كلمة الإصلاح هذه المرة تريد أن تبدى رأيها الإصلاحي طبقا لما شاهدت في الساحة الوطنية بعد خطاب الرئيس في النعمة بين الموالاة والمعارضة من التجاذب والتنابز في الأقوال وتارة في الأفعال بين أبناء الوطن الواحد المشتركين جميعا في سرائه وضرائه، وإذا استمر هذا التجاذب وهذا التنابز على هذه
الوتيرة فلا اجتماع ولا حوار .
والذي يظهر للمشاهد المحلل الوطني أن الرئيس ذهب إلى النعمة ليلقي خطابا توجيهيا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا يكون مرآة لحوار يحدد فيه الجميع موالاة ومعارضة مستقبل البلد عن طريق حوار بلا أسوار إلا أن هذا الرئيس وربما لخلفيته العسكرية ــ التي لا تعرف كتمان الغضب عن المعني به ـ عندما ذهب لإ لقاء خطابه لم يفرق بين خطابه التوجيهي للشعب كله وخطابه العتابي للمعارضة فأرسل الجميع في سلة واحدة مع الأثـير إلى الشعب الموريتاني وكل تلقاه على شاكلته بمعنى أن الرئيس أراده خطابا توجيهيا فأراده الله قـنبلة فتاكة في تصور المعارضة ، وبدلا من أن تـتولى الأغلبية في مهرجانات هادئة ومتوازنة شرح هذا الخطاب كما كان ينبغي للرئيس أن يجعله هدفه أمام الحوار ، ويردون كلمات الرئيس الحاملة للتفسير المزعج إلى مجرد ملاحظات من الرئيس سواء كانت سياسية أو اجتماعية فبدلا من ذلك التقفتها الموالاة قنبلة واحدة موجهة للمعارضة في نظرها ففجروها قنابل لم يبق حجر ولا مدر معارضا إلا ووجهوا إليه نصيبه منها وبدلا كذلك من أن يترفع أهل النهي والثقافة من الموالاة عن مباشرة التـفجير تاركينه لغيرهم من الموالاة ليمكن التدارك بعد ذلك قبل الحوار ،فقد تبارت النخبة من الموالاة بما أعطاها الله من سيولة قلم وذرابة لسان لتـتـفنن في إصابة القنبلة لكل من يظنون أن الرئيس يعنيه لتصيب منه منفذا قاتلا ولم يسلم من ذلك إلا القـليل من نخب الموالاة معدودين على الأصابع ومعروفين لدى الجميع وأذكر منهم للإعجاب بما قالا النائب لمرابط بناه في قناة المرابطون والشيخ ولد أمبارك في قناة الساحل ، ولعلهما سمعا هذه الحكاية الموريتانية التالية .
فهناك شاعران موريتانيان تبادلا قصائد كل يعـتـب على صاحبه إلا أنهما تحاشبا السباب فيما بينهما ، فقال أحدهما للآخر :
وإذا الكريم بسبه قد رامنا فـحلومنــــــــا فلا لة لذبابه
فالتفت أحد الحاضرين إلى المعنى بالبيت وقال له خمصك قال إنك لئيم فأجابه المعني بالبيت بل هو قال وإذا الكريم بسبه قد رامنا فأجابه الملاحظ كلمة الكريم يعني بها اللئيم لأن الكريم لا يسب فمعنى البيت عنده وإذا اللئيم بسبه قد رامنا الخ البيت .
فكثير من الموالاة والمعارضة على حد سواء لم يلاحظ هذا المعنى .
ومن المتناقضات أن الموالاة كلما توسعت في تفجير القبائل المنطلقة من قنبلة كلمة الرئيس تختتم المهرجان بالدعوة إلى الحوار كأنها تقول تعالوا إلى الحوار أولا ثم اذهبوا إلى المستشفيات لدواء الإصابات .
وعليه فإن كلمة الإصلاح تريد أن تنـفرد برئيس الجمهورية لتقول له ماذا عليه أن يفعله قبل الحوار .
أولا : عليه أن يعطي ساعة لنفسه خالصة للبحث معها ليسألها عن من هو؟ حاضره ومستقبله فلاشك أنها ستجيبه بأنه حاضرا رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية عن طريق نجاح في مسابقة انتخابات وستـقول له أنه أختار لنفسه طر يق الديمقراطية وأن الديمقراطية تقول أن الرئيس ينجح ليكون رئيسا عندما يفوز بالأغلبية البسيطة 51% وعندئذ يكون رئيسا للجميع بدون استـثـناء لأن تسيـير المرؤوس عليه هو ملك للجميع 100% .
أما المستـقـبل فستجيـبه أن المستـقبل القريب بعد الرئاسة هو أحاديث الناس كما قال تعالى في شأن القرى البائدة ((فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)) .
وكما قال الشاعر :
وما المرء إلا حديثا بعــــــــده فـكن حديـثــا حســنــا لــمن وعـــى
وهنا ألفت نظر من يريد أن يتذكر أن يذهب إلى أي مكتب كان فيه صورة لأي رئيس سابق وينظر إلى زاويته خلف المقعـد الثابت لرئيس المكتب فسيجد فيه صورة جميع الرؤساء الذين حكموا موريتانيا أمواتا كانوا وأحياءا بعضهم موضوع فوق بعض حسب فترتهم .
أما المستـقـبل الأخير فقد حسم القرآن النتيجة النهائية لكل إنسان في قوله تعالى(( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثـقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثـقال ذرة شرا يــره)) .
وبناء على هذا الحاضر والمستقبل فإن أسلم طريق فيه هو ما يلي :
يقوم الرئيس باستدعاء وزير النقل ويأمره بإعداد رافعة عليها مقعـدا وفيرا ويجلس عليه الرئيس ويقوم هو نفسه بتشغيل آلة الرفع حتى 1000قدم فوق موريتانيا كلها حتى يراها جميعا من علو هذا الارتفاع وحتى يصل إلى مسافة لا يفصل فيها بين ذكر وأنثي ولا بين موال أو معارض لشدة البعد منهما بمعنى ارتفاع طائرة لا تريد السفر عن وطنها ولكن تريد بتحليقها أن تراه كله في آن واحد.
وعندما يتسع هناك يطلب من وزير التشغيل أن يرفع إليه هناك المدرسة الإدارية بجميع فصولها الإدارية والاقتصادية والدبلوماسية والإعلامية الخ ولا يترك من فصول المعرفة إلا ما يتعلق بالدراسة العسكرية أو الدراسة المتعلقة بالأمن الخارجي خاصة:فهاتان الدراستان لا يحتاج الرئيس الزيادة في دراستهما ، ويكون مع الفصول الدراسية أساتذتها لكل فن بمفرده وبعد شهر من الدراسة التطبيقية المكثـفة يقوم الرئيس من المسافة المذكورة بإصدار مرسوم بإقالة الحكومة الحالية وجميع مدراء المؤسسات العمومية التابعة للدولة ويبدأ بإعادة التوظيف إلى من يستحقه على الوصف الجديد .
فمعلوم أن أي طالب انتهى من الدراسة لتوه لاشك أنه يتـقن جيدا معنى الدروس الذي كان يتلقاها مباشرة من أساتذته فيقوم الرئيس بتعيين كل الموظفين في وظائفهم وزراء ومدراء ورؤساء مصالح طبقا لما تعلم في الدراسة ولكن بعد استيعاب الجميع للخطابي التالي المعمم على الجميع بل على الرئيس أن يتركه خطابا باقيا في عقبه لكل الرؤساء والمسؤولين جميعا عن التعيين ونصه كما يلي :
أيها الموظفون اعلموا أني لم أعينكم تكرمة ولا محابات لكم فلو لم تكونوا أهلا للتعيين بشهاداتكم العالية وأمانـتكم المكتوبة في سيرتـكم الذاتية لما عيـنـتكم ، ورواتبكم لا تخرج من جيبي بل من خزينة بلد نا جميعا وحاصلة من ثـروتنا المشتركة وتسديد الضرائب من المواطنين والهبات والديون المعطاة للدولة باسمها لا باسم الأشخاص فمن وليته منكم وليست فيه صفات التولية وهي الخبرة في المولى عليه والأمانة في تسيـيره ووليته لأي سبب آخر فإنما أقطع له قطعة من النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح : إنكم تختصمون لدي الخ الحديث في قوله : فمن حكمت له على نحو ما أسمع فإنما أقطع له جمرة من النار أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
فالموالي معارض عندي حتى آخذ منه الحق والمعارض موال عندي حتى آخذ له الحق فلا أريد بعد اليوم أن يكون لي نصيرا على الباطل ولا أن يكون لي معارضا بسبب ظلم أوقعته عليه عن قصد أو غير قصد .
فهذه المسميات وهي الموالاة والمعارضة مسميات غير إسلامية طبعا والمسمى بها هم مسلمون قطعا فهذه الازدواجية تحتاج من المسلم الذي يعرف جيدا محدودية مدة وجوده فوق هذه الأرض وأن وجوده تحتها أطول بكثير من وجوده فوقها بفارق الحالة الخاصة لكل شخص حسب عمله .
أما بعد ذلك فهو الذي يقول فيه المسلم : (( يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين )) و يقول فيه الظالم بعد عضه على يديه ((ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتي ليتني لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا)). فهذا يحتاج من المسلم إلى يقظة كبيرة والإضلال عن الذكر قد يكون عن الذكر كله وذلك الكفر البواح أجارنا الله وإياكم منه وقد يكون عن بعض ما جاء في الذكر وهذا أيضا أعوذ بالله منه،وقد يكون عدم ملاحظة ما جاء في الذكر في كل قول أو فعل وهذا هو الذي يجب على المسلم ملاحظته دائما والرجوع إليه كل ما ابتعد عنه .
وبعد هذه "الفذلـكة" بعد خطاب التعيين فإني أعطى مثالا لشرح الرئيس خطاب تعيـينه هذا للمسؤولين،فمثلا عندما يعين وزير الاقتصاد والمالية يقول له اعلم أني عينـتـك لما سمعت في خطاب التعيين وهو الخبرة والأمانة فهذه المالية ليس لي منها ولا لك إلا ما هو مقرر في النصوص وأنت هو الذي تعرفها فإذا أمرتك بإعطاء أي شيء لمن لا يستحقه ولو أنا فأنت المسؤول عن ذلك في الدنيا والآخرة فالله يقول ( ومن يغلل يات بما غل يوم القيامة) فأنا لا أريدك للدفاع عني ولا أن تجلب لي أي مصلحة، فأكبر مصلحة نتلقاها منك هي المحافظة على ما وليتك .
وكذلك وزير الداخلية عندما يعينه يقول له لقد استمعت إلى خطاب التعيين فأنت المسؤول عن الأمن الداخلي ، فالمسؤول الأول عنه أنا طبعا لأني في الدستور ضمنت للمواطنين حفظ أرواحهم وممتلكاتهم ولكن هذه الأمانة وليتـكها وأنت وليتها للولاة والحكام ولكن أين المراقبة منك عليهم فلماذا كثرت الجرائم في المدينة ، ولماذا أغلقت شوارع المدينة بالبناء وغير ذلك من عدم رؤية أي مسؤول يتجول في المدينة لإزالة ما يطرأ فيها من مخالفة للقانون ، وهكذا يقال للمكلف بالمهمة والمستشارين الإعلاميين والقانونيين والإسلاميين الخ أن على كل واحد منهم أن لا يهتم إلا باتقان ما أسند إليه بدون أن يظن أنه مطلوب منه مساعدتي أنا في ما لم نعينه فيه ، وعندما ينتهي هذا التعيين الأخير تحت هذه الضوابط أعلاه فعندئذ يقوم الرئيس بالنزول عن الرافعة ولكن بعيدا عن مستـنـقع الموالاة ويحتفظ بتلك المسافة التي ينزل فيها وسطا بين الموالاة والمعارضة حتى يتحولوا إلى مواطنين موريتانيين يبنون جميعا ولا يهدمون يجمعون ولا يفرقون ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم