يشير العداد الزمني بأنه قد مرت ثلاثة أسابيع على الموعد الذي ضربه الرئيس لانطلاق الحوار المنتظر، وبذلك نكون قد دخلنا في أول يوم من الأسبوع الرابع ( الأسبوع الأخير)، وذلك دون أن تلوح في الأفق أي إمكانية لإطلاق الحوار الموعود في الموعد المذكور، لا بمن حضر، ولا بمن لن يحضر
من الشخصيات والأحزاب التي جاء ذكرها في بعض التسريبات الإعلامية، ربما بإيعاز من السلطة، دون أن يكون هناك ما يؤكد حضورها ومشاركتها في الحوار المنتظر.
ولعل الاختراق الوحيد الذي حققته السلطة خلال الأسابيع الثلاث الماضية، وقد كان ذلك الاختراق متوقعا، هو تمكنها من الحصول على تعهد بالمشاركة من حزبي: التحالف الوطني الديمقراطي (النائب ولد أمين) وقوس قزح (بالاس).
لم تتمكن السلطة من تحقيق اختراق غير هذا، والواقع أن السلطة كانت شبه يائسة من تحقيق أي اختراق يذكر في النواة الصلبة للمعارضة الموريتانية، ولذلك فقد انشغلت عن الدعاية للحوار بشرح مضامين خطاب النعمة.
اثنان وعشرون مهرجانا تم تنظيمها في العاصمة، وندوات ومبادرات قادها أساتذة جامعيون ورجال جمارك ومن خلفهم قوم آخرون، وأغنيتان أو أكثر، كل هذا كان من أجل شرح مضامين خطاب النعمة، ولولا أن البلاد تعيش في أزمة اقتصادية خانقة لسمعتم عن إرسال بعثات حكومية لشرح مضامين خطاب النعمة للجاليات الموريتانية في الخارج.
اللافت في الأمر أن كل هذا "الإنتاج السياسي والفكري والفني" الهائل والمخصص لشرح مضامين خطاب النعمة لم يأت بنتيجة إيجابية تذكر، وإنما على العكس من ذلك فقد أضاف مشاكل جديدة إلى المشاكل التي تسبب فيها الخطاب، فهاهم الشيوخ، يرفضون اللقاء برئيس الحزب الحاكم وبعضهم قد جمد عضويته في هذا الحزب، وهاهم يقاطعون الوزراء، وها هم ـ في سابقة من نوعها ـ يطالبون بإقالة أربعة عشر وزيرا من حكومة "ولد حدمين".
لا أحد كان يتوقع بأن المجاهرة بالاستياء من الخطاب ومن شرح مضامينه ستصل إلى مجلس الشيوخ، ولا أحد كان يتوقع أن يصل مستوى التعبير عن الاستياء إلى حد المطالبة بإقالة أربعة عشر وزيرا، ومع أنه لا أحد يعول كثيرا على ثورة مجلس الشيوخ، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكننا أن نقول بأن ما حدث في مجلس الشيوخ خلال الأيام الماضية لم يكن مجرد احتجاج عابر كغيره من الاحتجاجات العابرة التي تتكرر يوميا هنا وهناك.
ومهما يكن من أمر فإن تعهد الرئيس بإلغاء مجلس الشيوخ قد أوقعه في ورطة كبيرة، وسيظهر حجم هذه الورطة بشكل أوضح في حالة تنظيم الحوار في موعده، فعندما يتم تنظيم الحوار فإن الرئيس سيكون أمام واحد من خيارين :
الخيار الأول : أن يلتزم الرئيس بوعده بإلغاء مجلس الشيوخ، وهنا سيكون مضطرا لأن يعدل ما يزيد على عشرين مادة وأن يمس ثمانية أبواب من الدستور الموريتاني، وذلك في ظل غياب كبير لأحزاب المعارضة. إن المساس بالدستور وبمواده المحصنة في حوار تشارك فيه المعارضة بكل أطيافها سيشكل خطرا على النظام القائم، فكيف سيكون الحال إن تم المساس بتلك المواد في ظل غياب شبه كامل للمعارضة التقليدية؟
الخيار الثاني: أن ينظم الرئيس حوارا مع موالاته وملحقاتها دون إلغاء مجلس الشيوخ، ودون المساس بالدستور، وهنا سيظهر بشكل جلي مدى ضعف النظام ومدى عجزه عن تنفيذ وعوده التي أطلقها في مدينة النعمة.
خلاصة الأمر أنه لم يعد يفصلنا إلا أسبوع واحد عن اكتمال المهلة، ولذلك فإننا لن نتعجل الأمور، وسننتظر حتى ينقضي هذا الأسبوع، وفي انتظار اكتمال هذا الأسبوع فإنه قد يكون من المهم أن نشير إلى أن هناك تشابها لافتا بين الرئيس الحالي والرئيس السابق. فإذا كان الرئيس السابق قد عرف بضعفه وعجزه فإن الرئيس الحالي يعاني هو أيضا من الضعف والعجز حتى وإن تظاهر بغير ذلك، وإذا كان الرئيس السابق قد عرف بكثرة أسفاره فإن الرئيس الحالي كان أكثر أسفارا، وإذا كان الرئيس السابق قد أطلق هيئة خيرية أثارت جدلا كبيرا فإن الرئيس الحالي قد أطلق هيئة خيرية أثارت جدلا أكبر، وإذا كان الرئيس السابق قد رعى الفساد فإن الرئيس الحالي قد رعاه وباركه واتهم بممارسته على نطاق واسع، وإذا كان عهد الرئيس السابق قد اتسم بغلاء المعيشة وبارتفاع الأسعار فإن العهد الحالي قد عرف غلاء أشد، وإذا كان العهد السابق قد عرف انسداد سياسيا فإن العهد الحالي قد عانى من انسداد سياسي أوضح، وإذا كانت آخر أيام العهد السابق قد شهدت تحركا مشبوها للكتيبة البرلمانية، فإننا في هذه الأيام نشهد تحركا مشبوها لكتيبة مجلس الشيوخ.
هناك أمور مريبة لا نجد لها تفسيرا قد حدثت في العهد السابق وها هي تتكرر اليوم، وقد أدت هذه الأمور في مجملها إلى المزيد من الانسداد السياسي، فهل هذه الأمور المريبة كانت نتيجة للارتجال الذي يطبع تسيير الشأن العام في هذا العهد أم أن هناك يدا خفية تعبث بالأمور من أجل إحداث المزيد من التأزم والانسداد؟
مهما تكن إجابتنا على هذا السؤال، فإن الشيء المؤكد هو أن خطاب النعمة قد زاد من تعقيد الأمور، وشرح مضامينه قد زاد من تعقيدها، وتحديد مهلة من أربعة أسابيع لانطلاق الحوار قد زادت هي أيضا من تعقيد الأمور، وتنظيم الحوار أو عدم تنظيمه في هذا الموعد سيزيدان أيضا من تعقيد الأمور.
إن أهم نصيحة يمكن تقديمها للرئيس من بعد خطاب النعمة هي أن عليه أن يتجنب الحديث خلال زيارته لمدينة نواذيبو، وعليه بالإضافة إلى ذلك أن يطلب من وزراء حكومته ومن قادة حزبه أن لا يخرجوا في الناس من بعد زيارة نواذيبو في مهرجانات شعبية لشرح "مضامين صمت الرئيس في نواذيبو".
حفظ الله موريتانيا..