيطه أمام القارئ إرتأينا بداية أن نتعرف على معنى المواطنة و بعض الكلمات أو المفاهيم التى لها علاقة بالمواطنة و التى منها: اللغة، المواطن، الهوية، العنصرية... أما المواطنة فتكاد تعريفاتها تتفق على أنها عبارة عن علاقة تعبر عن عضوية الفرد فى جماعته السياسية التى ينتمى إليها عن طريق رابطة الولاء بمعنى أن يحصل هذا الفرد: على كامل حقوقه المدنية داخل المجموعة التى ينتمى إليها، و أن يكون على درجة و مستوى معين من الاندماج، و قدرته على التواصل مع الجماعة (دور اللغة) و لا يعنى دور اللغة هنا الإكراه على اللغة كيفما كان الحال و المآل. و من هذا المنظور نجد أن المواطنة أوسع دلالة من الجنسية من حيث تركيزها على الحقوق المدنية، كما أن الإحساس بالمواطنة أمر مهم للإندماج فى المجتمع لا شك، و هو بالنسبة لى أمر لم يستطع أن يتحقق مع الأسف الشديد لكثير من الموريتانيين ناتج عن عدم قبول أو رفض الآخر دون بذل الجهد فى سبيل التقارب و التعارف و البحث عن سبل الاندماج الصحيحة. أما اللغة فهي أداة لنقل الثقافة و تخزينها، و ترتبط إرتباطا وثيقا و شديدا بالهوية الثقافية (جماعات، مجموعات، جهة، جهات، منطقة، مناطق ...)، فى حين يعتبر مواطنا كل فرد أو شخص يحمل جنسية الدولة (الأوراق المدنية من شهادة ميلاد و شهادة جنسية و جواز سفر ...)، أما درجة وطنيته فحسب إحساسه بالمواطنة، و شعوره بالانتماء الصحيح و حتى درجة وعيه ... أما الهوية فهي عند الفلاسفة ذات دلالات متشعبة فمنها الهوية العددية، و الهوية الكيفية، و كانوا يستعملون هذا المصطلح بكثافة فى مجال المنطق حيث تعنى بصفة عامة حقيقة الشيء المطلقة و المشتملة على صفاته الجوهرية التى تميزه عن غيره، و مسألة الهوية ما فتئت تثار فى الساحة السياسية الموريتانية و بشكل روتينى و لعل ذلك يرتبط تاريخيا بعدم حسم مناقشات الهوية فى المؤتمر المؤسس للدولة الوطنية و التى نتصور أن المؤتمرين وقتها حاولوا تجنب المسألة بما فيها من حساسية كي لا تؤثر سلبا على نتائج المؤتمر الذى كانوا يعولون عليها، و عادت مسألة الهوية حتى مؤخرا مع حوار أحزاب الأغلبية و أحزاب المعارضة و الذى كان من نتائجه تعديل دستور الدولة الوطنية فى مارس 2012م. أما العنصرية فغالبا ما يتم إقتصارها على التمييز العرقي فيما بين مكونات المجتمع، و إن كنا لا نعدم وجود عدة وجوه، صور، أشكال و ألوان للعنصرية، و هو ما يمكن قراءته فى الساحة السياسية الموريتانية بكل بساطة دون كبير عناء و لا يمكن تصحيح تلك الصورة إلا عن طريق الساسة و لا أقول المتسيسين. ليس من شك فى أن تاريخ موريتانيا عرف منعطفه الأساسي عند إعلان دستور 27 أكتوبر 1946م الذى كان بموجبه قيام الإتحاد الفرنسي الذى ضم مجموعة إفريقيا الغربية إلى أقاليم ما وراء البحار و موريتانيا كإقليم من هذه المجموعة الغرب إفريقية، و منذ ذلك التاريخ بدأ ملامح المشهد السياسي و مواكبة الإرهاصات الأولى لمراحل تشكل الدولة الوطنية فى المجتمع الأهلي بجهات مختلفة من البلاد من خلال شخصيات شابة و مؤثرة وقتها، إلى جانب شيوخ و وجهاء القبائل و