الحوار.. التمرين الأسمى على الديمقراطية / الولي ولد سيدي هيبه

"أسهل طريقة لكسب خصومك أن تستمع إليهم" أنيس منصور
تكمن في الغالب الأعم سعادة السياسي المخضرم، المسكون بحب الوطن وهم الدولة ومصالح الشعب، من خلال ممارسته الميدانية في كونه قد وهب جزء من حياته للنضال بتجرد من أجل كل القضايا

الواردة والتي قد يكون البعض منها في البداية غير مفهوم وغير مقبول من قبل الغالبية في المجتمع، الأمر الذي يؤكد أنه يعمل ببعد نظر ونفاذ بصيرة، وأنه يفكر بعمق فيما هو أبعد من تفكير مواطنيه العادين.
على الرغم من مرور ست و خمسين عاما على استقلال البلد ما زال المنكبون على الممارسة السياسية قاصرين عن تمييز نبلها و استيعاب منطقها الرفيع، عاجزين عن إدراك سمو أهدافها ودقة و سلامة أساليبها، وبعيدين عن وعي كنه فلسفتها وفهم عمق روحها التي تنبض بها، بقدر ما أنهم يتعاملون معها بلغة المصلحة الضيقة و لسان حال الاحتيال بها على الحاضر وسيلة تعوض عن أساليب الماضي المعشعش بعناد شديد في الأذهان و السلوك من خلال الهيمنة عبر القوة بكل أوجهها المريرة التي كانت متاحة دون رادع  أو وازع من ناحية، وتحقيق رغبة مرضية في الابقاء على النفوذ وامتلاك ناصية الرقاب ومكاييل المال من ناحية أخرى، طموح دخل على أهله في الميدان ما استجد في الخضم من نوايا و إرادة فاعلي و ناشطي أطراف الشرائح المهمشة الجدد و رغبتهم الجامحة في اقتطاع جزء من كعكة المتاح في فضاء اللامضبوط من دون الوقوف بحزم المبدئية لاسترجاع الكرامة المهدورة و إحقاق العدالة الضائعة.  
لقد أصبح من المعلوم أن بعض المجتمعات المدنية العصرية المتطورة، التي تخطت منذ زمن بعيد عقدة الماضي التقسيمي الطبقي، اتجهت ـ فيما تجاوز الإرهاصات إلى أمر الواقع ـ من النظام الديمقراطي التقليدي إلى نظام سياسي إداري "اتفاقي ـ تكاملي" يعتمد على الحوار، الأمر الذي يعتقد البعض أنه يرفع من الإنتاجية المادية للبلد وسقف الثقة المعنوية لدى المجتمع. وبالطبع فإن هدف الحوار في ذلك التوجه هو ذاته توضيح مشكلة ما، والمساعدة على وضع أسس حلّها بشكل مشترك في ثنائية "الإقناع والاتفاق" لغاية الوصول إلى إجماع، ما يعني المساعدة بالنتيجة على وضع خطوات عمل مشتركة بين الأطراف.
إن الحوار المتمدن، الذي يجب ألاّ يغيب فيه عن البال أن حصوله، ليس مرهونا بحتمية تحقيق نتيجة بقدر ما هو مؤكد أنه لا يمضي مطلقا دون أن يتمخض عن جدوى معلومة؛ وإذ ليست بالضرورة المؤكدة أن تكون نتائج الحوار في كل حالاته إيجابية، فإن رفض حصوله هو بالقطع الشيء الوحيد البالغ السلبية لأن الحوار السياسي المسؤول يكون بالتعريف أولاً عما يحمله كل جانب من أفكار تجاه الآخر رغم اختلاف مشارب المنافسين والخصوم والحلفاء.
من هنا يجدر القول إن الحوار الذي ينظم بشكل صحيح وبجدية و حزم، لا يغفل موضوعا يعبر أي من الاطراف عن الرغبة في الخوض فيه ونقاشه لكن في حدود الحفاظ على الثوابت، لا بد أن تسفر نتائجه عن مخرجات إيجابية أو تتمخض عن بذور طيبة تمهد لمتابعة جولاته وتعين على الوصول إلى نقاط مشتركة من دون أن يكون ثمة خسائر أو مهزوم، خصوصاً إذا ما كان الحوار مبنيا على أسس مكينة من الحجج العقلانية حول إشكالات موضوعية؛ وإذ ليس الحوارُ والمنافسةُ بالمنطق السياسي السليم هما الهدف بقدر ما يشكلان الطريقة التربوية المثلى ومنهج التعامل القويم في مجرياته، بمعنى أن الحوار لا ينظم لذات الحوار ولكن من أجل هدف محدد واضح تسعى الفئات والأطراف السياسية المختلفة إلى الوصول إليه بترو وسعة صدر و هدوء رغم تبيان مواقفها وخصوصياتها، وعلما بأنه في الممارسة السياسية "العصرية" لا يوجد أي موقف أو دور يمكن اعتباره قطعيا ونهائيا يصدر عن أي من المشاركين في عملية الأخذ و الرد و الناسخ و المنسوخ والناقص والمكمل و لا تنقطع لأنها تعبر زمن الأجيال، فيما وجهات النظر تتغير هي الأخرى بدوام حصول المستجدات وحيث أن الذي كان بالأمس واردا وصحيحاً قد لا يكون اليوم كذلك.
فمتى ما نقى سياسيونا أنفسهم من "عقدة" دوام الحال المستحيل و "عِلة" رفض الآخر، وإذا ما أدركوا أن الوطن فوق كل اعتبار وأن الحوار تمرين على الديمقراطية التي بها تدرك المقاصد، فإن الأطراف ستقبل حتما مبدأ التنازل والتوافق على متطلبات بناء الثقة وتقاسم مسؤولية بقاء الوطن وحفظ تماسكه وضمان وحدة شعبه على أسس العدالة الاجتماعية الغائبة واللحمة الضعيفة المهددة والتنمية التي تتطلب جهدا مكثفا ورشدا وحكمة بالغين.
 

2. يونيو 2016 - 16:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا