لقد عرفت موريتانيا خلال تاريخها السياسي خمسة دساتير ( مابين جديد ومعدل ) تخللتها مجموعة من المواثيق الدستورية صدرت فى ظل الحكم العسكري ، لقد كان أول هذه الدساتير هو دستور 22مارس 1959 ، وقد تم وضعه خلال فترة الحكم الذاتي التى عرفتها موريتانيا مابين (1958 و 1960) وكان
هذا الدستور قد أسس لنظام برلماني ، وهو دستور شبيه إلى حد ما بالدستورين الفرنسيين الأخيرين (دستور1946 ودستور1958) .
أما الدستور الثاني فقد صدر بتاريخ 20 مايو 1961 وقد أقام نظاما رئاسياحادا مكيفا مع ظروف الدولة ، وقد زاد من حدة طابعه الرئاسي نظام الحزب الواحد بعد أن كان دستور 22 مارس يحمي حرية تكوين الأحزاب والجمعيات السياسية.
وقد ألقى انقلاب 10 يوليو 1978 دستور 20 مايو وحل حزب الشعب ، ثم تدخل البلاد فى فترة الحكم العسكري ، فترة المواثيق الدستورية التي كان آخرها ميثاق 9 فبراير 1985 والذي بقيت أحكامه سارية المفعول إلى أن تمت إقامة مؤسسات دستور 20 يوليو 1991 ثالث دساتير الجمهورية ، وقد ظلت أحكامه مطبقة إلى أن حدث تغيير الثالث من أغسطس 2005 الذي وضع حدا نهائيا لسلطات الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع وأوقف العمل بدستور ال 20 يوليو وحل البرلمان وأقال الحكومة لتعمل البلاد بميثاق 6 أغسطس 2005 طيلة الفترة الإنتقالية التي امتدت حتى ابريل 2007 .
وأثناء هذه الفترة ظهر الدستور الرابع ، دستور 25 يونيو 2006 بعد استفتاء شعبي على تعديلات جوهرية قلصت فترة المدة الرئاسية إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط .
إلا أن ما يؤخذ على تلك التعديلات ــ من وجهة النظر التي يطرحها حزبنا ــ هو أنها لم تراع الحاجات المتنامية والمتجددة فى أسلوب التفكير بنظام الحكم الملائم الذي أصبح الشعب الموريتاني فى أمس الحاجة إليه ، نظام يقر مبدأ فصل السلطات بشكل تام ويعطي لممارسة المسؤوليات بعدا مؤسسيا ويجعل حدا نهائيا لإمكانية تغيير نظام الحكم إلا بالطرق الديمقراطية ، وهذا ما يسعى حزب الحضارة والتنمية إلى تحقيقه فى موضوع طرحه لضرورة اكتمال الإصلاحات الدستورية ـ، والتي لا يربطها على الإطلاق بظرف معين ـ، عاجل ولا آجل . بل يرى أن النصوص التنظيمية الأخرى المتعلقة بالتقطيع الإداري والدوائر والنظم الإنتخابية قد آن الأوان لمراجعتها بشكل جدي يضمن استقرار الصورة الجوهرية لتجربتنا الديمقراطية الفتية ,
وهنا نبرز للرأي العام الموريتاني أن التعديلات الدستورية المقرة بالقانون الدستوري 014 / 2012 والتي انسحب عنها نواب المعارضة ــ وهم فى مؤتمر برلماني ـــ أصبحت اليوم السمة المميزة لدستور مارس 2012 وهو الدستور الخامس ولا يمتلك أي مواطن موريتاني اليوم وثيقة مكتملة تعرف بالدستور الموريتاني فى صغته النهائية ، ويكفى ذلك تبريرا لطرح الحزب فكرة اكمال الإصلاحات الدستورية ، واستصدار الوثيقة النهائية للدستور الموريتاني وجعلها فى متناول الموؤسسات والهيئات الوطنية والمواطنين .
وقد أضافت هذه التعديلات رزمة قوية لديباجة ومواد الدستور ، ومر كل ذلك بأمان دون أن يشكل خدشا فى مقاصد الأمة ولا فى الثوابت المشتركة للفرقاء السياسيين ,
وفى هذا السياق القت اللجنة الحزبية المكلفة بالشؤون القانونية فى الحضارة والتنمية ، ألقت الضوء على جملة من النقاط التي كانت محل تدارس بين الخبراء والمختصين وقادة الرأي ، وتم حصر تلك النقاط على النحو التالي :
1 أهمية إعادة النظر فى عدم تكافئ مكونتي السلطة التنفيذية (مؤسسة رئيس الجمهورية ومؤسسة الحكومة ).
ومراجعة الصلاحيات الواسعة الممنوحة لهذه السلطة على حساب نظيرتيها التشريعية والقضائية،مما أبرز بجلاء مصدر الإخلال بمبدإ فصل السلطات .خاصة أن الصلاحيات ذات الطابع التشريعي أو القضائي الممنوحة لهذه السلطة هي ما يحول دون ترسيخ فعلي لمبدإ الفصل وإحلال سريع للبعد المؤسسي للمرافق العمومية .
2 العمل على تحديد وحصر آليات ووسائل التأثير المتبادلة مابين السلطات الدستورية الثلاث
3 إنشاء هيئة للتحكيم بين المؤسسات الدستورية
4 تحصين طرق تنظيم السلطة التنفيذية بما يضمن استقرار شكلها وتقييم أدائها وتطوير آلياتها ووسائلها
5 تحديد وتوضيح موقع القوات المسلحة وقوات الأمن فى منظومة السياسة العامة والمؤسسية للبلد
6 القابلية للانتخابات ومراجعة الضوابط والشروط
ولاشك أن النظر المعمق فى هذه النقاط ــ وغيرها مما يراه البعض الآخر ــ قد ينتج عنه رأي فى طبيعة النظام نفسه من حيث تصنيفه رئاسيا أو شبه رئاسي أو برلماني ، إلا أن ما يتشبث به حزبنا حزب الحضارة والتنمية هو جعل الدستور الموريتاني حاضنا ومجسدا لكل التطلعات المشروعة لأفراد الشعب الموريتاني العزيز .
وعندما يتحقق ذلك الآن فى ضوء النقاش العمومي لمقترحات معروضة للحوار ومخرجاته التي سيكون بعضها محل استفتاء دستوري ، فإننا سنمتلك دستورا جديدا بالمعنى السياسي ، دستور 2016 .
وبالموافقة الشعبية علىيه سيكتسي صبغته القانونية مع التنبيه أن الاجماع الوطني فى هذا الصدد ليس بعيد المنال فى حال تغلب خطاب التهدئة والطمأنة وبناء الثقة على خطاب الصدامات والصراعات والاستقطاب الحاد الذي يتشبث به اليوم أغلب فاعلي الطيف السياسي للبلد .