العشائر و الزعامات المحلية الجهوية، و تأثير هذه القيادات و الزعامات القبلية و العشائرية الجهوية سينعكس سلبا على مسار الدولة الوطنية و حتى يومنا هذا مع وجود نظام الدمقرطة الجزباوية الانتهازية المصحلذاتية. و بدأت بوادر تأثيرات هذه الزعامات قبيل انعقاد مؤتمر ألاق حيث كان هناك شبه إجماع على قبول التمتع بالإستقلال الداخلي على مستوى تطور وضعية البلد السياسية، بيد أنه عند ما أثيرت كلمة "الرغبة فى الاستقلال الوطني" انبرت أكثرية المؤتمرين لمعارضتها، من وجهاء و زعماء تقليديون محافظون كلفتهم الإدارة الاستعمارية فى هذه المناسبة بالرفض لكلمة الاستقلال، و كان من الممارسات المتبعة، لدى الشروع فى أي تجمع سياسي: أن يتوجه زعماء العشائر و البطون و القرى أو ممثلوها أو سواهم من المجموعات المتحالفة مع الإدارة الفرنسية بصورة عرضية أو دائمة، ليطرحوا عليه ماذا ينبغى قوله فى الاجتماع الذى سيحْضُـرُونه و بالتالى ينفذ الممثلون تلك التعليمات حرفيا، و قد يحدث أن يتساهل بعضهم فى تنفيذ تعليمات السلطة الاستعمارية إذا تعرض للضغط كما حصل فى ألاق خلال ربيع 1958، و لا شك أنه كان ضمن المؤتمرين معارضون لفكرة الاستقلال و يسوقون الكثير من الحجج لتبرير موقفهم من الاستقلال. إذن ماذا تم مناقشته فى مؤتمر ألاق؟ تم خلال المؤتمر مناقشة عدة مسائل و نقاط متعلقة بمصير مستقبل الدولة الوطنية المرتقبة، و كان من بين أهم المسائل و النقاط المطروحة و التى أثارت نقاشا حادا بين المؤتمرين نظرا لطبيعتها و حساسيتها هي: مسألة تعليم اللغة العربية، قضية المساواة بين كافة المواطنين، و هي من المسائل التى ما زالت تهدد النسيج الإجتماعي الموريتاني إلى يومنا هذا حتى صنفها البعض من المسائل المسكوت عنها أو المحظور عنها، فأثرت سلبا على مفهوم المواطنة و المواطن و الهوية الوطنية، سنرجع إليها لاحقا. فيما يخص تعليم اللغة العربية فقد كان جل المؤتمرين يرون أن العربية يجب أن تكون اللغة الوطنية للبلد و عليه فإن تعليمها يجب أن يكون إلزاميا فى المدارس العمومية على قدم المساواة مع اللغة الفرنسية و هي مسألة أثارت تحفظ بعض أبناء الجنوب و أسفرت عن مواقف متباينة، أما قضية المساواة فيما بين كافة المواطنين، و ما يتعلق بالضرائب و الخدمة العسكرية فلم يتسم نقاشها بالحدّة التى اتسم بها نقاش مسألة تعليم اللغة العربية، و هو ما يعكس عمق تباين التوجهات لدى المؤتمرين، هذا فضلا عن ضعف مستوى مناقشة المسائل الأخرى ذات الاهتمام المشترك و البعد الإستراتيجي، للدولة الوطنية المرتقبة، فهل التركيز على مسألة اللغة العربية على حساب المسائل الأخرى كان ينظر بمستقبل موريتانيا و مشاكلها السياسية التى ما زالت تتخبأ و تتخبط فيها لانعدام الإرادة الحقيقية فى ذلك. و انطلاقا من هذه المعطيات الجزئية و قراءة متأنية لما تمخض عنه مؤتمر ألاق و تداعياتها على مواقف عدد من شخصيات مشاركة فى أعمالها يمكن ملاحظة بوادر الإنقسام و الإختلاف فى المواقف و وجهات النظر حول بعض النقاط، و التى لا شك كانت لها آثار و انعكاسات سلبية على مفهوم المواطنة، و وضعنا أمام سؤال محرج مَنْ هو المواطن أو بتعبير آخر مَنْ يستحق أن يكون مواطنا كامل الحقوق فى ظل الدولة الوطنية المرتقبة (هل هو المتفرنس أو المتعرب أو المستعرب أم المتلهج من اللهجة" و فى تعبير آخر هل المواطن هو حساني ، بربري أم كَوري أو كلهم معا؟)، و بأي وسيلة؟ و فى غياب الوضوح فى الرؤية و طغيان الأنانية من هنا و هناك، حيث ما زال فى أعيننا غشاوة، نكتفى بقناعتنا أن المواطن الموريتاني و المواطنون الموريتانيون هم أولئك المؤلفة قلوبهم من أجل حب موريتانيا و ما أكثرهم تاريخيا بقانون الأسبقية و إحياء الأرض الموات، و الدفاع عن الحيوانات المفترسة قديما حين كانت تسميات موريتانيا الطنجية و القيصرية تشمل أطراف هذه الأرض و هذه البقعة المباركة قبل أن تتحول إلى المنكب البرزخى و إلى بلاد التكرور ثم بلاد شنقيط فأرض التكارير ، بلاد السيب، فموريتانيا ... فهي بالنسبة لى تسع الكَوري (الفلانى ، السوننكى، الولوفى ، البامبرى)، فالبيظاني (العربي ، البربري، الحرطاني)، كما كانت تجمعهم بالأمس و قبل الأمس، قبل بروز الإيديولوجيات الهدامة و المبيدة للشعوب و المفسدة لروح الإنسانية و التى تعتبر دخيلة على الشعب و المجتمع و الأمة الموريتانية حيث كان البيظانى (بمفهومه الواسع) و الكَورى (كذلك بمفهومه الشامل) يطمئن كل واحد إلى الآخر و يثق به دون خلفية ما، و لعل التاريخ عند الرجوع إلى الوراء يشهد على ذلك و ينصف الذين ورثنا منهم و على أيديهم هذه الأرض و ما عليها. و تجدر الإشارة إلى أنه فى مستهل مؤتمر ألاق مايو1958 ما كان يقلق كثيرا سكان المراكز الجنوبية من البلاد "بُولار و باقى مكوناتها" هو رؤيتهم تناقص فرص مشاركتهم في الحكومة لصالح البيضان، لذلك بدأت بعض الأصوات تعلو للمطالبة بالإنضمام إلى السنغال، و هو ما يمكن إعتباره ردة فعل مباشر لمواقف بعض المؤتمرين و توجهاتهم إزاء قضية اللغة، العروبة، الهوية، و المواطنة، و من أجل إسماع صوتهم و إيصاله إلى المعنيين من أصحاب القرار، أسس بعض الأطر المنحدرين من الجنوب الموريتاني كيانا سياسيا أسموه "إتحاد أبناء موريتانيا الجنوبية"، و"كتلة كُورْكول الديمقراطية"، و هو ما يمكن إعتباره بادرة من بوادر الانقسام حول المواطنة و الهوية فى شكل مبكر قبيل تشكل الدولة الوطنية، و التى جاءت بعد مناقشات عقيمة لمسألة اللغة و التعليم بشكل عام و تناسى بعض المسائل الأخرى ذات الاهتمام المشترك اقتصاديا و اجتماعيا. و لعله كان الهدف من هذا التصرف هو محاولة استقطاب الغاضبين من التوجه الجديد للحكومة الموريتانية من جهة، و إثارة الرأي العام من جهة ثانية، و هو ما سيغذى السياسة الوطنية لفترة من الزمن فى شدّ و جذب و تحالفات أحيانا مثيرة للجدل لم تساهم فى وضع أفكار لإيجاد حلول تقليص الهوة بين المواطن و المواطنة بقدر ما ساهمت فى تعقيد الأمور وقتها، و لا زال الأمور تسير بنفس الغموض و عدم الوضوح فى غياب الاستراتيجيات و الخطط ذات الرؤى البعيدة المدى و حتى متوسطة المدى. و لعل ذلك ما ظهر واضحا من خلال مناقشة قضية الفيدرالية "أي الإنضمام إلى مشروع فيدرالية السنغال و السودان الفرنسى" مالى حاليا، و هي قضية تطلبت نقاشا مطولا، و طالب جزء من المؤتمرين بالإنضمام إليها فور إنشائها، و لم يكن مناصرو و مؤيدو هذا الإنضمام محصورين فى مندوبين من جهة دون غيرها من جهات البلاد، بل نادى به بعض القادمين من المناطق الجنوبية و الغربية و الشرقية و الوسطى من البلاد.
و فى هذا ما يدحض اعتقاد الكثير من مواطنينا أن أبناء الجنوبيين (يعنون بهم السودانيين) يعارضون أو يرفضون تماما كل محاولة اندماج مع دول الشمال، مما ولّد حالة من الخوف و عدم الثقة شبه الدائم فيما بين المواطنين و انعكس سلبا على المواطنة... كان من نتائجه المباشرة تأثر الدولة الوطنية فى تحقيق التقدم و التنمية المستديمة عقودا من الزمن، ذهبت دون تحسن الأوضاع العامة للبلاد و المواطنين. و بشكل عام فإنه مع كل المحاولات الجادة بدء من مؤتمر ألاق للسيطرة على الصعوبات التى كانت تعترض طريق بناء الدولة الوطنية و خلق مواطنة مثالية، حيث يعيش كل المواطنين فى ظل الدولة الوطنية فى أمان و طمأنينة دون فوارق تذكر، فإن مشكل اللغة كان أكبر حاجز لكسر هذه الفوارق الإجتماعية و الثقافية، و التى كان بالإمكان تجاوزها بشكل مرن و سلس حالة أخذوا من البداية رد الاعتبار إلى اللغات الوطنية إلى جانب اللغة العربية لتهدئة العقول و الصدور و خلق الوئام بين المواطنين. و نعتقد أنه من بين أسباب التخوف و التوتر شبه الدائم فيما بين مكونات المجتمع فى ظل الدولة الوطنية عبر مختلف أطوار تاريخ البلاد يتمثل أساسا فى مسألة التوظيف الخاطئ للعروبة و الإسلام، و هي مسألة - باتت للأسف - حساسة موجودة فى المجتمع الموريتاني، و ينظر إليها أحيانا من المواضيع المحظور أو المسكوت عنها، و هذا التوظيف الخاطئ يرجع لسببين أساسيين فى نظرى: السبب الأول له جذور تاريخي منبثق من المنظومة الإستعمارية التى سعت إلى تقسيم شعوب إفريقيا من أجل تمرير مشروعها الإستعمارى ذى البعد الثقافي الإيديولوجى للفصل بين الأفارقة السود و العرب البيض فى المنطقة بشكل عام، و محاولة "إقناع" بعض النخب السودانية الإفريقية أن لغة المستعمر هي لغة ثقافية لهم، و أن اللغة العربية لغة القرآن الكريم هي لغة غريبة عنهم، و ترمز للرجعية و التخلف العربي، و أرى أن موقف بعض النخب الموريتانية ساعدت فى تمرير هذا الرأي بتصرفاته إزاء اللغات الوطنية و منع اعتراف الدولة بها فى المنظومة التربوية. أما السبب الثانى فطبيعته ذاتية تتمثل أساسا فى كون المجموعات القومية العربية فى البلاد قدمت العروبة و الإسلام باعتبارهما قضايا قومية، بمفهوم عرقي بحت، بمعنى أنه إذا قدمت العربية على أساس أنها لغة العرب، و الإسلام على أنه دين العرب، فإذا لم أَكُن أنا عربياً لا من قريب و لا من بعيد سأرفض الإنضمام إلى هذا التكتل الذى لا أجد فيه ذاتى و لا هويتى، و هذه مسألة طبيعية لأيٍّ كان، و لهذا قلت أنه توظيف خاطئ لا يخدم مصلحة العروبة و لا الإسلام فى الوقت الذى كان ممكنا تمرير هذه الأفكار و الخطب المصاحب لها بطرق أكثر موضوعية و سلاسة. و إذا ما سلمنا بهذه المعطيات نفهم لماذا ظهور أو بروز بعض الحركات و التنظيمات ذات الطابع الإنفصالي و الإقصائي فيما بين مكونات المجتمع الموريتاني، من هذه الحركات و التنظيمات (حركة ملتمس الزنوج الموريتانيين "فَلاَمْ"، و تنظيمات القومية العربية "الفكر البعثي، الناصري، الثوري القذافي...)