شماعة التدخل الخارجي ، المحاولة الدائمة لتهديد الوحدة الوطنية ، وحدتنا التي يحسدنا عليها العالم كله، وحدتنا التي تساوينا جميعا أمام القانون، التي تجعلنا جميعا متساوون في الولوج للوظيفة المرموقة في الدولة، في الجيش في القضاء في عالم المال والأعمال ، في الإدارة ، في الوزارة
في المؤسسات العمومية جميعها ، تلك المساواة التي قلما يزورنا موفد خارجي أممي إلا وحسدنا عليها، بل وشكر مغتصبي السلطة عليها، ألسنا نحن محور العالم ! ليس غريبا إذا أبدا أن نكون محور حديث العالم! بل إن تكالبه علينا عائد لمكانتنا المرموقة في مجال حقوق الإنسان ، أليست شرطتنا وقواتنا الباسلة توزع الهدايا في الشارع العام على المتظاهرين ، أليست هي التي تحيطنا بطوق أمني خوفا علينا من تربص أعداء حقنا الطبيعي في التظاهر.
لماذا نستغرب كل هذا الإهتمام إذا ؟! أصبحنا نعرف الجواب من الفقرة أعلاه على ما أظن، أَلَيْسَ " فيليب ألستون" من بين كل أولائك الذين تفاجؤوا وهو القادم من حيث القمع والتضييق على الحريات وغمط الناس حقوقهم في دولته التي يفترض أن له فيها حقوقا كباقي بني البشر ، السيد " فيليب ألستون" ربما يكون يهوديا (الماسوني المجرم كما أطلق عليه أحد مواقعنا الألكترونية )، لا يريد خيرا " للجمهورية الإسلامية الموريتانية " كغيره من اليهود الذين يدعمون " حركة إيرا " ومنظمة النساء معيلات الأسر ، وغيرهما كثير من منظمات المجتمع المدني، أليست موريتانيا زيادة على كل ما سبق أرض " المنارة والرباط " أرض العلم والعلماء " ؟؟!!
زار المقرر الأممي الخاص بالفقر المدقع وحقوق الإنسان موريتانيا ، والغريب في الأمر أن ما لاحظه في إحدى عشر يوما لم تستطع أنظمة الحكم العسكرية المتعاقبة ملاحظته طيلة ما مضى من عمر الدولة الموريتانية ، لم تستطع ملاحظة كم الغبن الفاحش ولا مستوى الفقر المدقع الذي تعيشه إحدى أهم فئات هذا الشعب ، بل إن ملف حقوق الإنسان المتردي لم ينل هو الآخر حظه من التذكر، اللهم إن كان من ناحية التعمية والتعتيم الممنهجين. والحقيقة أن البعض إن لم يكن الكل لا يريد مواجهة الحقيقة ويصر على نكرانها تماما كما فعلت " رابطة الصحفيين الموريتانيين " الذين لم يبذلوا جهدا ولو قليلا لتفحص الحقائق وبادروا إلى استنكار البيان و إفراغه من مضمونه، بل وفي تناقض صارخ سمحت لهم ضمائرهم – النقية – السماح " لنقابة الصحفيين العرب " التدخل في أمور لا تعنيها وانتقاد تقرير " ألستون " ، لكن " المتربصين بنا شرا " لا ينافقون ولا يملكون رابطة للحلحة ولا للتصفيق .
دعونا نلقي نظرة بسيطة جدا على إحدى أهم النقاط التي أوردها " المقرر المنحاز " في بيانه الأولي، إنها ما سماه " الإقصاء " ويقول في هذه النقطة ( تجدر الإشارة إلى وجود غياب منهجي للحراطين والموريتانيين السود في جميع مواقع السلطة الحقيقية وفي العديد من جوانب الحياة الإقتصادية و الإجتماعية .... لكن تعمل مختلف السياسات على حجب احتياجاتهم وحقوقهم ، وما انفك المسؤولون يؤكدون أن لا وجود للتمييز في موريتانيا وخاصة التمييز القائم على العرق أو العنصر أو الأصل ...إلخ ) انتهى الإستشهاد.
لنراجع الجمل قليلا ، غياب منهجي " للحراطين " و حجب حقوقهم واحتياجاتهم، أليس ذلك موجودا!، لم لا نكون شجعانا ونعترف بالواقع لم نهرب للأمام دائما ونلقي التهم جزافا . يصرخ أحدهم وهو شاخص بناظريه صوب تلفزيون " الموريتانية " المُمْرِضْ ، أين لحراطين ، أليسوا ضمن الوزراء، ألا يوجد إلا وزيرا واحدا أو اثنين فقط ؟! ، أليست دولتنا ومن حقنا المشاركة في تسييرها، يجيبه وطني شريف محافظ على اللحمة الوطنية والسلم الأهلي ، ( بياض العين وسوادها لا ينفصلان ، دعك من هذه العنصرية ) فنحن متساويان ، لكنه يرد، إذا كنا كذلك فلم لا نتساوى في المناصب العليا وفي الإدارات المهمة؟ لكن الجواب جاهز على الدوام ، اتهامات بالعنصرية و ارتماء في حضن الغرب الكافر " والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها " وهكذا دواليك، إذا ابقوا في فقركم و دونيتكم وارضوا بما أنتم فيه فهذا قضاء الله وقدره.
يرى الكثير من المهتمين أن ما تطالب به الفئات المهمشة عبارة عن محاصصة وهي مسألة سيكون من غير السليم اللجوء إليها لأنها ستقسم موريتانيا و تجعلها مثل " دولة لبنان " التي يتقاسمها طوائف المسيحيون والسنة والشيعة ، والحقيقة أن الخوف من هذا النوع من تقاسم المناصب يجب أن يدفع لإيجاد حل يرضي كل فئات المجتمع الموريتاني حتى لا يشعر البعض بالغبن ويدفعه الظلم الواقع عليه للمطالبة بأي شيء حتى ولو كان المحاصصة، ويطرح حل " التمييز الإيجابي " كمخرج لمعالجة هذه الإختلالات التي لاشك في طريقها للتفاقم و " بلسم " ( بياض العين وسوادها ، ونحن مسلمون جميعا ) لم يحل في الماضي دون حدوث ما جرى ولا يبدو أنه حل نافع ناجع في المستقبل.
مواجهة التحديات ليست مسألة يتم التلاعب فيها بالعبارات ولا بالكلمات العاطفية، خاصة إن كانت تحديات مجتمعية مزمنة آخذة في التفاقم، وإن كان في الماضي يتم التعامل معها بنوع من اللامبالاة أو بالتهدئة أحيانا، فيبدو أن ذلك لم يعد قابلا للتطبيق الآن خاصة في ظل شمولية وشيوع وسائل التواصل الإجتماعي التي يتساوى فيها الجميع وما ينجم عن ذلك من شحن و تهييج للمجتمع مما أصبح بناء عليه من الضروري جدا إيجاد حل ما لسدّ الباب على قلاقل أراها قريبة و ذلك بحلولٍ تشعر فيها كل مكونات المجتمع بأنها تعيش في دولة القانون والمساواة بعيدا عن المحسوبية والوجاهة والقبلية المقيتة.