لماذا لا نتعلم من الغرب دروسا في التسامح ؟! / أحمد ولد السالم

حدثان  هامان  شهدهما   العالم  مؤخرا وكانت  المملكة  المتحدة مسرحا  لهما  ، هما  اللذان  حملاني على  طرح  هذا التساؤل : لماذا لا نتعلم من الغرب  دروسا   في الديمقراطية  و  التسامح  ? .
الحدث الأول  كان  انتخاب  اتحاد طلبة  بريطانيا –  بملء  إرادته -

   لشابة  مسلمة  من أصل  جزائري  تدعى  مليا  بوعطية  رئيسة  لهذا الاتحاد  البالغ  عدد  الطلاب  المنضوين تحت لوائه  تسعة  ملايين طالب وطالبة ، أي  ضعف سكان  موريتانيا  تقريبا .
أما الحدث الثاني  وهو الأبرز و الأكثر أهمية  فهو  انتخاب  صادق خان ، عمدة  لمدينة  لندن ، وخان رجل مسلم  ينحدر من أسرة  باكستانية  هاجرت  إلى  بريطانيا  مطلع  سبعينيات  القرن الماضي  و  كان  أبوه  يعمل  سائق  حافلة وأمه  تمارس حرفة  الخياطة .
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه  هنا  وبإلحاح  شديد هو  كيف حقق  صادق خان  ومليا بوعيطة هذه  المعجزة  ليتوّج الأول - على حساب  منافسه  ابن  البلد  الأصلي وابن العقيدة  المسيحية - بمنصب عمدة  مدينة  عريقة  وبالغة  الثراء  بحجم  لندن  ذات الـــ 12  مليون نسمة  وتعج  بعدد  غير يسير  من  أصحاب  الكفاءات  من  رجالات  السياسة والمال  والأعمال ؟ ، و كيف تسنَّى  لــ ( بوعيطة )  التربع  على هرم  رئاسة  اتحاد طلبة  بريطانيا  رغم  تنوعه  العرقي و على حساب  منافستها  بنت  البلد  وبنت العقيدة المسيحية  كذلك؟
وقبل صادق خان و ومليا بوعيطة  كانت أيضا خديجة بنت غريب الجزائرية التي فازت برئاسة البرلمان الهولندي ، وقبل هؤلاء جميعا  كان انتخاب باراك أباما رئيساً للولايات المتحدة الآمريكية التي كان السود  فيها يعانون أبشع أنواع التمييز العنصري  .
ومنذ أيام قليلة أيضا طالعتنا وسائل الإعلام بنبإ  وُصول رجل من أصل لبناني يدعى ( ميشيل تامر ) إلى  منصب رئيس دولة البرازيل وهي المصنفة  ضمن  الاقتصادات  الصاعدة .
لعل كلمة السر في ذلك كله تكمن في أن المجتمعات الغربية وهي  المتحررة كليا  من  ربقة  القبلية  والفئوية و الجهوية - على العكس مما عليه الحال عندنا -  تتمتع   بإرادة  حرة  و بالقدرة  على  التحليل و المفاضلة  بين  المترشحين وبرامجهم  الانتخابية ومن ثمة تجد - تلك المجتمعات - نفسها قادرة  على  اتخاذ  القرار المناسب والمنسجم   مع قناعاتها  وما تراه  يخدم  مصالحها الوطنية  بغض النظر عن  أصل أو فصل هذا المرشح أو ذاك ، في الغالب الأعم  ، رغم  ما ضي تلك الشعوب  العنصري  والاستعماري  المعروف .
لقد  تجاوزت المجتمعات الغربية - على ما يبدو - إشكالية  الانتماء  القومي أو العرقي  وباتت  قادرة  على  تحكيم  عقولها  بدلا  من  عواطفها  مترجمة  ذلك  في  منح  أصواتها وثقتها  لمواطنين  من  أصول  غير أوروبية  ليتولوا  مراكز قيادية  في دولها . لقد  بات  من الواضح  أن  تلك المجتمعات خرجت كليا  من  شرنقة  الانتماء  القومي الضيق  إلى  فضاء  الأمة  الأرحب والأقدر على  احتضان الجميع ، و لم يعد  يهمها  سوى توفر شرطيْ  الكفاءة  والموّاطنة  في  أي  مترشح !.
