مواسم الافتراءات خطاب النعمة وقرابين الطمع قبل الطاعة ومهاجمة المعارضة المظلومة المنهكة الفقيرة البائسة؟!..
من نعم الله على الموالاة في خطاب النعمة ما أتاحه لهم ولي نعمتهم الذي يرى من نفسه أنه ليس رئيساً لكل الموريتانيين وإنما هو رئيس الأغلبية دون المعارضة السيد محمد ولد عبد العزيز
من فرصة لتقديم قرابين الطمع قبل الطاعة والولاء وتدشين المسرحية البائسة السيئة التمثيل والإخراج حملة مهاجمة المعارضة الموسومة منه بالعداوة للوطن المظلومة المسكينة الفقيرة البائسة بكل فصائلها ومسمياتها .
وهي الحملة السياسية التي يبدو أن القوم قبلها كانوا صرعا كأنهم أعجاز نخل خاوية لا ترى لهم فيها من وجود ولا فاعلية، فانطلقوا مسعورين جياعاً متلهفين في سباق عميان مع الزمن في ميدان سياسي قاحط وموحش، استدعى من جميع الوزراء والمسئولين المتسولين عرض عضلاتهم الفكرية والخطابية وحشد ما يملكون من عتاد وعدة وما لا يملكون وهم له سارقون من أموال الشعب وموارد البلد لإظهار وجودهم وحضورهم وفاعليتهم في المشهد السياسي المصفدين فيه أصلاً بأغلال الطمع والهلع السالكين فيه الساكنين مكاتب ومساكن الذين ظلموا أنفهم وشعبهم وقد فعل الله بهم ما فعل ؟!!
والظاهر أن القوم لا يتعظون ولا يعتبرون بحال من قبلهم وما حاق بهم وما حصل لهم مما أقامه الله للناس شاهداً وعبرة ومثلا، ولقد كان نفاقهم وفسادهم هو السبب لما أصابهم من مهلكات الإلغاء والاستبدال، والتي ليست من الخلائق ببعيدة قال الله تعالى:{ وما هي من الظالمين ببعيد}، والقوم عن ذلك غافلون وفي غيهم سادرون متوحدون بالمعنى الصحي وليس المتفرد بمعنى التفرد في الخصوصية ، ولا المتوحد بمعنى التوحيد والائتمان بالحساب والجزاء؟!
لقد انطلق سباق شرح خطاب السيد الرئيس في خبالهم التشريحي، وتصديهم لكل من انتقد ما فيه من خطأ وخلل، فنطلقوا لا من خطاب الرئيس ولا من أشواق وقضايا الأمة وهموم المواطن، وإنما انطلقوا من ما بداخلهم من الإحساس بالذنب ومركب النقص وكم هائل من العقد نفسية التي يحملونها في دواخلهم والتي مبعثها الأساسي ودافعها الضاغط هو الإحساس بالعجز والفشل وتبعات الظلم الذي يمارس في النظام السياسي الذي ينتمون إليه والحساس بتبعات الفساد الذي يمارس ويعشش في إداراتهم ويخنق المواطن في حياته ومعاشه في نظامهم، وهم بذلك يعبرون عن ما بدواخلهم باصطناع فجور الخصومة مع أطياف من المعارضة الديمقراطية التي يدعون أنها من انجازاتهم وأهم مسؤوليات ومكتسبات ولي نعمتهم.
ولقد تابعت وبقدر كبير من الجهد والاهتمام بعض جلسات وخطابات وأحاديث الشارح لخطاب الرئيس في النعمة، والذي جنوا عليه في أحيان كثيرة أكثر من ما جنا هو على نفسه، فلم أجد لا شرحاً للخطاب، ولا رد مقنعاً على الخصوم، ولا فكراً سياسيا ينتقد المعارضة، ولا رأياً مدنياً يشخص الأوضاع وينظر للحلول، وإنما وجدت حُطاَبَ ليل يمكرون في السياسية بسذاجة، والإدارة بخبث، يستدعون كل ساقط من القول وبهت من الوصف وفاجر من الخصومة ليلبسوه لأطياف من المعارضة بعينها، يحسبونها فاعلة في المشهد والساحة، ويسقطوه على كل مخالف أو منافس للسلطة، والاستثناء الو حديد الذي وجدته عند كل أولئك الشراح أو الفضاح على الأصح لخطاب الرئيس في النعمة هو ما كتبه المفوض السابق والمستشار الحالي الأستاذ محمد سالم ولد مرزوق والذي سلك فيه في مقاله المعنون ب(الانتجاع الزوجي) .