، و بالنسبة لى هذه الحركات و التنظيمات لم تخدم موريتانيا و لا موريتانيون بقدر ما ساهمت بشكل أو آخر فى زيادة اتساع الهوة بين الشعب و المجتمع البريئين فى جزءهما الكبيرين.
و كان من شعارات حركة فَلاَمْ "المساواة بين أبناء موريتانيا، العدالة للجميع"، أما تنظيمات القومية العربية فقد رفعوا شعارات تتعلق بالهوية الضيقة أساسا منها على سبيل المثال "بالدم و اللهيب سيتم لنا التعريب" أو "التعريب بالنار و الحديد" فضلا عن بعض الأغانى الشعبية البيضانية التى تحرض على العنف العرقي، مما زاد من مسافة الهوة فى المواطنة بين مواطنى الدولة الوطنية، و لعل بروز إشكال المواطنة، و الهوية، و العنصرية بشكل كبير ما بعد تأسيس الدولة الوطنية كان من النتائج المباشرة للمسائل و القضايا التى لم يستطع المؤتمرون فى ألاق مايو 1958 من حسمها و لا طرح ما يمكن أن يكون خارطة طريق لحل توافقي من شأنه أن يطوى صفحة الخلافات الآنية و المستقبلية فى ما يخص مستقبل مواطن كامل الحقوق و مواطنة مثالية فى ظل قوة دولة القانون و قانون الدولة الوطنية. لا شك أنه كان من تبعات هذه الصراعات و السياسات الإيديولوجية عبر تاريخ الدولة الوطنية فيما بين مكونات المجتمع ما عانى منه البلاد و المجتمع من: فقدان الثقة فيما بينهم، و عدم الإستقرار السياسي، مما أدى فى تسعينيات القرن الماضى إلى الأحداث المؤسفة ما بين دولة موريتانيا و السنغال اتخذت طابعا إثنيا أثرت سلبا على المواطنين و المواطنة فى موريتانيا. و فى الأخير لا بد من الإشارة إلى أن الشحن التيارى المتعاظم فى البلاد وقتها، هو ما أحدث إنقسامات و فوارق كبيرة، أسهمت حقيقة فى غياب التفاهم فيما بين النخب، و حالت دون إيجاد طرق و سبل إلى حوار فكري و ثقافي بنّاء كان بلا شك سيسهم فى حسم الخلاف أو تقليل هوة الخلاف بين الموريتانيين حول قضايا اللغة، الهوية، المواطنة، العنصرية ... الخ حيث ظل كل طرف يتهم الآخر بأنه ضحية إيديولوجيات مستوردة لا تمت بصلة إلى قضايا موريتانيا الوطنية و لا تخدم مصلحة التعايش الموروث تاريخيا، فغابت بذلك حقيقة المواطنة و الوطنيُّ و روح الوطن فتضررت موريتانيا قبل الموريتاني، و ما نعيشه اليوم من أزمات سياسية ثقافية اجتماعية ليس إلا امتدادا لإخفاقات مؤتمر ألاق فى تحقيق نتائج كبيرة فى بعض الجوانب الأساسية لمرتكزات الدولة الوطنية التى كانت مرتقبة، فهل سيتحقق ذلك فى باقى الحوارات المرتقبة، و هل هذه الحوارات ستكون شاملة تشمل ما بات يعرف بحوار الثقافات و الحضارات و هنا فى إطار (ثقافات القبائل، و حضارات الجهوية)، إلى جانب حوار السياسات الإثنية و الاجتماعية لإخراج البلاد من فترة المخاض العسير و الطويل دون أن تدخل غرفة العمليات لإجراء عملية قيصرية. و الله المستعان.