ليس غريبا أن يتساءل إنسان بسيط بعد وقفة تأمل في حال البلد وواقع اليوم ويقول ما الذي تغير؟ وأي تغير حدث ذلك الذي تمنّ به الحكومة علينا نحن معشر الضعفاء؟ وما هي الدواليب أو الأيادي المتحكمة في الدولة التي من خلالها ينتظر القاسي والداني التغيير والتنمية ...إلخ؟
منذ أن حدث انقلاب 2005
والناس جميعا في هذا البلد الحبيب تأمل التغيير وتأهذي به في هيستيريا جنونية لا تنضب من أجل حدوث ذلك ومشاهدته واقعا عينيا معاشا ، وليس غريبا ذلك لأنه من اللحظة التي جاء فيها العسكر المنقلبون على ولد الطايع 2005 وهم يتحدثون عن نية الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد المستشري منذ سنوات عدة ، رغم أن الذين شجبوا ذلك الزمن وأقرّوا بنية محاربته شاركوا في صنعه ، من خلال ذلك يمكن تقديم هذه الكلمات بنقاط قد تدخل في باب إشكاليات مطروحة أو واقعة متغافل عنها بقصد أو بغير قصد ...
1- المنقلبون 2005 قدموا مدير الأمن السابق أعل ولد محمد فال ، وفي حالة افترض أحد أن ولد عبد العزيز ولد الغزواني لم يكن مؤثرين في حكم معاوية ولد الطايع ، هل يمكن استبعاد أعل من تلك الأزمة الخانقة التي عاشها المجتمع في الأيام الأخيرة من حكمه؟ هل يمكن استبعاد مدير جهاز المخابرات في أي نظام في العالم عن شرخوات كبيرة كادت تعصف بالمجتمع كله ، من حبس العلماء ، وأصحاب الرأي والسياسيين ، والتصفيات القبلية ....؟ إن تصحيح أخطاء ولد الطايع في فترة وجيزة وإطلاق سراح جميع السجناء في ظرف وجيز من طرف رجل كان هو المسؤول الأول عن الأمن في البلاد ، أمر في غاية الغرابة ...
2- اعتقد أنه من تلك الفترة بدأ عزيز يحفر مساره من وراء الستار ، من الوراء الواجهة التي أدخل اللعبة ، ووعد العسكر بالتخلي عن السلطة وتبني مواقف المعارضة ، فبدأ أحمد بالتسويق للانقلاب ولضرويته للبلاد في الخارج في الوقت الذي اختارت في التحفظ جهات معارضة أخرى مثل مسعود واليساريين ... كان من الطبيعي وقتها عندما قرر العسكر تسليم السلطة للمدنين وأقّروا كذلك بنيتهم التغيير أن يكون تسلم السلطة فعلا لمن كان معارضا سياسيا تحمل في معارضته السجن والتنكيل ، لكن كان للعسكر خطة أخرى مخالفة لتوقعات المعارضة جميعا على حسب ما ظهر من تصرفاتهم في تلك المرحلة ...
3- بعد أن قرر العسكر عدم الترشح كان هناك من يعمل في الخفاء من أجل إعادة الأمور إلى نصابها وكي لا يضيع الجهد الذي بُذل من أجل التغيير ، لقد ظهرت موجات منت المترشحين المستقلين فازت في الانتخابات البلدية بالرتبة الأولى ، وقد جاء حزب تكتل في المرتبة الثانية ، الغريب أن صورة حزب تكتل في تلك الفترة كانت تجلب الكثير إليه لكن اتضح بعد انقلاب 2008 وخلع سيد ولد الشيخ عبد الله أن أكثرية نواب تكتل كانت وديعة سيستردها العسكر وقت الحاجة إليها ، وهذا حدث مع جميع الأحزاب الوازنة الأخرى ، لقد كانت خدعة كبرى ، الهدف منها هو إعادة الأمور للعسكر بأي ثمن وليست هناك وسيلة أخرى سوى أن يكذب العسكر صدق الفرضية التي تقول أن الرئيس يجب أن يكون مدنيا ، فجلبوا مدني متحكمين فيه وقام جهاز الأمن بلخبطة الأجواء الأمنية وترهيب الشارع ليقولوا أن الرئيس المدني رئيس ضعيف ، مع تزامن حراك سياسي جاد بات يؤرق الحكومة ورئيسها وعندما وصل حده انفجر وبالطريقة التي نعرفها جميعا ... نحن هنا أمام نقطة أساسية ، الدولة تجند مخبرين وتدسهم في أحزاب معارضة من أجل التأثير فيهم ، على العلم أن المعارضة هي الصورة الثانية للحكم الديمقراطي
4- لقد عمل النظام الجديد على خلق خطاب سياسي جديد وإحداث إصلاحات في مجال البنى التحتية وهيكلة المؤسسة العسكرية ، والحريات ، لكن الغريب في الأمر ونحن الآن في فترة متأخرة من مدة حكم عزيز حسب المحدد دستوريا ، وبعد انقضاء ما يزيد على العقد بسنة من حكم ولد الطايع أن المشهد السياسي وخارطة التخندقات لا زالت هي هي رغم فارق ليس بالكبير ..
لقد كان مسعود وأحمد ولد داداه والإسلاميين بالإضافة إلى فرسان التغيير هم الهاجس الأكبر الذي يتربص بنظام ولد الطايع .. لقد كان صالح ولد حنن وزملاؤه مطاردون على إثر محاولتهم الإنقلابية 2003 الذي كان ولد عبد العزيز نفسه من أبرز المتصدين لها ، وعاش الإسلاميين أزمة حادة أودت بهم السجن بما فيهم العلماء وغير العلماء ، وكان أحمد من أشد المعارضين لتصرفات ولد الطايع تلك قبل أن يورد هو الآخر السجن ، وعليكم أن تتساءلوا ، أيعقل أن يكون شخص الرئيس "معاوية" هو المسؤول عن ذلك كله ؟ لقد كان معاوية واجهة نظام تتحكم فيه دواليب خفية هي من أزاحته وحركت اللعبة بإمساك دونه ، كما عليكم أن تتساءلوا عن الأسباب التي تساعد على استمرار المشهد السياسي في نفس التخندقات، لقد كفر شخص ولد عبد العزيز حقبة ولد الطايع واصفا نظامه بالمفسد ، طيب هل يعقل حسب مقتضيات نفس المنطق الذي تحدث به عزيز أن يدخل الذين عارضوا الرجل وأعلنوا فساد حكومته في وقت كان الرجل يوشح ولد عبد العزيز ويكافئه على الولاء والبذل في سبيل وفائه له في ذلك الوصف؟
لست أفهم المنطق الذي يكيل فيه عزيز التهم والضغائن لحقبة ولد الطايع في الوقت الذي يلعن فيه من كان يعارضه أشد المعارضة ، ولستُ أفهم استمرار المشهد السياسي بتخندقاته القديمة في وقت تُسير فيه أموال الدولة بأحسن حال حسب تعبيرات صاحب الفخامة .
كل ما أفهمه أن ما حدث 2005 ليس انقلابا بل أن هناك في الخلف من يقرر ويلفي ويحل دون علم الشخص الذي في الواجهة ، رحل معاوية وبقى نظامه ، كل ما تغيير أن فرسان التغيير الذي كانوا هاجس ولد عبد العزيز لم يُعدموا ، وبالتالي يجب وضع حل للازمة التي خلقوا ولن يتم ذلك الحل إلا بحالتين ، إما أن يُقتل جميع الفرسان وينتهي الأمر ، وإما أن يُزاح ولد الطايع وأن يحمّل كل ذلك ويتنفس الصعداء وتعود المياه إلى مجاريها ، وهو ما كان بالفعل .