مسلك الحوار والنقاش والشرح للخطاب في تناوله العلمي للقضية الأكثر خطورة في حياة المواطن وواقع ومستقبل الوطن، وهي الأكثر جدية من الناحية الفكرية والفلسفية، والمثيرة للنقاش، ألا وهي قضية نضوب أو ندرة الموارد وتسارع أو انفجار النمو السكاني غير المضبوط، والذي صوبه الرئيس على شريحة هي الأكثر تأثرا به، وعلاقة ذلك بالتخلف المجتمعي وبالتنمية المستدامة تعويقاً، أو تخلفاً أو مرضاً أ وجوداً وتأثيراً؟!
و لقد تسور المستشار الأستاذ محمد سالم ولد مرزوق ساحة الشرح والنقاش لخطاب السيد الرئيس للقضية الخطيرة والجوهرية في خطاب النعمة والتي لم يؤتى صاحبه في الأصل ملكة فصل الخطاب ولا يدخر عند أغلب القوم لسان صدق يبوء قوله للقبول والتصديق والمصداقية، ويؤهل خطابه عندهم للشرح والتفصيل، الأمر الذي تسبب في خلق ذلك القدر الكبير من اللقط وحتى الجدل حول القضية التي يتخاصم فيها أكثر من خصمان، وقد بغى بعضهم على بعض في تناولها ومعالجاتها مع غيرها من القضايا الوطنية الكبرى، تضليلاً وتجهيلا وحتى مكراً خبيثاً وكيدا ومكايدة سياسية قذرة وفاشلة في الممارسة والتطبيق والنتائج والآثار، وهي قضية الوحدة الوطنية والرق وتحديد النسل وعلاقة ذلك كله بالإرث الإنساني وبالتنمية؟! .
وهي إشكاليات وقضايا وطنية وأساسية لابد من طرحها على الطاولة ونقاشها،ولقد كان الرئيس فيما يبدو يريد طرحها وإثارتها، وإن خانه الزمان والمكان والمخاطبون وفصاحة البيان، الأمر الذي جعل أغلب المخاطبين تزيغ قلوبهم عن أحقية طرحها ونقاشها، وهنا نرى أن الأستاذ محمد سالم ولد مرزوق التقطها، وإن كان كما يقال في بدل الزمن الضائع وركلات ترجيح أهدى سبيلاً وأقوم قيلا في مضامين خطاب الرئيس في النعمة ؟!
ورغم اعترافنا للمفوض السبق و المستشار اللاحق بالإصابة في تسجل هدف التقاط القضية ووضعها على الأقل في مكانها السياسي وحتى الفكري الوطني، إلا أننا نختلف ونتحفظ على رؤيته للقضية واختيار الرؤية والطرح الغربي لمعالجة المسألة والهم الوطني المؤرق للجميع، وذلك لأن مبادئ وقيم ومقاصد ديننا يقدمان لنا في المسألة رؤية ومعالجات مغايرة لأغلب الرؤية الغربية التي انطلق منها ولد مرزوق، وسنقدم أسسها وملامحها بعد عرض مفهوم ورؤية الرئيس والمستشار للقضية، والتي كما قلنا في محصلتها هي الرؤية والمعالجات الغربية، والتي ترفضها اليوم أهم مدارس ومفكري الغرب في مجالات الموارد والسكان والتنمية ؟!
ذلك أننا نلاحظ في مجال دراسات التنمية والسكان أنه لطالما أثيرت مجموعة من الإشكاليات التي منها: ما إذا كان التحكم في النمو السكاني يعتبر شرطاً ضرورياً لعملية التنمية الاقتصادية .
ويتبين من منظور الدول الرأسمالية المتقدمة أن الدول المتخلفة لن تخرج من دائرة الفقر الخبيثة ما لم يتم التحكم في النمو السكاني، والوسيلة هي تحديد النسل، والذي يرفضه الإسلام ؟! .
وعلى الضفة الأخرى تبرز النظرية الاشتراكية التي تقول بأنه عند الحديث عن التنمية لابد من وضع قضية السكان جانباً، والامتناع عن تطبق فكرة تحديد النسل!! .
ذلك أن النظرة الاشتراكية السوفيتية تقول إن الفقر الذي تعاني منه الدول المتخلفة ناتج في الأساس عن الاستغلال الذي تمارسه الدول الاستعمارية المتقدمة على الدول الفقيرة المتخلفة، وهيمنتها على السياسات والخطط فيها؟ .
وهذا هو السبب الرئيسي في الفقر النسبي لهذه الدول من وجهه النظر الاشتراكية.
ومن الأمور الهامة والملفتة للنظر علمياً أنه حينما عقد المؤتمر العالمي للسكان في عام 1974م أنتهي المؤتمر إلى خطة عمل تدعو الدول المتقدمة إلى أعطاء أولوية أساسية لبرامج تنظيم الأسرة للسيطرة على الخطر الأكبر الذي يهدد التنمية الاقتصادية في هذه الدول وهو النمو السكاني.
وفي عام 1984م حينما عقد في المكسيك المؤتمر العالمي للسكان خرجت الولايات المتحدة بفكرة جديدة ونظرية مخالفة لتلك التي كانت سائدة ومع العالم تبنتها في مؤتمر بوخارست عام 1974م.
فقد رأت الولايات المتحدة أن النمو السكاني ليس بالضرورة أمرا سيئا، وأن المناخ الاقتصادي الحر هو المكون والفاعل السحري لكل من التنمية الاقتصادية والتحكم في الخصوبة.
فبالرغم من أن العالم كان متفقا على وجهه النظر القائلة بأن النمو السكاني يعد عاملا مقيدا للتنمية الاقتصادية عام 1974م، فانه في عام 1984م كان هناك شبه اتفاق حول وجهه النظر الأمريكية الجديدة والتي تقول بأن القضيتان (التنمية والسكان) ليستا متناقضتان بهذه الصورة، فأصبح من الواضح على الأقل أكاديميا أن هناك ثلاث وجهات للنظر متعلقة بالعلاقة بين النمو السكاني والتنمية كالأتي:
1-أن النمو السكاني عامل مشجع للتنمية الاقتصادية
2- أن النمو السكاني ليس عاملا ذو أهمية لعملية التنمية الاقتصادية.
3- أن التنمية الاقتصادية عامل مقيد للتنمية الاقتصادية .
والله جل وعلا يقول وقوله الحق في شأن الرزق والموارد:{ وهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، سورة الرعد، الآية :3- 4.
الأستاذ محمد سالم ولد مرزوق يقول في شرحه لخطاب الرئيس أن الرئيس أراد أن يطرح قضية"عدد الأطفال في الأسرة، والآثار السلبية للإنجاب الفوضوي على النّتاج الديموغرافي، وهو أمرٌ واقع، وهذا قول صحيح، والصحيح كذلك وقبله أن المعنيين به نحن وأساس مسؤولياتنا كمسئولين حاكمين ومنظرين ليس هو تحديد النسل وإنما هو تطويره وتحسنه بالتعليم الجيد والتكون الفاعل، وتيسير كل الخدمات التي يحتاجها.
ويبرهن ولد مرزوق على قوله ذلك بالقول إن"هذه الظاهرةٌ ما فتئت تسبّب المآسي منذ أمدٍ بعيد. وتعاني منها كل الشرائح في المجتمع الموريتاني بدرجات متفاوتة وتبعا لآليات تتّسم في الآن نفسه بخصائص شمولية (تعدد الزوجات) وذاتية (عدم الاستقرار العائلي).
وعبر الأحقاب والعصور، اصطلت المجتمعاتُ البشرية كافة بنار تلك الظاهرة. فكلٌّ منها قد انتهج في وقت من الأوقات أسلوب التكاثر بالإنجاب لتعويض التناقص الذر يع للسكان جرّاء الحروب والمجاعات والأوبئة. والطفرة المرتبطة بثورة العصر الحجري الحديث (الزراعة، التنمية الحيوانية، تدجين الأعشاب، التقرّي، وفي نهاية المطاف الصبغة الاجتماعية للتلاقي البشري)، لم تُحرز النتائجَ المتوخاة رغم تضاعف عدد سكان الأرض عشر مرات، منتقلا من 15 إلى 150 مليون نسمة. ولم تغير هذه الفترة وتيرة التعويض التقليدي المنتهج لتدبير النتاج الديموغرافي.
وكان على البشرية أن تنتظر القرن السابعَ عشرَ لتعرف منعطفا حاسما تمثل في(الانتقال الديموغرافي)، الذي ترسّخ في غضون القرن الثامنَ عشر، من خلال تضافر العديد من العوامل: تغيير العقليات الناجم عن ارتقاء المستوى التعليمي والثقافي، الوعي الصحي، النظافة، انخفاض معدل الوفيات، والنزعة المتنامية نحو إطالة أمد الحياة.
والمحصّلة هي ما دفع عجلة التقدم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي لدى الغرب.
ولا مراء في أن طرح هذه القضية على بساط نقاش وارد وسليم حتى ولو ترتّب عليه استفزاز بعض المواقف المحافظة والغارقة في سراب الأوهام.
لنرفض الجمود و الواقع أن هذا الموضوع يعني الجميع، رجالا ونساء ـ بدون استثناء ـ مهما كانت انتماءاتُهم وتوجهاتهم. ومع ذلك، لمز البعضُ ـ عن وعي أو بدون وعي ـ إلى أن الموضوع لا يعني سوى شريحة خاصة ومهمّة من الشعب الموريتاني. وأُطلقت شرارة اللهيب، وأُثيرت العواطف وتعالت المزايدات، رغم أن القضية المطروحة في محلها تماما. فهي تقع في صُلب عمليتنا التنموية وطموحنا المشروع إلى الرقي والازدهار؛ ومن ثمّ يتحتّم علينا أن نناقشها بتأنّ ورويّة وبرودة أعصاب، لأن تداعياتها تضرّ الضعفاء والمعوزين في المقام الأول.
وإني لأدرك أن محظورا قد كُشف النقابُ عنه لأول مرة وكُسرت حواجزُ المسكوت عنه. وعندها اشرأبّت أعناق النزعات المحافظة من كل حدب وصوب. إن هذا الموقف المحافظ يرتكز في جانب كبير منه على هاجس الموت المبكر للأطفال، الذي تنبني عليه القواعدُ الزوجية الساعية إلى إنجاب أكبر قدر من الذرية.
والحال أن من المتعيّن إشعارَ مواطنينا بتحديات التنمية وعوائقها. فماذا تعني الضجة المثارة بهذا الصدد؟
إن الأمر يتعلق بالخصوبة الفوضوية وما ينجرّ عنها، فضلا عن الوفيات، من مآس تتمثل في الثالوث المشئوم: الفاقة والجوع والمرض.
وبهذا تطرح للنقاش مسألة جوهرية، تعتبر أحد ركائز محرك التاريخ ورافعة قوية لنهوضنا إلى مصافّ الحداثة.
ونقول نحن هنا في هذه القضية لسيادة الرئيس ولك يا سعادة المستشار الشارح لخطاب الرئيس أن في ثقافتنا الإسلامية، دعوة إيمانية حارة لتكثير المواليد وأن ذلك مقصد شرعي وأمر إلهي يقول الله تبارك وتعالى:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وأنه مطلب وأمر نبي قال – صلى الله عليه وسلم-:" :" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً"الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده .
وأنه هدف استراتجي تنموي، فقد أثبتت أغلب الدراسات العلمية الرصينة الجادة أن عمليات التنمية وتعمير الأرض تتطلب قدراً من الكثافة السكانية تستوجب منا نحن الامتناع عن عمليات تحديد النسل والعمل على تكثير المواليد حتى نصل بسكان بلدنا البالغة مساحته 1030700كم2 مليون وثلاثين ألف وسبع مائة كيلو متر مربع، إلى حدود ثلاثين ملون نسمة من المتعلمين المدربين وحتى نتمكن من تعمير بلدنا والنهوض به ؟.
وتلك هي مسؤولية الدولة الأساسية الفاشلة فيها والعاجزة عن تحقيقها، ومواردنا الطبيعية والاقتصادية إن دبرت أحسن تدبير وكفت عنها أيدي اللصوص والفاسدين الظالمين ومسك إدارة تسير دفتها المتعلم القوي الأمين، قادرة على توفير كل الموارد الأزمة لذلك وتمكيننا من تحقيقه، ولقد أثبت العلم أن وجود اليد العاملة والمتعلمة المدربة، وتوظيف التكنولوجيا ومكنة الزراعة وتطوير البذور والصلات النباتية، كل ذلك كفيل بأن تطعم آلاف الأفندية كل البشرية، وهذا ما أتثبته سنويا محاصيل المزارع التي توفرت على تلك الخبرة والمقننة في الغرب والتي تشهد ساحاتها سنويا حرق ملايين الأطنان من المحاصيل التي تنتجها آلاف الأفدنة فقط، وهم يفعلون ذلك للحفاظ على أسعار المنتوجات في الأسواق العالمية ؟!
والعلماء يقولون أن من المؤكد أنه وفي نفس الوقت الذي يصرخ فيه الكثيرون في مواجهة مأساة ما يسمونه بندرة الموارد وانفجار السكان، وتكثف وسائل الإعلام برامجها للحث على تحديد النسل والتحذير من الموت جوعاً، تبرز في البحوث والدراسات العلمية وجهة نظر مخالفة تفتح الأمل وتبشر باقتراب اكتشاف إشراق الفرج في الأقوات والأرزاق التي ستسعد من يشهدها من سكان المعمورة!...
ويؤمن رواد وأنصار هذه النظرة بأن الندرة خرافة... والجوع صناعة... والتخلف تدبير...
وأن كل تلك المخاوف ما هي إلا خزعبلات يروج لها المستفيدون من الأغنياء في الدول المتقدمة وحتى تظل تلك الصفوة في انتعاش مستمر وعلى حساب ازدياد الفقر في عالمنا التالف أو الثالث فقراً... ويتبنى هؤلاء المتفائلون فلسفة خاصة بالموارد وهي مبدأ الوفرة والكفاية ليس للإنسان فقط وإنما لكل الكائنات الحية وهذا مبدأ إسلامي، بل وعقيدة إيمانية، وأخبار قرآنية؟!.
وإن موارد العالم حالياً تزيد عن حاجته وأن النقص فيها إنما يرجع إلى سوء الاستخدام والتوزيع أولاً. وإلى تخلف الخبرات والمهارات وفنون التقنية ثانياً، وبالرغم من أنه يولد في كل عام مئات الآلاف من البشر.. فيضيق العالم على سعته بهم، إلا أنه في الوقت نفسه تحتف الأرض بالخصوبة وتحوي البركة والنماء في الرزق، ويقول الحق جل وعلا وقوله الحق:{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} سورة الحجر،الآية:21 . وقال:{ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها}، سورة فصلت، الآية:10.
وقال:{ قلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ}، سورة فصلت، الآية: 9.
وشاء وقدر أن يكون العلم هو السلطان والوسيلة لنيل ما سخر الله وأودعه في هذا الكون ، وقدر لصالح البشرية أن تولد كل عام مئات الأفكار والمخترعات ويزيد أفق المعرفة (أم الموارد كلها... فيتسع العالم على ضيقه لهم!...)
وفي المنهج الإسلامي كذلك فإن القرآن الكريم فيه آيات تبطل قضية الندرة، وبالتالي تنهي الخوف والقلق وتبطل التشاؤمية، وكنتيجة لذلك فإنها تثبت مبدأ الطمأنينة والسكينة والتفاؤلية في وفرة الموارد الاقتصادية، وكما قال الحق جل وعلا:{ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف}.
وقدر في أزله ولا معقب لحكمه أن يجعل الأرض مباركة قابلة للخير والبذر والغرس وما يحتاج له أهلها من الأرزاق، واللَّه سبحانه وتعالى يقول وقوله الحق:{ وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُون وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِين وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ }،سورة الحجر، الآيات:19--20 .وقال:{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} سورة الأعراف، الآية:10.
فالموارد الاقتصادية في جملتها متوفرة غير نادرة وكافية لإشباع حاجة الإنسان، يقول الله تبارك وتعالى:{ وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}،سورة إبراهيم، الآية :34.
ويقول وقوله الحق:{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} سورة الحجر،الآية:21 . وقال:{ وبارك فيها وقدر فيها أقواتها}، سورة فصلت، الآية:10.
وقال:{ قلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ}، سورة فصلت، الآية: 9.
فالله ربنا الرزاق جل في علاه يخبرنا أنه خلق الأرض في يومين (من أيام الله وهي الحقب) أنه سبحانه وتعالى قدر فيها أرزاق أهلها وما يصلح لمعايشهم في تتمة أربعة أيام سواء للسائلين وهذا معناه أن المصادر الغذائية لعباد الله على الأرض مقدرة مسخرة ميسورة ولن تنفد ما وجد .
وقد تكفل الله عز وجل الرازق العليم برزق من لا يقدر على حمل الرزق وتخزينه من العجميات الحيوانات، وذلك بقوله:{ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }، سورة العنكبوت، الآية:60 .
وقال وقوله الحق:{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِين}،سورة البقرة، الآية :36.
وقال:{ إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون}، سورة البقرة، الآية 164.
وقال: { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}، سورة هود، الآية:6.
وقال –صلى الله عليه وسلم في حيث عمر- رضي الله عنه- :" لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً"الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والتوكل معناه بذل الأسباب علماً وكدا وضربا في الأرض والسعي في مناكب الأرض طلباً للنتائج والثمار كما قال –صلى الله عليه وسلم للأعراب في بيان شأن التوكل في شأن ناقته :" أعقلها ثم توكل".
وهكذا وكما يقول خبراء السكان والتنمية، فسواء أكان الخوف أم الأمل هو الذي يحرك أعماق النفوس البشرية، فالذي لا شك فيه من الناحية العلمية أن مشاكل البيئة وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على الإنسان، قد أضحت قضية العصر التي تشغل اهتمام دول العالم قاطبة... شماله الغني الذي يخشى انحسار تيار الرفاهية والرخاء الذي ينعم فيه... وجنوبه الفقير الذي يحاول في استماتة أن يحقق أحلامه وطموحاته وتوقعاته العالية على الأقل في أن يفلت من براثن إخطبوط التخلف الذي يكبله إلى دوائر - من الفقر - خبيثة.. يتردى فيها منحدراً إلى سفح هاوية لا يعلم تأثيرها ومداها إلا الله!..
إنها لقضية العصر بحق، لأنها تقف وراء كل مشكلة يعاني منها ابن آدم وكل هدف يصبو إلى تحقيقه فمهما اختلفت التفاصيل... وتعددت الأغراض... وتباينت المظاهر، فالداء واحد وسببه ما يعرف بالمشكلة الاقتصادية التي تواجه الإنسان منذ بدء الخليفة وستظل تلازمه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً... فرغبات الإنسان وحاجاته متعددة.. متجددة ومتزايدة.. غير أن وسائل إشباع هذه الحاجة من سلع والخدمات الاستهلاكية نهائية، جدّ محدودة.
وهي محدودة لأن (المستخدمات) التي تدخل في إنتاجها محدودة بدورها. وهذه المستخدمة الإنتاجية محدودة لأن العناصر التي تم إعدادها لتوفير هذه المستخدمات هي الأخرى محدودة.
وعناصر الإنتاج محدودة لأن الموارد الاقتصادية، التي منها تهيأ عوالم الإنتاج لتصبح مستعدة فعلاً للمساهمة في علمية الإنتاج، محدودة هي الأخرى. والموارد الاقتصادية محدودة لأن مصادرها - على الأقل المعروف منها - نادرة ومحدودة بدورها، وكما يقول أولئك الخبراء، ومن منظورنا الإسلامي فإن الموارد والأرزاق محدودة بحدود إطعام المحتاج للإطعام والإشباع لا دون ذلك ؟!
والحقيقة الثانية كذلك والثابتة علمياً أن هناك مصدرين رئيسيين لكافة الموارد هما: الإنسان والطبيعة وهما يوفران كل على حدة - بعض الموارد، كما أن تفاعلهما معاً يوفر البعض الآخر فالطبيعة وحدها مصدر ما يعرف بالموارد الطبيعية بينما الإنسان وحده مصدر الموارد البشرية. غير أن تفاعل الإنسان مع الطبيعة إنما ينتج عنه نوع آخر من الموارد هو ما يعرف بالموارد المصنعة أو الحضارية.
وعلى ذلك، فبيت الداء بالفعل هو الإنسان والطبيعة وذلك الصراع المستمر بينهما... وهو صراع كثيراً ما كان الإنسان يعتقد في أحيان مختلفة انه حسمه نهائياً لصالحه... غير انه سرعان ما يكتشف أن بينه وبين ذلك بون شاسع ورحلة شاقة طويلة!... انه الصراع الخالد الذي يشكل تاريخ البشرية وقصة الحضارة الإنسانية...
والله يقول وقوله الحق:{ تبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}، سورة الملك ، الآية: 1 .