تظهر في الساحة الإعلامية الوطنية بين الحين والآخر أخبار تتناول تسيير بعض المشاريع والبرامج التنموية الممولة غالبا من جهات خارجية، وتبرز في خضم ذلك التناول تساؤلات لدى المتابعين؛ حول مصير الهبات والقروض الأجنبية طالما أن أثرها الايجابي لم ينعكس في الواقع على حياة السكان المستهدفين.
وقد حظي برنامج فينكر التابع لوزارة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي بنصيب وافر من الاهتمام خلال الفترة الأخيرة، لكن هذا البرنامج ليس سوى الجزء الصغير الظاهر من جبل الجليد.
فقد ظهرت عدة برامج ومشاريع لدعم اللامركزية والتنمية المحلية في موريتانيا منذ خمس وعشرين عاما، تتدخل في ميادين شتى مثل إنشاء أو تأهيل البنى التحتية، وتعزيز القدرات المؤسسية لكل من البلديات والمنظمات الجماعية القاعدية والمديرية العامة للجماعات المحلية وسلطات الوصاية، إضافة إلى حماية البيئة وتسيير الموارد الطبيعية.
ويمكن -على سبيل المثال لا الحصر- التمييز بين هذه البرامج والمشاريع حسب الجهات الممولة لها كما يلي:
1 - المشاريع الممولة من طرف التعاون الفرنسي:
وتشمل مشروعين لدعم بلدية نواكشوط هما: مشروع دعم اللامركزية والتنمية البلدية (PADDEC)، وقد امتد على فترة 4 سنوات وشمل ثلاث مكونات تتعلق بالدعم المؤسسي، وترقية التنمية المحلية، والتقييم والمتابعة. ومشروع مساعدة تنمية اللامركزية في موريتانيا، وامتد على فترتين (PADDEM1) و(PADDEM2)..
وكذلك برنامج (VAINCRE) الذي انطلق سنة 2005 بدعم من الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، على مستوى ولايتي العصابة وكيدي ماغا، وقد اشتمل البرنامج -حتى سنة 2011- على حوالي 465 مشروعا بتكلفة ناهزت 1100 مليون أوقية؛ استفادت منها 44 بلدية في الولايتين. وامتد مجاله منذ 24 أغسطس 2013 ليشمل بلديات ولاية كوركول.
2 - المشاريع الممولة من قبل البنك الدولي:
وهذه المشاريع هي الأهم حتى الآن من حيث التمويل والبنى التحتية المنجزة وتعزيز القدرات المؤسسية، وقد مكنت من استحداث أدوات التسيير كالبرامج الحضرية المرجعية والتدقيقات البلدية واستراتيجيات تنمية المدن والمخططات التوجيهية للتنمية الحضرية وعنونة المدن . ومن أهمها: برنامج التنمية الحضرية، ومشروع تنمية صناعة البناء والعمالة، ومشروع تنمية البنى التحتية الحضرية، ومشروع التنمية الجهوية الجماعية.
وتتمثل أهداف برنامج التنمية الحضرية في تحسين الظروف المعيشية الأساسية، وتعزيز فرص العمل لاسيما في الأحياء العشوائية، تعزيز الإطار المؤسسي لإدارة المناطق والأراضي الحضرية. وقد امتد البرنامج على مدى 10 سنوات موزعة إلى مرحلتين مدة كل منهما 5 سنوات، بتكلفة إجمالية بلغت 192.67 مليون دولار.
3 - المشاريع الممولة من قبل التعاون الألماني:
مثل مشروع ترقية الجماعات المحلية في الحوض الغربي (المرحلة الأولى والثانية والثالثة). ومشروع دعم اللامركزية، الذي حل محله البرنامج الوطني لدعم اللامركزية.
4 - البرامج والمشاريع متعددة الممولين:
منها تلك الممولة من قبل برنامج الأمم المتحدة للتنمية وصندوق الأمم المتحدة للبيئة والصندوق الدولي للتنمية الزراعية: مثل مشروع مكافحة هجرة المواطن القروية في العصابة الذي انتهت مدته وحل محله مشروع دعم بلديات العصابة، ثم مشروع مكافحة الفقر في آفطوط الجنوبي وكركورو (PASK) الممول من قبل الصندوق الدولي للتنمية الزراعية على مرحلتين 1 و2..
والبرنامج الأوربي لدعم مؤسسات الجماعات الترابية وخدماتها (PERICLES) الذي غطى الفترة من ديسمبر 2007 إلى ديسمبر 2013، وقد بلغت تكلفته الإجمالية: 000 190 19 أورو. وتتمثل أهداف بركلس الرئيسية في وضع البلدية كمنعش وفاعل رئيسي للتنمية المحلية، وفي مرافقة ومواكبة مسلسل اللامركزية بموريتانيا.
غير أن جهود مختلف برامج ومشاريع دعم اللامركزية والتنمية المحلية، رغم تعدد أطرافها وتنويع أشكال المشاركة فيها، لم تستطع حل المشكلات المرتبطة بالهجرة الريفية وبفوضى التوسع الحضري للمدن، وبالبطالة والفقر، وبنقص البنيات التحتية الحضرية، مما يتطلب إرساء سياسة جديدة للامركزية وإصلاح الإدارة البلدية.
وتتجه الأنظار حاليا إلى البرنامج الوطني المندمج للامركزية والتنمية المحلية والتشغيل (PNIDDLE)، الذي يجري تنفيذه بغلال مالي ضخم، وكذلك إلى مقترح إنشاء مجالس جهوية للتنمية في الولايات، فهل يحققان ما عجزت عنه البرامج والمشاريع السابقة ؟