وبالمقابل تشكل موريتانيا النقيض تماما ؛ فبدلا من أن تلعب الديمقراطية  دور   العامل المحرض أو المحفز على الانصهار في بوتقة الوطن الواحد ؛ أدت هذه  النسخة المقلدة وغير الأصلية  من الديمقراطية  المتداولة  لدينا  إلى بروز دور القبيلة – بشكل غير مسبوق -  بعد أن تراجع دورها بشكل ملحوظ  خلال السنوات  التي سبقت  خوض غمار التجربة الديمقراطية  .
لقد بات  من المتعارف عليه اليوم ضمن الأدبيات السياسة  لهذا البلد  أن  أنظمة الحكم المتعاقبة  وكل  الأحزاب السياسية  الموريتانية ، تعتمد  سياسة الفرز الفئوي بشكل مفضوح  وعلني  ما جعل  تأثير  الفرد في المشهد السياسي وحظوظه  في نيل  ترشيح الأحزاب له أو تعيينه في أي منصب من المناصب السامية تحدده  مكانته الاجتماعية وفق تراتبية المجتمع الموريتاني القائمة على خليط من العادات والتقاليد والخرافات المجافية لمبادئ الدين الإسلامي الحنيف ومنطق العصر ، و كثمرة  لهذا الوضع غير السوي  أصبح لشيوخ  القبائل والمرجعيات الدينية والمتربحين من المال العام الدور الأهم والمؤثر في مسار العملية الانتخابية - برمتها - ترشيحا  وانتخابا الأمر الذي أدى إلى إقصاء  أبناء  بعض الشرائح  التي تفتقر إلى الزخم  الديموغرافي  و لا تملك  لا المال ولا الجاه .
لقد  رأينا - على سبيل المثال - كيف  تتعاطى  الدولة  ممثلة  في وزارة الداخلية  مع  المتقدمين بطلبات  ترخيص منظمات أو أحزاب سياسية - قبولا أو تجاهلا - كل حسب وزنه السياسي المتأتي من قوة حاضنته  الاجتماعية ، ورأينا أيضا  كيف تتعاطى  أحزاب  مهمة كالحزب الحاكم و أضرابه من  أحزاب المعارضة  مع  المنضمين الجدد إلى صفوفها  فبقدر مكانة  الشخص الاجتماعية - وليس مؤهلاته  العلمية - تتحدد  زاوية  الالتفات إليه  أو عنه  تكريسا  وتأبيدا  للفئوية  وقانون  الغاب .​​
إن  الدولة  الموريتانية   المصابة – أصلا -  بداء عسر الهضم  الاجتماعي مدعوة  اليوم أكثر من أي وقت مضى  إلى الاستفادة   من  تجربة  الغرب  في التسامح  و الديمقراطية من أجل النهوض بتجربتنا  الديمقراطية من جهة ، و إشاعة روح  التسامح ودعم اللحمة الوطنية من جهة أخرى ، ولن يتسنى تحقيق ذلك إلا من خلال انتهاج مقاربة جادة  وحقيقية تُعلى من قيم  المواطنة و تُحدث قطيعة  حقيقية  مع  القبيلة  و موروثها  القائم على أسس  مناقضة – تماما - لروح  دولة  القانون وقيم العدالة والمساواة .. وإن أحزابنا السياسية مدعوة هي الأخرى إلى الاستئناس  بتجربة  الأحزاب الغربية الرائدة  في مجال الديمقراطية و النهوض بأصحاب الكفاءات من أبناء القوميات والأقليات وإيصالهم  إلى أرفع  المناصب الانتخابية ، إذا كانت تريد – حقا - أن تطلع بدورها  المهم  في عملية الصهر والتوحيد  خدمة  لحاضر ومستقبل  موريتانيا.
إن من المخزي  أن  حظوظ  المتجنسين  الاسيويين والأفارقة  في  دول الغرب الصناعي أكبر بشكل لا يقبل المقارنة - من حظوظ  شرائح  موريتانية  بعينها  في  الترشح  لشغل منصب  عمدة  أو نائب في البرلمان أو التعيين  في  أحد المناصب  السامية  في  وطنها  الأم   

26. مايو 2016 - 22:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا